ربما يكون تعامل السوشيال ميديا مع المحتوى المتعلق بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين التجسيد الأبرز للمعايير المزدوجة التي يطبقها العالم الغربي على قضية فلسطين منذ تأسيس إسرائيل هناك عام 1948. فلإسرائيل سطوة يستحيل إنكارها على تلك المنصات، التي أصبحت تحكم العالم وتتحكم فيه، وبصفة خاصة فيسبوك، الذي أصبحت محاربته للرواية والمحتوى الفلسطيني أمراً واقعاً يستحيل إخفاؤه مهما كثرت بيانات الإنكار من جانب الشركة.
إذ كان فيسبوك والمنصات التي يمتلكها، خصوصاً إنستغرام، قد واجه حملة من الانتقادات العنيفة بأنه يمارس الرقابة لصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين الذين يدافعون عن أراضيهم المحتلة، وهي الاتهامات التي نفت إدارة فيسبوك صحتها. لكن مجلس المشرفين على فيسبوك، الذي تولى النظر في الاتهامات الموجهة للشركة، أصدر حكمه، وجاء في صورة "توصيات" بإجراء تحقيق مستقل في الاتهامات بالتحيّز التي وُجّهت إلى لجان المراجعين المشرفة على المنشورات الخاصة بفلسطين وإسرائيل، وكان ذلك منتصف سبتمبر/أيلول 2021، فماذا حدث خلال عدوان إسرائيل على غزة.
منى شتايا، مستشارة للمركز العربي لتطوير السوشيال ميديا (حملة)، قالت لموقع Middle East Eye البريطاني، في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة خلال أغسطس/آب 2022، إن انحياز منصات التواصل الاجتماعي، وبخاصة فيسبوك، لإسرائيل وحذف المحتوى الذي يفضح انتهاكات تل أبيب لحقوق الإنسان "ليس ظاهرة جديدة".
وكانت شركة ميتا- فيسبوك سابقاً- قد عينت في مجلس مشرفيها عام 2020 المدير العام السابق لوزارة العدل الإسرائيلية، إيمي بالمو. وعلى الرغم من تقرير مجلس المشرفين بشأن انحياز عملاق التواصل الاجتماعي لإسرائيل، إلا أن شيئاً لم يحدث حتى الآن، "وما زلنا ننتظر"، كما قالت شتايا للموقع البريطاني.
وما حدث من جانب منصات السوشيال ميديا منذ بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" ويصفه الغرب بأنه غزو، مثال آخر على مدى سطوة تلك المنصات ومدى ازدواجية التعامل من جانبها أيضاً. إذ تم حجب جميع وسائل الإعلام الروسية على منصات التواصل الاجتماعي، كما أصبح نشر محتوى يحرض على الكراهية والعنف ضد كل ما هو وكل من هو روسي أمراً معتاداً على منصات التواصل الاجتماعي، وكأن "التحريض على العنف والكراهية" مسموح إذا كان موجهاً نحو "عدو للدول الغربية"، وهو ما ينسف من الأساس الفكرة التي بنيت عليها تلك الشركات منذ البداية، أي الانحياز للناس وليس لحكومات أو دول!
اللافت هنا هو أن ما يقوله المسؤولون في تلك الشركات تبريراً لقرارات "البلوك"، سواء بحق قارة أو دولة أو شخص، يتمحور دائماً حول "محاربة خطاب الكراهية والتحريض على العنف والجرائم بأنواعها"، بينما نجد قتلة ارتكبوا مجازر وأزهقوا الأرواح، ليكتشف العالم لاحقاً، بعد أن تسيل دماء الأبرياء، أن الحسابات الشخصية لهؤلاء القتلة تنضح بمكنونات أنفسهم العنصرية الكريهة على مدى شهور وأحياناً سنوات، لكن سُمح بتلك المنشورات تحت ذريعة "حرية التعبير"!
نعم، نعرف جميعاً أن فيسبوك، وإخوته من منصات السوشيال ميديا، التي وثقنا فيها في البداية واعتبرناها مساحة بعيدة عن الرقابة وعن السلطة الحكومية، أصبحت الآن تنتهك خصوصيتنا بشكل ممنهج وتبيع بياناتنا وملفاتنا الشخصية لمن يدفع أكثر، والأخطر أنها باتت تراقبنا بصورة لم تحدث من قبل.
وإذا كان البعض يقلل من شأن مدى تطفّل فيسبوك وتويتر وغيرهما على حياتنا الشخصية، فعليه أن يراجع نفسه، فالأمر أسوأ بكثير مما يمكن لأي منا تخيّله. إذ إن تطفّل السوشيال ميديا، وبخاصة كبيرها فيسبوك، على حياتنا الخاصة لا يقف عند حدود التجسس على اهتماماتنا وأنشطتنا، بل يمتد الأمر إلى نمط حياتنا وانحيازاتنا السياسية وأعمق أسرارنا ومسائل شخصية أخرى نودّ على الأرجح ألا نخبر بها أحداً.
يرى خبراء التكنولوجيا ونشطاؤها، الذين يحذرون من هذا الوحش منذ سنوات، أن شركات التواصل الاجتماعي تراقبنا عن كثب؛ لدرجة أنها تعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا. وحتى حذف حسابك على فيسبوك أو رفض استخدامه أو أيّ من الخدمات ذات الصلة به لن يمنعه من تتبّعك. فموقع فيسبوك يؤسس صفحة شخصية لك ويُبقي عليها، حتّى وإن لم تكن تستخدم أياً من خدماته.
ربما أصبحت خطورة السوشيال ميديا على العالم شاخصة أمام الكثيرين، لكن السؤال الآن هو: هل فات أوان السيطرة على هذا الوحش؟ فالقيمة السوقية لتلك الشركات باتت بين الأعلى بين الشركات، لكن قيمتها المالية ليست العائق الأكبر أمام إمكانية مواجهتها وإصدار تشريعات تحد من هيمنتها على شتى مناحي حياة البشر، وإنما حجم التأثير الضخم الذي باتت تتمتع به.
كانت القيمة السوقية لفيسبوك قد تخطت التريليون دولار أواخر عام 2021، بعد أن كانت قيمتها 63 مليار دولار فقط عام 2012. لكن قيمة فيسبوك السوقية انخفضت بشدة هذا العام لتصل إلى 545 مليار دولار، مقابل 34 مليار دولار قيمة تويتر، فهل نشهد "استفاقة" المستخدمين والمستثمرين لخطر وحش السوشيال ميديا، أم أنها فترة ركود متماشية مع حالة الاقتصاد العالمي، وسرعان ما يعود "الوحش" لنموه حتى يبتلع العالم؟!
المصدر: موقع "عربي بوست" الإلكتروني
تواجه شركة آبل دعوى قضائية جماعية جديدة تتهمها بالإعلان عن جهاز شائع لديها بشكل مضلل
بث الشائعات والابتزاز الإلكتروني والسب والقذف والاعتداء على قيم المجتمع من خلال هذه الحسابات الوهمية
الغرامة التي أعلن عنها هي سابع أكبر غرامة يفرضها الاتحاد الأوروبي على الإطلاق
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال