"طفل لم يبلغ الخامسة، موجود مع أمه في غرفة واحدة بداخل منزله، فجأة ومن دون إنذار تهرول الأم إلى خارج الغرفة بعد ظهور صوت مخيف، ويبقى الطفل منفرداً، وفجأة تظهر صورة شبح، يحاول الطفل الخروج والاحتماء بينما الأم خارج الغرفة تغلق الباب تماماً حتى لا يتمكن الطفل من الخروج قبل انتهاء التصوير".
نعم، الأم مصدر الحماية والأمان تقوم بوضع الكاميرات لتصوير ذلك المشهد بالكامل حتى تقوم بعد ذلك بتحميله على موقع التيك توك، حتى تحصد ملايين المشاهدات والكثير من الشهرة، ولا تلتفت إلى طفلها الذي من المؤكد أنها ستخسره إلى الأبد.
هذا المشهد على قساوته ليس الأول من نوعه للأسف، فعلى الرغم من انتشار سفاهات كثيرة على كل مواقع التواصل الاجتماعي إلا أن الفيديوهات التي تكون مادة السخرية بها والمصدر الحقيقي لجمع اللايكات فيها هو الأطفال الصغار تحمل جزءاً ليس بالقليل من الخسة والدناءة، وعندما يكون الأبوان هما مصدر التصوير لا أرى في تلك المقاطع إلا درباً من الجنون والحقارة في آن واحد.
في البداية يجب أن نعلم أن تصوير تلك المشاهد لا هدف منه سوى كسب المال والشهرة، وهو الأمر الذي أصبح سهلاً للغاية في عالم مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات المنتشرة حول العالم، فهل الشهرة والمال أمور مهمة بالنسبة للإنسان؟
الشهرة هي رغبة وشهوة لدى الإنسان، فالكل يريد أن يتكلم عنه الناس، وأن يشيروا إليه بالبنان، في الماضي كان إرضاء تلك الشهوة يتطلب الكثير من الجهد المبذول لنفع الناس حتى تتمكن من حصد مكانة مميزة بينهم، الآن لا يتطلب الأمر أكثر من كاميرا جيدة لهاتفك المحمول وتصوير مقطع فيديو هزلي أو مقطع فيديو تضر به نفسك حصداً للمشاهدات مثل الفيديوهات التي تنتشر لأناس يأكلون كمية مهولة من الطعام بشكل يومي، ويدخلون في تحديات غير منتهية مع أنفسهم، أو أن تصور طفلك بينما يصيبه الفزع من رمي قطعة من الجبن فوق وجهه.
على الرغم من أننا أبناء الثقافة العربية التي ترى في جمع الأموال شبهة مغلفة، ولا تتمنع من إلقاء الأمثال الشعبية التي تمجد الفقر، لكن هذا لا يعني أن شهوة المال ليست ذات سيطرة على الإنسان، عن نفسي أرى الأموال شيئاً ضرورياً للحياة، بل من أهم مقومات الحياة الكريمة، فهو يضمن لك الكثير من الأمان، ولكن يبقى السؤال عن الطريقة التي يمكن أن يحصل بها المرء على المال، فالبعض يعمل ويترقى وينمي مهاراته، يتابع سوق العمل ويحترف مهنة وأكثر، وينتقل من مكان لآخر من أجل جني المال بشرف وكرامة، والبعض لا يملك أية مهارات تمكنه من العمل، فلا يملك سوى القدرة على الإنجاب، ومن ثم اعتبار الأطفال رأس المال الخاص به، وتصويرهم في تحديات كثيرة لنشرها على مواقع التواصل لجني المال.
1- فقدان الطفل الثقة في الأهل: يولد الطفل ولا يعرف من الحياة سوى أن أمه هي الأمان المطلق في هذا العالم، ومن ثم يبدأ في زيادة دائرة معارفه التي في العادة تكون الأب، فكيف تكون ثقة الطفل في عالم يتلاعب به العنصران الأساسيان له؟!
2- عدم القدرة على توصيف المشاعر: من المفترض أن يفهم الطفل أن لعب الآباء معه يجب أن يكون موازياً لشعوره بالسعادة والراحة، لكن تخيل أنه يرى الجميع يضحك بينما يشعر هو بالخوف والانزعاج.
3- الشعور بتدني تقدير الذات: لا يُقبل أن يكون الطفل مجرد أداة لرأس المال وأن يتم التعامل معه على أنه كذلك، إن استغلال الأطفال من أجل كسب المال يرسخ في الطفل تدني تقدير الذات.
4- اضطراب المفاهيم: إن العمل الجاد هو الذي يفرض على الإنسان احترام غيره، فكيف الحال إن انتشر في المجتمع الفكر السائد حالياً بأنه يمكن لأي فعل مهما بدت حقارته أو إهانته أن يجني الشهرة والمال، وانخدع الشباب الأصغر سناً والمراهقون بتلك الأفكار.
5- انحدار المجتمعات: إن الأمر لا يعدو تحديات على مواقع التواصل، لكنه في الحقيقة يتخطى ذلك ليصبح سمة أساسية للمجتمع، فبعد 10 سنوات سيعرف الأطفال أن من الطبيعي أن تضر نفسك وأن تهين ذويك وأن تخيف أطفالك من أجل جمع المال، أن تتخلى عن مبادئك وأن تكون الوجهة الوحيدة لك هي جمع المال، وأن تلك الطريقة هي الطريقة المثلى التي يتبعها كل مشاهير المجتمع.
وأخيراً.. على الأهل أن يتوقفوا للحظة ويفكروا حقاً فيما يفعلون بأبنائهم، وأنهم في كل مرة يقومون بتصوير مشهد مفزع لأطفالهم يبنون بالمقابل حاجزاً كبيراً بينهم وبين الأطفال لن يزول مهما طال الزمن.
تواجه شركة آبل دعوى قضائية جماعية جديدة تتهمها بالإعلان عن جهاز شائع لديها بشكل مضلل
بث الشائعات والابتزاز الإلكتروني والسب والقذف والاعتداء على قيم المجتمع من خلال هذه الحسابات الوهمية
الغرامة التي أعلن عنها هي سابع أكبر غرامة يفرضها الاتحاد الأوروبي على الإطلاق
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال