كثيرة هي المُغريات التي تُحاصرنا كل يوم، مُغريات نكاد نجزم أنها ليست بمقدور الجميع، بل وبعيدة عن مرمى نظرهم أو طموحهم. ومن المؤكد أيضا اندماج أفراد هذه الطبقات والتقاؤهم في أماكن عديدة لا يُشترط أي شرط مادي للوجود فيها، على سبيل المثال: المدرسة.
ففي المدرسة العديد من الطلبة الذين يأتون من طبقات متقاربة ولكنها متفاوتة في الوقت نفسه، ويستطيع الطالب أن يُميز التلميذ المرفه من غيره المحروم، أو أن يحكم على وضعه الذي يفتقر إلى الكثير مقارنة مع زميله الذي يملك الكثير من الأشياء.
فيأتي دور الأهل، إن اقتنع الأهل أساساً أن ما بين أيديهم يكفيهم، فهذا سيغرس في نفوس أطفالهم الرضا والاستمتاع بما يملكون غير آبهين بما لا يملكون. وبعيداً عن النقاشات النظرية التي قد لا تنعكس على سلوك أطفالنا، فكيف يُمكن غرس القناعة في نفوس أطفالنا الذين يغرقون في مُغريات هذا العصر؟
إن بعض الأخطاء التي يرتكبها الأهل والتي بدورها تجعل الطفل أنانياً، غيوراً، غير راضٍ مهما مَلَك:
- إعطاء الطفل كل شيء: أن يستجيب الأهل لمحاولات الطفل الحثيثة في إقناعهم بشراء أو عمل شيء هو غير ضروري إطلاقا أو ليس في حاجة إليه.
- عدم توضيح الاحتياجات الأساسية: أن يُقدموا للطفل احتياجاته دون التوضيح له لِمَ يحتاج إليه أساسا أو لِمَ قُدّم له، وهذا بدوره لن يجعل الطفل قادرا على تقدير ما يملك.
- عدم توضيح سبب المنع: أن يُمنع عن الطفل بعض الأمور دون تقديم أسباب واضحة للمنع، وهذا سيُشتّت الطفل ولن يجعله قادرا على تمييز سبب الرفض.
- التذمر الدائم بين الوالدين: الحوارات المُتشائمة أمام الطفل والتي تشكو مسؤوليات الحياة وذكر تقصيرهم في بعض الأمور أمام الطفل، هُنا ينشأ طفل غير راضٍ عما هو فيه.
لا شك هنا أن تربية وإنشاء طفل قنوع راضٍ عما بين يديه وما هو مُتاح رغم كل التأثيرات الخارجية هو تحدٍّ للأهل، ولا يمكنها أن تكون مهمة سهلة. فالإشارات والعلامات التي يُبديها الطفل والتي يمكن للأهل أخذها في عين الاعتبار لتقييم وتصويب وضع طفلهم، وبعض هذه الإشارات تكون على شكل:
- أسلحة مُحرجة للأهل: غياب فكرة الحوار من قِبل الطفل حينما يطلب ما يريد، فهو يلجأ للصراخ والبكاء والعناد.
- غياب مُفَضَّلاته: إن سعي الطفل إلى الحصول على الشيء فقط لأنه رآه في يد الآخرين هو إشارة إلى غياب ما يُحب. على سبيل المثال: ينتقل مباشرة إلى لعبة أخرى أو شيء آخر كتقليد لا كرغبة أو تفضيل.
- إتلاف ما بيد الآخر: يميل الطفل غير القنوع إلى إتلاف ما بيد الآخرين -حتى لو كان الأم أو الأب-، وعند النقاش أو الحوار لا يُبدي أي إجابة سوى العناد السلبي.
يتبادر إلى الذهن بعد استعراض هذه النقاط أن الأطفال عادة يتشابهون في ردات الفعل، وأن طفلهم قد لا يكون هذا الطفل الذي وصفته هذه النقاط باعتباره غير راضٍ أو غير قنوع. ولمعرفة ما إذا كان الطفل فعلا قد اكتسب هذه الصفة من قِبل أهله دون قصد منهم، وجّهنا بعض النصائح التي ستُفيد الأهل للتعامل مع طفلهم فيما لو كان غير قنوع، أو لتصويب بعض الأخطاء إن وُجدت. نتحدثعن شكلا خُماسيا، تعمل أضلاعه الخمس على تنشئة أطفال يعون الوضع المادي للأهل، ويُفرّقون بين حاجياتهم الأساسية وبين الرفاهية غير المنتجة:
1- الضلع الأول: أن يتعلم الطفل كيف يدخر المال ويُوفره، وإخباره بأنه سيتم شراء ما يرغب به من أمور غير أساسية من مدخراته الشخصية، مثل الألعاب والحلويات وغيرها.
2- الضلع الثاني: توضيح أن احتياجات الأم أو الأب الخاصة تكون من مدخراتهم الشخصية وليس من ضمن الميزانية المخصصة لمصروفات البيت.
3- الضلع الثالث: مناقشة طلب الابن معه بتوجيه بعض الأسئلة، مثل: ما الحاجة إليه؟ كم يبلغ ثمنه؟ وما الفائدة منه؟ وهل هناك بدائل أقل تكلفة؟
4- الضلع الرابع: تقديم خيارات للطفل تُلبي المطلب نفسه، واحترام خياره حتى ولو كان عكس رغبتنا.
5- لضلع الخامس: فتح المجال للأبناء لمناقشة الأهل حول مشترياتهم، ليحكموا هم أيضا على قناعة أهلهم أم أنهم يلجأون للرفاهية غير المنتجة.
إن الطفل قد لا يفهم مصطلحات مثل: أنانية، قناعة، رفاهية، ولكن مع الوقت، وبالتركيز على مضمون هذه المفاهيم، سنكون قد ساعدنا أطفالنا على ترتيب أولوياتهم التي ستتضح معهم كلما زاد وعيهم بمسؤولياتهم تجاه أنفسهم هم أيضا. ونكون أيضا قد علّمناهم معنى الامتنان لما هو متاح، ففي أكتوبر/تشرين الأول من عام 2018، أُجريت دراسة من قِبل مجلة "Journal of Positive" وجدت أن المراهقين الذين حرصوا على تدوين وكتابة الأمور التي يمتنّون لوجودها في حياتهم بشكل يومي كانوا أكثر قناعة وأقل مادية وأكثر ميلا للتبرع، واقترح الباحثون إضافة هذه العادة لتكون في جدول يوميات أطفالنا، بحيث يُصبح الامتنان أمراً روتينياً يُهذّب نظرتهم للحياة.
وكذلك إن الوضع المادي للعائلة لا يجب أن يكون سراً أمام الأبناء، بل على العكس، يجب مُصارحة الأبناء بوضع خارطة أمامهم واضحة المعالم لكل ما تمر به العائلة مالياً. يجب إشعار الطفل أنه جزء من العائلة يعي تماما ما تمر به، وأن له دورا فاعلا إذا فَهم ما تمر به الأحوال من حوله. فعدة أمور تخص المال لا يجب مُشاركتها مع أطفالك:
- راتبك الشهري: لا داعي من مشاركة طفلك بالأرقام المُحددة لراتبك الشهري، ولا مشكلة أيضا من مشاركته إن أحببت. ولكن مهما كان الرقم الذي ستُشاركه فهو كبير جدا بالنسبة لطفلك وسيبني في مخيلته فكرة مفادها أن لديك ما يكفي لسد كل طلباته المهمة وغير المهمة.
- مَن مِن الوالدين يجني أكثر: إذا كان كلا الزوجين يعملان، فيجب تجنب مناقشة من يجني أكثر، لا حاجة إلى مشاركة أرقام محددة خاصة مع الأطفال الصغار. هذا يُرسل رسالة إلى أدمغتهم أن أحد الوالدين يُساهم أكثر من الآخر.
- آراؤك الشخصية في أقربائك من ناحية المال: لا يجب أن تُشارك رأيك بالعم أو الخال أو أي فرد من العائلة بأنه مُبذر، بخيل، وغيرها من الأوصاف. هذا يجعل الطفل يعتقد أن العلاقات العائلية ترتكز على الصفة المالية لكل فرد.
- كم كلفتك "الهدايا": سوف تتشوه فرحة العطاء إذا أفصحت عن تكلفة ما قدمت. يجب أن يتعلم الطفل أن الهدية لا تُحدد قيمتها بتكلفتها، وأنه يجب أن يكون ممتنا وشاكرا للهدايا مهما قلّت تكلفتها.
- لا تتعامل مع أن الهدية عقاب/مكافأة: حيث وجدت دراسة في عام 2014 من جامعة ميسوري، كولومبيا، أن الأطفال الذين استخدم آباؤهم تلك التقنيات كانوا أكثر عرضة للاعتقاد بأن النجاح في الحياة يتم تحديده بنوعية وعدد الأشياء المادية التي يمتلكها الفرد، أو أن الحصول على أشياء معينة سيجعلهم أكثر جاذبية.
- قلقك بشأن تكاليف دراستهم المستقبلية: إن فكرة دفع تكاليف الجامعة للعائلة التي تملك أكثر من طفل هي فكرة مثيرة للفزع. هناك فرق بين الحديث عن الجامعة وتكاليفها، وبين الحديث بقلق مُشع. تجنب الحديث السلبي بشكل مفرط حول مدى كلفة الكلية/الجامعة، فمن السهل أن يُساء تفسير ذبذباتنا من قِبل ذريتنا، وقد يستنتجون أن الكلية تُشكّل عبئا كبيرا لا يريدونك أن تتحمله.
المصدر: الجزيرة
اختاري العقاب المنساب للطفل، ولا تبالغي فيه لكي لا يرث الطفل حقدًا دفينًا على المجتمع من حوله وينعكس ذلك على تصرفاته،
يتعرّض الأطفال في أثناء الحروب للصدمة، وقد لا يكونون متحفّزين للتعلّم، لذلك تدمج المدارس والبرامج التعليمية خدمات الدعم النفسي والاجتماعي
تأثير الأب على الطفل يفوق تأثير الأم بل يصل إلى حد تغيير سلوكهم بشكل ملحوظ
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال