هل تعليم الأطفال عبر الإنترنت مفيد حقاً؟

 

شكت إحدى المعلمات في إحدى المدارس، من أحد فصول مدرستها، قائلة إنها تجد صعوبة في التعامل مع تلاميذه، ولا تعرف كيف تتصرَّف معهم، خاصة أحد الأطفال الذي كانت تعتبره "مُهرِّج الفصل"، فقد مَثَّل لها باستمرار تحدياً صعباً، خاصة أن سلوكه كان يؤثر بالسلب في أقرانه، كان هذا قبل أن يتوقَّف كل شيء بسبب جائحة كورونا، فتُغلق المدارس وتستمر الدراسة لشهور عبر الإنترنت.

بعد شهور من التعلُّم عن بُعد أصبح لدى المعلمة أخبار مدهشة عن تلاميذ فصلها المُحيِّر، فالأطفال، وخاصة ذلك "المُهرِّج"، كانوا "يتألقون" في عملية التعلُّم عن بُعد. فمع قدوم جائحة كورونا كان اللجوء إلى التعليم عن بُعد حلاً لا مفر منه، هكذا اختُبِر هذا النوع من التعليم مع جميع الطلاب على اختلاف قدراتهم، لكن ما حدث مع الطلاب لم يحدث مع الجميع، لقد تأخَّر كثير من الطلاب عن التحصيل الجيد، وعجز المعلمون عن تقييم قدرات طلابهم، وبقي التساؤل؛ هل تُجدي حقاً الدراسة عبر الإنترنت خاصة مع الأطفال في عمر مُبكِّر؟


معاناة أغلب الطلاب


من المؤكَّد أن هناك أطفالاً كثيرين عانوا في ظل التعلُّم عن بُعد من مجموعة متنوعة من الآثار الأكاديمية والعقلية والجسدية، ناهيك بالمتطلبات المادية للتكيُّف مع النظام الجديد، مثل وجود جهاز حاسوب مناسب، والوصول المنتظم إلى شبكة الإنترنت، إلى درجة أن الكثير من الآباء والأبناء اضطروا إلى مشاركة جهاز واحد. وقد تسبَّب هذا التفاوت في القدرات وفي إمكانية الوصول عبر الإنترنت بين الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور في عقبات كبيرة واجهها الأطفال.

واجه طلاب المجتمعات الفقيرة وأولئك الذين يعانون من صعوبات التعلُّم والمُتعلِّمون ثنائيو اللغة وذوو الإعاقة تحديات أكبر من غيرهم، وافتقدوا الدعم أثناء التعلُّم عن بُعد، مما تسبَّب في خسائر فادحة لدى عديد من الأطفال وأُسرهم، فاضطر بعض الآباء إلى التخلي عن وظائفهم للمساعدة في الإشراف على تعلُّم أطفالهم، فيما اضطر بعضهم لترك أطفالهم في المنزل دون إشراف أثناء وجودهم في العمل. بعض هذه التأثيرات كان قصير المدى، فيما تأثَّر بعض الطلاب بطريقة سيمتد أثرها طويلاً حتى بعد عودتهم إلى الفصول الدراسية المادية، بفروق واضحة تباينت حسب العِرق والطبقة التي ينتمون إليها ومستوى الدخل.


خطر التعرض لمحتوى غير مناسب


في إبريل/نيسان 2020، ذكرت اليونيسف أن ملايين الأطفال مُعرَّضون بنسبة كبيرة لخطر الأذى مع انتقال حياتهم إلى الإنترنت أثناء الإغلاق في الجائحة، حيث تضاعف وقت استخدام الشاشة واعتمدت العائلات على التكنولوجيا والحلول الرقمية لتعليم الأطفال وإبقائهم على اتصال بالعالم الخارجي، بينما لم يكن لدى كل الأطفال المعرفة والمهارات اللازمة للحفاظ على سلامتهم عبر الإنترنت.

وكما هو واضح، فإن قضاء الأطفال وقتا أطول على المنصات الافتراضية يزيد من فرصة تعرُّضهم للمحتوى الضار والعنيف، ويجعلهم عُرضة للاستغلال الجنسي عبر الإنترنت، وأمام هذا الخطر أوصت اليونيسف، وجهات أخرى من بينها الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، باتخاذ تدابير عاجلة للتخفيف من المخاطر المُحتمَلة التي يتعرَّض لها الأطفال والتأكُّد من أن تجاربهم عبر الإنترنت آمنة وإيجابية. وكان من بين ما أوصت به الآباء لحماية أطفالهم التأكُّد من حصول أجهزة الأطفال على أحدث برامج مكافحة الفيروسات، وإجراء حوارات مفتوحة مع الأطفال حول مَن يتواصلون معهم عبر الإنترنت، ووضع قواعد لهذا التواصل والوقت المتاح لاستخدام الإنترنت، ومتابعة أي علامات -مثل الضيق- قد تظهر لدى الأطفال بسبب نشاطهم عبر الإنترنت.


التعلُّم المختلط


بالطبع لا يزال من المُبكِّر الحُكم على التعليم عبر الإنترنت، فالتحديات غير العادية التي واجهها العديد من الطلاب في العامين الماضيين بسبب الجائحة، مثل التوقُّف عن كثير من الأنشطة وضعف الروابط الاجتماعية، ومرض بعض أفراد الأسرة (ووفاة بعضهم أحيانا)، وانعدام الأمن المالي، وحالة الضغط وعدم اليقين، تجعل من المُبكِّر الحُكم باستقلالية على مزايا التعلُّم عن بُعد أو مشكلاته، لكنه يُعتبر حتى اليوم خيارا يُفيد الطلاب ذوي الاحتياجات العميقة والمتنوعة، ويُعَدُّ خيارا رائعا للمتفوقين منهم، بينما لا يزال الطلاب الذين يعانون الصعوبات الأكاديمية يحتاجون إلى فصل دراسي يتفاعلون فيه مع المعلم وجها لوجه.

ربما تكون الدورات "المختلطة" التي يقضي الطلاب فيها وقتا في فصل دراسي مع المعلم، بينما تتوفر المواد الدراسية عبر الإنترنت، خيارا جيدا للجميع، حيث تُشير الأبحاث إلى أن الطلاب -من جميع المستويات تقريبا- يقومون بعمل جيد في هذه الفصول المختلطة كما يفعلون في الفصول الدراسية التقليدية. في هذا النموذج، تُكمل الموارد عبر الإنترنت العملية التعليمية التقليدية ولكنها لا تحل محلها.

 

مواضيع مرتبطة

إستراتيجيات لغرس قيم التسامح والاحترام عند الأطفال مبكرًا

اختاري العقاب المنساب للطفل، ولا تبالغي فيه لكي لا يرث الطفل حقدًا دفينًا على المجتمع من حوله وينعكس ذلك على تصرفاته،

كيف تقللين من تعلق طفلكِ بالموبايل؟

تشير الإحصائيات إلى أن الأطفال الذين يقضون وقتًا كبيرًا على الأجهزة المحمولة هم أكثر عرضة لتطور المشكلات السلوكية

"ريشة" 2024: أطفال يرسمون "رجال في الشمس"

تضمّ 12 لوحة فنّية مستوحاة من رواية الكاتب الفلسطيني غسّان كنفاني (1936 - 1972)، رسمها طلّاب من 11 مدرسة .

كلمات مفتاحية

تربوية انترنت