ثمّة علاقة متبادلة بين الاتّصال الإعلامي والتربية تتطور يومًا بعد يوم، لما للإعلام من أهميّة تربويّة وتأثير مهمّ في تحقيق التكيّف الاجتماعي للإنسان وتعميق المعرفة لديه.
تُلقي وسائل التّواصل الاجتماعي بظلالها على جميع مرافق حياة الإنسان المعاصر وتؤثّر بكلّ أوجهها، وتحديدًا في نموّ الطّفل والمراهق؛ إذ أصبحت أدواتها ضرورة لا بدّ من اقتنائها؛ لا بل حاجة يجب من تلبيتها بعد أن مكّنت مستخدميها من التّواصل بسهولة مع الآخرين ووضعهم في قلب الحدث.
غير أنّ هذه الوسائل قد غيّرت نمط العيش وأسلوبه، وحدّت من الأنشطة التي نشأت عليها الأجيال السّابقة مثل الأنشطة الرياضيّة والحركة والتفاعل وجهًا لوجه، لصالح التكاسل والانعزال أمام الشّاشة.
من هذا الواقع؛ جاء هذا الكتاب ليوضّح تأثير وسائل التّواصل الاجتماعي في النّمو الجسدي والنفسي والعقلي والاجتماعي لمستخدميها؛ وخاصّة الأطفال والمراهقين؟ وكيفيّة التّعامل مع هذه الوسائل بالطريقة الصحيحة وفهم حسناتها ومساوئها استنادًا إلى بحوث حديثة من جهات علميّة محليّة وعالميّة متخصّصة؟
هذه الأسئلة تحاول الإجابة عنها الكاتبة اللبنانية كريستين نصّار في كتابها المعنون "وسائل التّواصل الاجتماعي وانعكاساتها على نمو الطفل والمراهق". يـتألف الكتاب، والذي صدر في العام 2023، عن "شركة المطبوعات للتوزيع والنشر" في بيروت، من تقديم وأربعة فصول وخلاصة.
الإعلام ودوره في تربية الطفل
بدأت الكاتبة الدّراسة بتعريف الثقافة والإعلام والاتّصال؛ فالثقافة هي حصيلة النشاط الإنساني المتراكم عبر الأجيال المتعاقبة تشمل أنماط العيش والعقائد والعادات والأفكار والقيم التي تدعم السّلوك الإنساني الذي يتبعه أفراد المجتمع.
لكن ما علينا معرفته أنّ هذا السّلوك ليس عمليّة كمّية؛ بل هو عمليّة تنظيميّة ولا تُشكله البيئة المحيطة، يبقى تأثيرها رهنًا بردود فعل الإنسان (الطّفل تحديدًا) النّاجمة عن تفاعل شخصيّته إيجابًا أم سلبًا مع المثيرات الخارجية التي يمكن تسميتها بالاتّصال الثقافي المسؤول عن تكوين شخصيّة الطّفل المعاصر ونموّه وتطوّره.
وعندما نتحدث عن ثقافة الأطفال، لا يمكننا إعادة نسج ثقافة المجتمع ككلّ على مقياس الطّفولة، فهي تحمل في طياتها الملامح الكبرى لثقافة المجتمع الذي يقدّم لها المناخ التربوي السّليم بما يتلاءم وقدراتهم وميولهم واحترام خصوصيتهم.
كما لا ثقافة بلا إعلام، فللإعلام- اليوم- المكانة الأولى في ترسيخ دعائم التّواصل الاجتماعي، فالعامل الثقافي منه هو محرّك مقوّمات النّشاط البشري؛ وله قيمة تربويّة وتأثير مهمّ في تكوين فكر الإنسان. ووسائل الإعلام هي المسؤولة عن نشر المعطيات الثقافيّة المميزة للمجتمعات المعاصرة، في مختلف الميادين الحياتيّة البحثيّة والعلميّة والطبيّة ووسيلة للتعبير العلني عنها، ونقلها من جيل إلى جيل.
