طفلي يصاب بالخرس المفاجئ إذا قابل بعض الغرباء أو ذهب إلى المدرسة أو تواجد في مكان مُعيَّن، ويكتفي بالصمت التام أو بالردّ بكلمة واحدة مثل نعم أو لا أو بمجرد الإيماءة أو بالنظرة الصامتة أو الرد بصوت منخفض لا يسمع رغم أنه لا يعاني من أي مشكلة طبية في النطق أو السمع أو مراكز الكلام أو الأحبال الصوتية. شكوى الأمهات حول أطفالهن وتتناقلها الأجيال ولا يعرفون أن ما يمر به الطفل يسمى بـ"الصمت الاختياري" بل قد ترى الأم أن هذه الأعراض قد تشير إلى إصابة الطفل باضطراب التوحد، وتبدأ في سلوك المسار العلاجي له، وللأسف قد يخطئ بعض المختصين في تشخيصه أو قد لا ينتبهون له من الأساس.
فما هو الصمت الاختياري، وما هي مسمياته، متى يحدث، وكيف يتم تشخيص الطفل المصاب به، وهل هو مرض أم حالة، ما هي أسبابه وأعراضه السلبية والإيجابية، وما الفرق بينه وبين الصمت الناتج عن صدمة، وما هي الخصائص السلوكية الأكثر شيوعاً للطفل المصاب به، وما علاجه، وكيف نساعد الطفل الذي يعاني منه؟
الصمت الاختياري Selective mutism نوع من الرهاب المحدد، يظهر بصورة خوف مبالغ فيه في مواقف محددة أو بوجود شيء محدد وأشخاص محددين، كما أنه يُعد طريقة للتعبير عن القلق الاجتماعي، وله مسميات عديدة منها الصمت الاختياري، الخرس الانتقائي، التباكم، الصمت السلبي.
أما الأطفال الذين لديهم صمت ما بعد الصدمات (رضخي) عادة ما يصابون بالصمت الاختياري فجأة في جميع الحالات، مثل الطفل الذي يشهد وفاة أحد أجداده أو غيره من حدث مؤلم، يصبح غير قادر على معالجة هذا الحدث، ويصبح صامتاً في جميع الوضعيات.
يعتمد تشخيص الأطفال الذين يعانون من الصمت الاختياري على التاريخ المرضي للطفل؛ لذلك يتم التركيز أثناء التشخيص على "التطور العقلي للطفل، إلى جانب التطور الجسدي، الحركي، اللغوي، المعرفي، والاجتماعي". ويتم إجراء تقييم للسمع، النطق، واللغة باستخدام خطاب صوتي مسجل للطفل يحدد الحالة المزاجية للطفل والتفاعلات الاجتماعية، والسياقات الدقيقة التي يحدث فيها الكلام. وحسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، فإنه يجب أن يكون عجز الكلام لدى الطفل مستمراً لمدة شهر كامل على الأقل حتى يصنف بأنه اضطراب، كما تبدأ أعراض الصمت الاختياري على الطفل قبل أن يبلغ الخمس سنوات من عمره، إلا أنه لا يلقى الاهتمام إلا بعد دخوله المدرسة، حيث يزداد تفاعل الطفل مع المحيطين به في نطاق المدرسة.
وهناك العديد من الأعراض الدالة عليه، ومنها تدني المستوى التحصيلي أو المهني أو التواصل الاجتماعي، الفشل المتواصل في التحدث في المواقف الاجتماعية التي يتوقع أن يتحدث فيها، الشعور بالقلق في المواقف الجديدة كالذهاب للمدرسة، وتظهر لدى الطفل صفات مزاجية سلوكية باستمرار مثل "الكبت، نوبات الغضب، حالات القلق، الخجل المفرط، العزلة الاجتماعية، التشبث بمقدمي الرعاية، السلوك المعارض، الخوف من الإحراج أمام المجموعة".
ومن أبرز الأعراض الدالة عليه ما يلي:
1– صعوبة القدرة على الاحتفاظ بالاتصال البصري مع الآخرين.
2– عدم القدرة على شرح مشاعره بوضوح والتعبير عنها.
3– الحركة تكون جامدة وحادة وتسبب الحرج.
4– يظهر عليه الخجل والتوتر الدائم والخوف من الآخرين والانسحاب من التجمعات.
5– الرغبة في العزلة والحرج الاجتماعي.
6– يميل الشخص للروتين ولا يحب التغيير والتجديد.
7– كره الأماكن المزدحمة وعدم تحمل الصخب والضجيج.
8– يكثر من القلق من كل شيء أكثر ممن هم بنفس الفئة العمرية.
يكون الصمت طبيعياً إذا لم يستمر لمدة شهر مع الطفل، أما إذا تجاوز الشهر فلا بد من التدخل واعتبار ذلك مؤشراً لوجود مشكلة تستدعي اللجوء إلى الطبيب أو الأخصائي النفسي لتشخيص الحالة والبدء في العلاج. ومن المهم الانتباه إلى أن اضطرابات النطق (التأتأة)، أو اضطرابات النمو الدائمة (التوحد) أمر مختلف تماماً عن الصمت الاختياري لدى الطفل.
ويعد الهدف الرئيسي في علاج الصمت الاختياري هو مساعدة الأطفال على التحدث في الحالات التي لم يتحدثوا فيها من قبل ويمكن تحقيق ذلك بطريقتين: عن طريق التدخلات النفسية الاجتماعية أو عن طريق العلاج الدوائي. إضافة لذلك فهناك طرق عديدة تستخدم لعلاج الطفل المصاب بالصمت الاختياري مثل العلاج الدوائي، السلوكي، والعلاج المعرفي السلوكي، وأسهل طريقة يوصي بها النفسيون مع الأطفال هي العلاج باللعب، ويؤكدون على أن اللعب هو اللغة التي تسهل علينا التواصل مع الطفل.
1- العلاج السلوكي: هو أسلوب علاجي يقوم بتعزيز السلوكيات المطلوبة (الإيجابية) والتخلص من السلوكيات الخاطئة (السلبية)، وأجريت في السنوات الأخيرة تجربة تقييم آثار العلاج السلوكي المتكامل (IBT) للصمت الاختياري، ويتألف التدخل من 20 جلسة لا يقتصر دورها على الطفل، بل يشمل أيضاً الآباء والمعلم.
2- العلاج السلوكي المعرفي: يساعد الطفل في التركيز على رأيه بنفسه وبالآخرين وبالعالم من حوله، وكيف يؤثر إدراكه لذلك على أفكاره ومشاعره، والعلاج السلوكي المتكامل للصمت الاختياري يتم إجراؤه في العيادة بمشاركة الأبوين باستخدام مهام التعرض المتدرجة إلى المحفزات (مثل التواصل اللفظي)، وعند الاهتداء لمستوى نمو الطفل، يتم استخدام مبادئ إعادة الهيكل المعرفي.
3- تلافي التحفيز: وهنا يتواصل الطفل بسهولة مع شخص ما، مثل والديه، عندما لا يكون هناك أي شخص آخر، ثم يتم تقديم شخص آخر إلى الموقف، وبمجرد تضمينه في الحديث، ينسحب الوالد. ويمكن للشخص الجديد تقديم المزيد من الأشخاص بنفس الطريقة.
4- التعزيز الإيجابي والسلبي: يتضمن الاستجابة بشكل إيجابي لجميع أشكال الاتصال. مثلاً، إذا ضغطت على الطفل لكي يتحدث سيشعر بالقلق والسوء، وسيشعر بارتياح كبير عندما تمر اللحظات ويتكلم، مما سيعزز اعتقاده بأن التحدث تجربة سلبية.
5-إزالة التحسس: وهي تقنية تتضمن تقليل حساسية الشخص تجاه الآخرين الذين يسمعون صوتهم من خلال مشاركة تسجيلات الصوت أو الفيديو. على سبيل المثال، يمكن أن تبدأ بالإيميلات والرسائل وتنتهي بالتسجيلات الصوتية ثم المزيد من الاتصالات المباشرة، مثل محادثات الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي.
6- التشكيل: ويتضمن استخدام أي تقنية تمكن الشخص من إنتاج استجابة تدريجياً أقرب إلى السلوك المطلوب، مثل البدء بالقراءة بصوت عالٍ، تليها ألعاب القراءة التفاعلية، وأنشطة التحدث المنظمة، وأخيراً المحادثة مع الآخرين.
7- التعرض المتدرج: يتم التعامل مع المواقف التي تسبب أقل قدر من القلق أولاً، ومع التعرض المتكرر، ينخفض القلق المرتبط بهذه المواقف إلى مستوى يمكن التحكم فيه. ويتم تشجيع الأطفال الأكبر سناً والبالغين على معرفة مقدار القلق الذي تسببه المواقف المختلفة، مثل الرد على الهاتف أو سؤال شخص غريب عن الوقت.
8- الأدوية: الدواء مناسب فقط للأطفال الأكبر سناً والمراهقين والبالغين الذين أدى قلقهم إلى الاكتئاب ومشاكل أخرى. ولا ينبغي أبداً وصف الدواء كبديل للتغيرات البيئية والسلوكية. ويمكن استخدام مضادات القلق والاكتئاب أحياناً جنباً إلى جنب مع برنامج علاجي لتقليل مستويات القلق، خاصة إذا فشلت المحاولات السابقة لإشراك الطفل في العلاج.
ختاماً، إذا كنت تشك بأن طفلك يعاني من الصمت الاختياري فيجب عليك في البداية إزالة جميع الضغوط التي قد تسبب القلق له وتمنعه من التحدث، وأخبر طفلك بأنك تفهمه وتشعر بمخاوفه وأنه من الصعب عليه إخراج الكلمات وأنك ستدعمه خلال هذا الوقت الصعب، وامدح جهود الطفل وإنجازاته وشجعه واعترف بالصعوبات والإحباطات، كما يجب عليك استشارة طبيب الأسرة أو طبيب الأطفال والبحث عن طبيب نفسي أو معالج لديه خبرة في الصمت الاختياري أو الصمت الانتقائي.
المصدر: موقع "عربي بوست"
يعمد العدو إلى وسائل تكنولوجية متطورة لاختراق أجهزتنا الذكية وصفحاتنا الاجتماعية ليترصّد أي معلومة قد تفيده
يعمد العدو إلى وسائل تكنولوجية متطورة لاختراق أجهزتنا الذكية وصفحاتنا الاجتماعية ليترصّد أي معلومة قد تفيده
لماذا نترك المنصّات العالمية لمواقع التواصل لاجتماعي تتحكّم بمنشوراتنا..ألا يمكننا في العالم العربي صنع منصاتنا الخاصة؟
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال