أطفالنا مهووسون بالتلفاز والهاتف.. كيف نساهم في جعلهم مشوَّهين دون أن ندري؟

أطفالنا مهووسون بالتلفاز والهاتف.. كيف نساهم في جعلهم مشوَّهين دون أن ندري؟

مثلما كنّا مهووسين بالتلفاز صار الأطفال –اليوم- مهووسين بالهواتف والشاشات، ومن غريب الأمور التي نعيش تناقضاً فيها أنّنا نحمل هواتفنا طوال الوقت، أو لعلّنا لا نطيق البعد عنها لأكثر من متر أو ساعة، ونطلب من الأطفال البارعين في التقليد بألّا يمسكوها، فحينما يراني طفلي أمسك بالهاتف حينما أجهّز أكله، ثم حينما أجلس معه، وحتّى أثناء انتظاري لنومه، ألن يرغب في إمساكه؟ فبأيّ حقّ قد أحرمه من شيء -أنا نفسي- لا أستطيع مفارقته؟

يقرّ معظم خبراء النّفس بأنّ شخصية الطّفل تتشكّل في سنواته الخمس الأولى، ذلك أنّها السنوات التي يستعدّ فيها الطّفل للتأقلم مع العالم، ومخالطة النّاس، وهذا يتحقّق بالضرورة في سنوات عمره الأولى، حيث يجب أن يكتشف، ويتعلّم، ويتحرّك، ويخرّب، ويلهو، ويعيش طفولةً طبيعيّة، ويحبّذ أن يترك –فيها- بعيداً عن كلّ ما من شأنه أن يمرضه، أو يتعبه، أو يقلق صحّته النّفسية.

تختلف دوافع الانجاب، منها ما قد يأتي لأنّ العائلة القريبة والبعيدة تترقّب أن يثمر الزواج بمولود، ومنها ما قد يأتي جهلاً، كأن تكون المشاكل في ذروتها فتقترح النّساء على المرأة أن تنجب طفلاً تثقل به زوجها، وتثبته، وهذا خاطئ، فأغلب الرجال إن عزموا على الفراق فلن يثنيهم عنه آلاف الأطفال. لكلّ زوجان ظروفهما الخاصة، ولا يجب أن ينجبا إلّا حين يكونان قادرين على تربية وتحمّل مسؤولية طفل صغير. وإنّ ما نحصده في شباب أبنائنا ليس إلّا نتاجاً لما زرعناه في طفولتهم، ولهذا فمن الضّروريّ أن يتمّ التركيز على مواكبة نمو الطّفل، وحمايته، والبقاء معه، وإعطائه كامل وقته، وعدم تجويعه للحنان والمحبّة، وأن يكون انصهار تربية أمّ وأب، وليس فقط تربية أمّ وحدها، فكيف لا أقع في خطأ تربية ابني وحدي دون أن يشاركني والده تربيته؟


1- البيئة المستقرّة

إنّ الاستقرار هو أهمّ ما يجب أن يتوفّر في بيئة الطّفل، كثرة التنقّلات لن تنجم عنها سوى العزلة، وعدم القدرة على التأقلم، حينما يعتاد الطفل نمطاً معيّناً، ويجد نفسه في كلّ مرّة في بيئة جديدة فإنّه لن يستقرّ عليها. والاستقرار النفسيّ أيضاً مهمّ له، فمن الجيّد أن تكون البيئة التي يعيش فيها خالية من المشاحنات الكثيرة، والصّراخ الناجم عن الصراعات غير المنتهية.

2- بناء لغة للتواصل

للأطفال لغات تواصل مختلفة، منهم من يعبّر عن نفسه بالرّسم، ومنهم من يعبّر عن نفسه بالكلام، ومنهم من قد يصبح أكثر تفتّحاً وقت اللعب، وقد تتعدّد اللغات التي يتحدّث بها كلّ طفل، لكن من الجيّد أن يتمّ التركيز على بناء لغة معه، وأن يتمّ تعويده على البوح، وعدم التكتّم، وإن كانت الغاية من هذا التواصل تروم شيئاً فإنّها تروم فهم الطفل واحتياجاته، ومشاعره، ورغباته، ودوافعه.

3- التساهل مع الفوضى

كانت لرجل ابنة صغيرة تلعب في البيت، وإذ بها تسقط الستار، فأخذ والدها يدها فضربها بسلك أحدث إعاقةً في يد الفتاة فندم بعدها أشدّ النّدم. كلّ ما في البيت يعوّض، وتبقى سلامة طفلك أهمّ من أغلى ما قد يوجد في البيت، يجب على الحواف أن تغطّى، وعلى الأشياء الحادة أن تسلم من وصول الطفل إليها، وما يوجد في البيت فكلّه بيئة اكتشاف، يجب التساهل مع محاولة اكتشافها المستمرّة، وعدم تقييد الطفل تحت حجّة عدم القدرة على لمّ الفوضى بعده.

4- اللعب

إنّ أهم ما يشغل الطفل هو اللعب، ولكلّ مرحلة عمرية ألعاب مخصّصة لها، إذ سيكون من الظّلم أن تلهو الطفلة ذات الخمس سنوات بنفس الدمية لأربع وعشرين ساعة، فيجب أن يتمّ استغلال هذه المرحلة في تعليمها أشياء كثيرة، بل وسيسهل عليها التعلّم من خلال اللعب أكثر، والعمل على مساعدتها في التأقلم وملاحظة طريقة انسجامها مع الأطفال الآخرين، ومحاولة إصلاحها إن كان فيها خلل ما.

5- الخطأ شيء ضروري

لا يجب على الطفل أن يجلد نفسه إن قام بشيء خاطئ أو لم يحسن فعل أمر، ولا أن نرفع سقف توقّعاتنا ولا نرضى إلّا برؤيته متفوّقاً، فنظرات الخيبة تظهر على الوجوه، ويمكن لأيّ طفل استشعارها. إنّ طفلاً متوازناً، وعادياً، أحبّ مليون مرّة من طفل ممتلئ بالعقد، وإن كان الأوّل والبارع في كلّ ما تلمسه يداه، الخطأ شيء ضروري، للكبار والصغار على حدّ سواء، فلسنا سوى جزء من حياة تعاش بالتجارب، فإن أصبنا كان خيراً، وإن أخطأنا صوّبنا خطأنا وتعلّمنا منه. ومنه يجب احتواء الطفّل لا معاتبته بطريقة قاسية قد تولّد لديه شعوراً بالذّنب من اللاشيء.


أخيراً، كن متواجداً قدر الإمكان، فهناك لحظات في حياة الطفل لا يجب أن يشغلك شاغل عنه، ستندم فيما بعد إن غبت فيها، ولن ينفعك النّدم حينها.

 

 

 

المصدر: موقع "عربي بوست"

مواضيع مرتبطة

إستراتيجيات لغرس قيم التسامح والاحترام عند الأطفال مبكرًا

اختاري العقاب المنساب للطفل، ولا تبالغي فيه لكي لا يرث الطفل حقدًا دفينًا على المجتمع من حوله وينعكس ذلك على تصرفاته،

التعليم في أوقات الحرب: شريان حياة وسط مخاطر محتملة

يتعرّض الأطفال في أثناء الحروب للصدمة، وقد لا يكونون متحفّزين للتعلّم، لذلك تدمج المدارس والبرامج التعليمية خدمات الدعم النفسي والاجتماعي

لماذا يتصرف الأطفال بشكل أفضل في وجود الأب؟

تأثير الأب على الطفل يفوق تأثير الأم بل يصل إلى حد تغيير سلوكهم بشكل ملحوظ