ففي زمننا الراهن باتت وسائل التّواصل الاجتماعي حاضنة للأطفال ومسؤولة عن تربيتهم في ظلّ غياب الآباء وانشغالهم عن أبنائهم، فهي وسائل إعلاميّة يطال تأثيرها جميع الشّرائح الاجتماعيّة من دون استثناء، وتُعدّ عاملًا أساسيًا من العوامل الموجّهة لتربية الطفل المعاصر وأداة ثمينة في تحقيق ما يسمّى التربية المتواصلة.
كما ثمّة علاقة متبادلة بين الاتّصال الإعلامي والتربية تتطوّر يومًا بعد يوم، لما للإعلام من أهميّة تربويّة وتأثير كبير في تحقيق التكيّف الاجتماعي للإنسان وتعميق المعرفة لديه. إذ تتطلّب هذه العلاقة تدريب الطّفل على حسن إدراك ما توصله إليه أجهزة الاعلام ومن ثم استخدامها. وتكون هذه العلاقة أكثر فاعليّة بالنسبة إلى الطّفل، وهو في طور التكوين، حين يعتمد على برامج معدّة خصيصًا له. فهذه الوسائل تعيق النّضج الفعلي، وخاصّة إذا كان ما يراه ويسمعه متناقضًا مع ما يوجد في محيطه؛ لأنّ الطفل متلقٍّ يردد في كثير من الأحيان ما يسمعه عن وسائل التّواصل كالببغاء من دون أن يفقه شيئًا من معناه أو فحواه.
الاتّصال هو تواصل وإعلام
يُعرّف الاتّصال على أنه علاقة فعليّة قائمة على الحوار والتفاهم بين طرفين: الأوّل مرسل يبعث رسالة، والثاني مستقبل يتلقى هذه الرسالة ويستجيب لها. وهذا بعكس الاعلام ذي الاتّجاه الواحد الذي ينقل بوساطة وسيلة إعلامية معلومات هادفة للتأثير في السّامع من دون أن يتأثر باستجاباته أو ردود فعله، إلا بشكل غير مباشر، أي فيما بعد من خلال الدراسات.
وهذا لا يعني خفض أهميّة الإعلام الذي هو أحد أشكال الاتّصال ومقوّمات الحضارة البشريّة؛ فقد ركّزت الكاتبة على تأثير هيمنة وسائل الإعلام في الدول المتقدمة على بلدان العالم الثالث وعلى الأطفال بالدرجة الأولى عبر الغزو الفكري لهم ومسح ثقافتهم، رغبة منها في ترسيخ نوع من الاستعمار الثقافي والاقتصادي والسياسي في هذه البلدان.
إذ يشهد عالمنا إعلامًا أقلّ ما يقال فيه أنّه يتنافى والمتطلّبات الطبيعيّة لنموّ الطّفل. وتمثل ذلك بهدر حقوقه، عدا عن محتوى برامج تغذّيها نيّات استعماريّة تابعة للدّول المتقدّمة من دون الانتباه لما يسمّى الأخلاقيّات. فتشويه الحقائق لصالحها في مقابل سكوت مطبق على أحداث غير إنسانيّة.
الخطر الأكبر يكمن في جهل الانسان لواقعه واحساسه بالانتماء إلى هذه الإيديولوجيّة، بالرغم من كون هذا الانتماء وهميًا يبعده عن انتمائه وثقافته الوطنيّة.
دور وسائل التّواصل الاجتماعي
برزت أهمية وسائل التّواصل الاجتماعي، في أثناء جائحة كورونا، والتي أجبرت العالم على التزام البيوت وظهور ما يسمى التّواصل أونلاين Online والاجتماع عبر تطبيق "زووم" Zoom "وتيمز" Teams لمشاركة البرامج التعليميّة والبحث والتصفّح عبر Google عن أي موضوع بمختلف المجالات علميّة أو غير علميّة.
وأتاحت هذه الأدوات من دون شك تطوير أساليب التعلم وإغناء التطبيقات التربوية عبر:
1. إمكان التّوصل الى معلومات متعدّدة، وبسرعة.
2. إمكانية المزج بين النّصوص والصّور والأصوات.
3. استعادة سيناريو للمعطيات تبعًا لترتيب ظهورها على الشّاشة ما يجعل المحتويات أكثر جذبًا للانتباه.
غير أنّ وسائل التكنولوجيا الحديثة سيف ذو حدين، ويستحيل منعها بشكل كلّي عن الأطفال والمراهقين الذين نراهم ينخرطون في عالم إلكترونيّ افتراضيّ تستهويهم بشدة الألعاب الإلكترونيّة والموسيقى والفيديوهات التي تُعدّ منفسًا للتسلية من دون قدرتهم على التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ.
لكن إذا اُستخدِمت وسائل التّواصل الاجتماعي في عدد ساعات مناسب، وبطريقة صحيحة، ضمن إطار مفعم بالتوعية والتوجيه التثقيفي من الأهل والمدرسة، فستكون مصدرًا لاكتساب المعلومات وتنمية المهارات الحياتيّة وإقامة العلاقات الاجتماعيّة.
وبينت الكاتبة عواقب الاستخدام المفرط وغير المضبوط لكلّ ما هو رقمي (الآيباد/الألواح/الهواتف الذكيّة) ومتاح للطفل والمراهق في ظلّ غياب الرّقابة الأسريّة والمدرسيّة عن نوع الميديا التي قد تبدو غير ملائمة مع مستلزمات نموّهم وتطوّرهم.
ومن أهم هذه العواقب أضرار جسمية، وأخرى نفسيّة، والتي تُعدّ أكثر خطورة؛ لأن أعراضها تظهر على المدى البعيد ومنها:
1. السّمنة بسبب قلّة الحركة والنشاط.
2. مشكلات للعين والسّمع والعمود الفقري وآلام الرّقبة.
3. الإحساس بالدّوار vertigo والغثيان Navsea لأنّ الهاتف المحمول يسبّب تفاوتًا بين حركة العينين والمؤشرات التي يستقبلها. يُضاف إلى ذلك التأثيرات البيولوجيّة للموجات والإشعاعات Waves and Radiations التي تزيد من احتمال حدوث أورام دماغيّة، بحسب بعض الدّراسات.
4. ضعف المهارات الحركيّة والتّواصليّة لدى الطفل.
5. تشتيت التركيز والشّرود في الحصّة المدرسيّة وانخفاض الأداء المعرفي والمدرسي لدى الطفل وانخفاض معدلات ممارسته للأنشطة الرياضيّة.
6. الشعور بالأرق وصعوبة في النوم.
7. القلق والاكتئاب والانطواء وعزل النفس عن الأسرة والمحيط.
8. ظهور سلوكيات سلبية كالعنف والعدوانيّة والتمرّد والخوف يصعب تجاوزها لاحقًا.
نمو الطفل وكيفية حمايته من مخاطر الشّاشات
تعرّضت الطفولة لكثير من المثيرات الإلكترونيّة المتأّتية عمومًا من وسائل التّواصل الاجتماعي، ولا يمكن اليوم تجاهل الأثر الذي تركته في تطور نموّ الطّفل المتكامل "نفسيًا وعاطفيًا وعقليًا وفيزيولوجيًا وأخلاقيًا..".
وقد أجمع العلماء وأطباء النفس من خلال أبحاثهم ودراساتهم وكذلك منظمات الصحة العالمة على أهمية مرحلة الطفولة المبكرة، خلال الخمس سنوات الأولى، في تكوين سلوكيات الطّفل وتنميتها. ومن هذا المنطلق؛ ذكرت الكاتبة أنّه ينبغي منع استخدام اللّوحات الإلكترونيّة للطّفل قبل بلوغه سنّ الثّلاث سنوات؛ لأنها تحدّ من تطوير لغته التعبيريّة وطرائق اكتشافه لنفسه. فالطفل في هذا العمر يحتاج إلى بناء معالمه الزمانيّة والمكانيّة وتفعيل حواسه كافّة، من خلال مسكه، للأشياء وتحسّسه لألعابه ورميها وإصغائه للقصص وتفاعله مع أطفال آخرين.
أمّا بعد عمر الثلاث سنوات يكون الطفل قادرًا على التعبير لفظيًا، وعلى استخدام الألواح الإلكترونيّة أو الهواتف الذكيّة ترفيهيًا تحت إشراف الأهل، وفي وقت مخصّص. أما بالنسبة إلى الأطفال بين الستّ سنوات والإثني عشر عامًا، فتستخدم هذه الوسائل الإلكترونيّة وسيلةً تعليميّة مع ضبط وقت مخصّص لمشاهدة الشّاشات. وبعد عمر الاثنتي عشرة سنة يمكن الإفادة من هذه الأجهزة وسيلةً وأداةً إضافيتين في نشاطات الطّفل وتفاعلاته مع الأصدقاء الحقيقيين، لكن من دون إفراط في الاستخدام.
وأكدت الكاتبة على اقتراح تخصيص أوقات محدّدة لاستخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونيّة في المراحل العمريّة كلّها، تختلف باختلاف عمر الطّفل وضرورة التدريب على أدوات هذه التكنولوجيا. ولتفادي ما لا يمكن إصلاحه في ما بعد، يجب أن تتضافر الجهود لمساعدة الأهل وإرشادهم لحماية أطفالهم من مخاطر التكنولوجيا الرقميّة عبر:
1. التركيز على استخدام التكنولوجيا في سياق اجتماعي مع الأهل، والمفتاح هو الاعتدال في استخدامها والانتباه الى نوع التكنولوجيا المستخدمة واختيار البرامج والتطبيقات المناسبة لأعمارهم.
2. محاولة سدّ الفراغ الروحي.
3. أهميّة التثقيف الإعلامي: "تعريف أطفالنا بالعالم الرّقمي بطرائق صحيحة".
4. أن يكونوا قادرين على حسم موضوع الوقت المخصّص لاستخدام طفلهم الشّاشات من دون أن يتداخل مع الأنشطة المدرسيّة والبدنيّة والنوم ذات الأولوية من حيث الممارسة لدى الطّفل.
5. تشجيع الفضول لدى الطّفل.
6. عدم محاولة تسريع نموّه الطّبيعي.
7. تأمين وقت حرّ يحتاجه الطّفل للعب مع أطفال أخرين للرسم والسّباحة والتنزه.
8. التحدّث مع الطّفل حول ما شاهده في الشّاشات والحوار معه بخصوص ما هو جيد وما هو سيء.
9. تنسيق البرامج التربويّة مع معطيات التطوّر الرّقمي.
إنّ الانتشار السريع للمعلوماتية informatics قوة لا يمكن الوقوف في وجهها وحقيقة لا رجعة فيها في حياتنا. فنحن أمام تحدٍ مزدوج يتمثل في كيفيّة التّخفيف من الأضرار ومضاعفة الفوائد لكلّ طفل لنجعل أطفال العالم الرّقمي أكثر أمانًا.
وعلى الرغم من أهمية موضوع الكتاب وتشعبه وراهنيته، إلا أنّه يفتقد العمق والإحاطة بالموضوع ومتشعباته فضلًا عن عدم دقة بعض معلوماته، بينما توجد آلاف الدراسات والمقالات والكتب عن الموضوع كان يمكن للكاتبة الإفادة منها لتوسيع آفاق الكتاب وإغناء القراء بالمعلومات والنظريّات العلميّة والبحثيّة بشأن تأثير وسائل التّواصل الاجتماعي على الطفل والمراهق.
رشا النقري / الميادين نت
اختاري العقاب المنساب للطفل، ولا تبالغي فيه لكي لا يرث الطفل حقدًا دفينًا على المجتمع من حوله وينعكس ذلك على تصرفاته،
يتعرّض الأطفال في أثناء الحروب للصدمة، وقد لا يكونون متحفّزين للتعلّم، لذلك تدمج المدارس والبرامج التعليمية خدمات الدعم النفسي والاجتماعي
تأثير الأب على الطفل يفوق تأثير الأم بل يصل إلى حد تغيير سلوكهم بشكل ملحوظ
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال