حياة الأطفال أكثر تعقيداً ممّا نظنّ: كيف تتحكم بالتجارب التي يعيشونها!

حياة الأطفال أكثر تعقيداً ممّا نظنّ: كيف تتحكم بالتجارب التي يعيشونها!

لا يبدو أنَّ الفكرة القائلة بأنَّ الأطفال يشبهون الأوعية الفارغة التي تنتظر من يملؤها فكرةً غير منطقية إذ إنَّ نظراتهم التي تفتقر إلى التركيز وجلدهم المتجعد تجعل هؤلاء الكائنات البشرية الصغيرة تُشبّه بالكائنات البدائية أكثر مما تُشبّه الكائنات المعقدة. ولكن العلماء توصلوا إلى الكثير من الأدلة ولا سيما في العقود الثالثة الأخيرة، التي تشير إلى أنَّ هذا غير صحيحٍ تماماً، إنَّ الأطفال حينما يولدون يكونون علماءاً صغار يستكشفون.

هذا ما اكتشفته "رينر" التي تمتلك ثلاثة أطفال من خلال حديثها مع خبراء في الطفولة المُبكّرة وآباء وأمهات من 9 بلدان حول العالم عن تأثير البيئة المحيطة بالطفل في السنوات الأولى من حياته في نموه البدني وفي تطوره الإدراكي، والاجتماعي، والعاطفي كذلك، حيث تضيف قائلةً: "لقد كنت أعتقد أنَّ الأطفال كالصفحات البيضاء. لقد غيّرت الحقائق التي اكتشفتها نظرتي إلى الأطفال". وإذا أدرك مزيدٌ من الناس تلك الحقيقة قد تتغير نظرة المجتمعات وصناع القرار إلى السنوات الأولى من الحياة وقد تختلف طريقة تعاطيهم معها.
تقول "أليسون جوبنيك" أستاذة علم النفس التي قضت عقوداً في دراسة تطوّر الأطفال: "الأطفال هم أفضل المتعلمين في هذا الكون"، فيما أكَّدت "باتريسيا كول" المديرة المساعدة في "معهد التعلم وعلوم الدماغ" في جامعة واشنطن ذلك بقولها: "إنَّهم المخترعون الحقيقيون في العالم".

إنَّ مجرد مشاهدة الأطفال الذين يحاولون الزحف تُعَدّ مرهقةً بالنسبة إلى الأشخاص البالغين، فهم يتمايلون ويترنّحون في محاولاتهم مراراً وتكراراً مستفيدين على ما يبدو ممَّا في جعبتهم من إصرارٍ لا نهاية له. وإذا أعطيت ملعقةً لطفلٍ بدأ في المشي حديثاً فإنَّه سيُسقِطها من كرسيه المرتفع مراتٍ ومرات محاولاً التحقق ممَّا إذا كانت ستصدر الطقطقة نفسها في كل مرة وسيراقب أمَّه وهي تلتقطها وتعطيه إيَّاها مرةً أخرى. حيث يقول "جاك شونكوف" مدير مركز تطوير الطفل في جامعة هارفارد: "الأطفال لديهم هذا الاندفاع الفطري نحو الإتقان". تُعَدّ هذه اللحظات أساسية في التطور كما أنَّ الابوين والأطفال و الأشخاص البالغين الآخرين الذين يشكلون العالم المحيط بالطفل يؤدون دوراً كبيراً في بناء بيئة يتمتع فيها الأطفال بالدعم من أجل التعلم وبحرية التعلم.
تخيل اباً يُعِدُّ الفطور لابنه، سيكون من الأسهل والأسرع بكل تأكيد تقييد الطفل إلى كرسيه المرتفع والتخلص من ثرثرته بضعة دقائق، ولكنَّ الأفضل إعطاء الطفل وعاءاً فارغاً وملعقة ليتخيل نفسه يُعِدّ وجبة كاملةً بنفسه إلى جانب والده ويقدم له النكهات لكي يتذوقها، وربما قد يجيب إذا سألناه عن نوع الصلصة التي يعدها أنَّها صلصلة "المانجا".

 

يقول "أندرو ميلتزوف" مساعد "كول" في معهد التعلم وعلوم الدماغ أنَّ الأطفال الذين يتمتعون بتقدير الذات ويشعرون بالحب والدعم يميلون إلى تجريب أمور جديدة والإخفاق فيها لأنَّهم يعلمون أنَّهم سيكونون آمنين، وحتى الأطفال الذين أوشكوا على بلوغ سن الذهاب إلى المدرسة يصرخون "لا" في وجه آباءهم المتعبين ليختبروا حدود الدعم الذي تقدمه لهم بيئاتهم. وفي حين يشير الناس غالباً إلى أنَّ الأطفال يعانون من مشكلةٍ في تركيز الاهتمام نظراً إلى طبيعتهم المحمومة، إلَّا أنَّهم في الواقع يواجهون مشكلةً في عدم تركيز الاهتمام إذا إنَّ كل شيءٍ يثير حواسهم سواءاً كان منظر السيارة وهي تعبر الشارع، أو فراء الكلب الناعم، أو صوت قطعة اللحم وهي تلامس المقلاة الساخنة. إنَّهم يحتاجون إلى المساعدة في معالجة الأمور ولكنَّهم يحتاجون كذلك إلى المساحة المادية والذهنية لفهم كل ما يجري.

إنَّ الإطفال مثل جميع البشر حينما يشعرون بأنَّهم متجذِّرون في المجتمع وينتمون إليه يكونون أكثر ميلاً للاستكشاف والمجازفة مما يساعدهم على التعلم بصورةٍ دقيقة لأنَّهم يعلمون بأنَّ لديهم مكانٌ يلوذون به وأشخاصٌ يلتجؤون إليهم. لذا فإنَّ الدعم الذي يشعرون به أو افتقارهم إلى الدعم في السنوات الأولى من حياتهم يؤثر في ما يتوقعون الحصول عليه من العالم حولهم في السنوات المقبلة. يقول "تشارلز نيلسون" الذي درس كيفية تأثير التجارب المبكرة في تطوّر العقل والسلوك أنَّ السنوات القليلة الأولى من عمل الطفل التي يتطوّر خلالها الدماغ ربما تشبه بناء هيكلٍ المنزل، فمثلما أنَّ المنزل ليس في إمكانه الصمود من دون هيكل صلب والطفل كذلك من المحتمل ألَّا ينجو من دون وجود بيئة داعمة في السنوات الأولى من حياته، واحتمال بقاء الأطفال الذين يقضون طفولتهم في بيئاتٍ تثريهم وتقدم لهم الحب في المدرسة أكبر ليصبحوا فيما بعد أفراداً منتجين، و سيكونون على الأرجح أكثر صحةً. أمَّا الأطفال الذي لا يجدون أفراداً بالغين يتفاعلون معهم يمكن أن تتضرر المسالك العصبية في أدمغتهم والتي تشكل "الهيكل" بالنسبة إلى الطفل. كذلك حينما يرى الأطفال سلوكاً سيئاً كشجار والديهم فإنَّهم يكونون أكثر ميلاً إلى الاعتقاد بأنَّ هذا السلوك هو السلوك الأنسب لحل النزعات لأنَّ هذا ما يعرفونه.

إنَّ مساعدة الأطفال على النمو لا تعني تقديم أفضل الألعاب أو أثمن الأشياء لهم، بل على العكس تماماً إذ إنَّ الأطفال يتعلمون حينما يصنعون عالم الألعاب الخاصة بهم. حيث يستخدم الطفل الذي يرى المسطرة والقلم ويحولهما إلى الطائرة قدراً أكبر من الخيال غالباً ويحفز دماغه تحفيزاً أكبر من الطفل الذي يُعطى ألعاباً مُجمَّعة مسبقاً، يقول "شانكوف": "إنَّ اللعب هو الوسيلة الاساسية التي يتعلم من خلالها الأطفال". وقد وجد تقريرٌ أعدَّه "مركز أبحاث بيو" (Pew Research Center) إنَّ الأُسَرْ التي يعمل فيها كلٌّ من الأب والأم تقضيها الأم فيها وسطياً 12 ساعة في الأسبوع في رعاية أطفالها بينما يقضي الأب حوالي ست ساعات في ذلك فقط.

 

 


المصدر: موقع "النجاح نت"

مواضيع مرتبطة

إستراتيجيات لغرس قيم التسامح والاحترام عند الأطفال مبكرًا

اختاري العقاب المنساب للطفل، ولا تبالغي فيه لكي لا يرث الطفل حقدًا دفينًا على المجتمع من حوله وينعكس ذلك على تصرفاته،

التعليم في أوقات الحرب: شريان حياة وسط مخاطر محتملة

يتعرّض الأطفال في أثناء الحروب للصدمة، وقد لا يكونون متحفّزين للتعلّم، لذلك تدمج المدارس والبرامج التعليمية خدمات الدعم النفسي والاجتماعي

لماذا يتصرف الأطفال بشكل أفضل في وجود الأب؟

تأثير الأب على الطفل يفوق تأثير الأم بل يصل إلى حد تغيير سلوكهم بشكل ملحوظ 

كلمات مفتاحية

نصائح