بدأت القصّة في بريطانيا مع حالات مجهولة المصدر من التهاب حاد في الكبد عند أطفال كانوا يتمتّعون بصحّة جيدة قبل الإصابة. ما لبث أن ارتفع عدد هذه الحالات إلى 145 مريضًا مسجلًا في بريطانيا منذ كانون الثاني/ يناير الماضي، بحسب وكالة الأمن الصحي في المملكة المتّحدة. منذ ذلك الوقت، رُصدت عشرات الحالات الأخرى في 20 دولة في العالم على الأقل، تطلبت في بعض الأحيان زراعة كبد لإنقاذ بعض الأطفال المصابين مع الاشتباه في وفاة أربعة أطفال، وما تزال الأسباب مجهولة. ولكن ماذا وراء تزايد هذه الإصابات الغريبة؟ ما العلامات التي على الأهل استدراكها لدى الأطفال؟ وهل يصل المرض الغامض إلى دولنا؟
التهاب الكبد عند الأطفال يحدث باستمرار، وليس بالشيء الجديد. وعادةً ما يكون لأسباب معروفة أشهرها فايروسات التهاب الكبد (A, B, C, D, E) أو بعض الفايروسات الأخرى مثل فايروس "ابشتاين- بار" EBV أو حتى الفايروس المضخم للخلايا CMV.
اللافت هذه المرة هو ازدياد في حالات التهاب حاد في الكبد عند الأطفال غير مفهومة الأسباب والمصدر بعد؛ حيث لم يُكتشف أي من الأسباب الشائعة الآنف ذكرها في أي من هذه الحالات. وقد تراوحت أعمار الفئة المستهدفة من الأطفال ما بين الشهر الواحد حتى 16 سنة، في ما سجلت معظم الحالات عند أطفال ما دون العاشرة.
توزّعت الحالات المسجلة على ما يزيد عن 20 دولة في العالم بحسب "منظمّة الصحّة العالميّة"، منها الأوروبيّة والأميركيّة، حيث أُبلغ حتى الإعلان الأخير عن 228 مريضًا على الأقل والاشتباه بعشرات الحالات الإضافيّة، الغالبيّة العظمى منها في المملكة المتّحدة التي كانت أول دولة أخطرت منظمّة الصحّة العالميّة بهذه الحالات الغامضة.
أما في الدّول العربيّة؛ فلا معلومات وافية حتى اللّحظة. وفي ما يخص لبنان، لم نجد أي معلومات في هذا الإطار على موقع وزارة الصحّة اللبنانية لتبيان ما إذا سُجّلت أي حالات مشابهة، أو إخطار الطواقم الطبيّة إلى أهمية الانتباه إلى الحالات المشبوهة، أو مدى جهوزية القطاع الصحي في حال رصد أي مريض في لبنان.
في هذا الصّدد؛ الطبيب "زاهر حوماني"، والمختصّص في الجهاز الهضمي والتنظير في مستشفى النجدة الشعبية والأستاذ المتعاقد في كلية الطب في الجامعة اللبنانية، نفى تلقّي أي إخطار في هذا الخصوص من وزارة الصحّة اللبنانيّة. كما أضاف أن لا علم له بحالات مشابهة، أي التهاب الكبد غير واضح الأسباب، لدى أطفال أو حتى بالغين حتى الآن. ولكنّه طمأن إلى توفر المختبرات والمرافق القادرة، في حال ظهور أي حالات مماثلة، على إجراء الفحوص المطلوبة والرعاية اللازمة.
أما في ما يخصّ زراعة الكبد، والتي صار اللجوء إليها لإنقاذ 17 طفلًا ممن أصيبوا بالفعل بهذا المرض الغامض، فأوضح "حوماني" أنّ عمليات زراعة الكبد باتت متوفّرة في مستشفى "الرسول الأعظم" (ص) في بيروت، وغالبًا ما تُجرى عبر استخدام أنسجة كبد من متبرعّ حيّ على أن تكون مطابقة لأنسجة المريض. كذلك أكدّ طبيب الأطفال، في مستشفى رفيق الحريري الدّولي، الطبيب "نوفل نوفل" كلام الطبيب "حوماني" بأنّ لا حالات مسجلة رسميًا في لبنان وعمليات زراعة الكبد مكلفة وغير سهلة، في حين يلجأ كثير من المرضى في هذه الحالات إلى السفر إلى خارج لبنان لإجراء مثل هذه العمليات.
تزايد عدد المصابين بالتهاب الكبد الغامض عند الأطفال في العالم، دفع العلماء والأطباء إلى تكثيف جهودهم من أجل حلّ اللغز. حتى اللّحظة لا إجابات شافية بعد، إلّا أنّ معظم الترجيحات توجّه أصابع الاتهام إلى عائلة الفايروسات الغدية adenoviruses، والتي كشفت الفحوص إصابة عدد من الأطفال المذكورين بها. فبحسب تقرير "منظمّة الصحّة العالميّة" أُكتشف الفايروس الغدي في 74 مريض على الأقل، حُدّد 18 منها على أنّها من النوع. F41.
الفايروسات الغدية هذه، عادةً، ما تتسبّب بأعراض هضميّة أو تنفسيّة شبيهة بنزلات البرد، ولا تؤدي إلى التهاب في الكبد إلا في حالات نادرة. فهل من تغييرات طرأت على هذه الفايروسات لتصبح أكثر شراسة أو أنّ السّبب مختلف كليًا؟
المستقبل القريب ربما يحمل إلينا الخبر اليقين. لكن من المهمّ الإشارة هنا إلى أنّه حتى اللّحظة لمّا يتوفر دليل دامغ للربط بين الإصابة بـ”كوفيد- 19″ وهذه الحالات بعد. لكنّه احتمال لم يستبعده العلماء، وينظرون عن كثب إلى جميع الاحتمالات. ولكن ما هو مؤكد أن لا علاقة للقاح "كوفيد- 19" بهذه الحالات، إذ لم تكن الفئات العمريّة المصابة أي ما دون 16 سنة من الفئات المؤهلة لتلقي اللقاح المذكور في الأساس.
أضف إلى ذلك؛ عدم وضوح ما إذا كانت هناك زيادة في حالات التهاب الكبد، أو زيادة لناحية الوعي لهذه الحالات مجهولة المصدر التي تحدث، لكن من دون أن تُكتشف بحسب موقع "منظمّة الصحّة العالميّة"، في حين أنّ الفايروس الغدي هو أكثر الفرضيّات المطروحة حتى اللّحظة، إلا أنّ التحقيقات جارية حول العامل المسبب.
في سياق متصل؛ لم يستغرب طبيب الأطفال "بسام غانم" النقاش حول حالات غير مفهومة؛ بل أشار إلى أنّ حالات التهاب كبد غامضة أصابت عشرات الأطفال رُصدت بالفعل في عدد من المستشفيات في لبنان منذ ما يقارب العشر سنوات. وقد كان نفسه شاهدًا على بعضها، وقد توفي طفلان من المصابين. وأضاف أنّ الحالات المذكورة كانت محيرّة بالفعل. إذ إنّها- كما الحالات التي تعمل منظمّة الصحّة العالميّة حاليًا على التحقيق بشأنها- أعطت نتائج سلبيّة في كلّ فحوصات أسباب التهاب الكبد الفايروسية لدى الأطفال، لكن لم يُفتح تحقيق وافٍ وقتها، رغم وجود سعي لطلب المساعدة من عدد من الجامعات والمستشفيات، وحتّى وزارة الصحّة اللبنانية.
لالتهاب الكبد أعراضٌ كثيرة، تختلف بين طفل وآخر، ولكنّها تبدأ بالبروز بشكل أوضح كلّما تفاقمت الوضع الصحي؛ لذلك على الأهل- كما الأطباء- الانتباه لهذه الأعراض في أقرب وقت ممكن لتجنّب المضاعفات. ولعلّ أهم هذه الأعراض وأكثرها تميزًا هي: اصفرار ظاهر في لون البشرة أو اصفرار في بياض العين لدى الطفل أو ما يعرف باليرقان أو "الصفيرة"؛ حيث يتحول لون الجلد وبياض العين إلى اللون الأصفر.
أعراض أخرى يمكن أن تكون إشارة إلى التهاب الكبد لدى الأطفال منها:
• أعراض هضمية مثل الإسهال أو القيء.
• نقص في النشاط والحركة.
• حكة جلدية .
• ارتفاع في الحرارة أو الحمى.
• فقدان الشهية .
• وجع في منطقة البطن.
• تغير في لون البول والبراز.
في حال ظهور هذه الأعراض على الطفل، على الأهل الإسراع في طلب استشارة الطبيب.
موقع درج/ ندى محمد - باحثة في علوم الأحياء في جامعة اكسفورد البريطانية.
يربط العلماء قضاء أوقات طويلة من الوقت أمام شاشة الكمبيوتر أو استخدام الأجهزة الذكية بتأثيرات سلبية على الصحة البدنية والعقلية
يبرز هذا الاكتشاف أن العلاقة ثنائية الاتجاه، المحتوى السلبي يؤثر على المزاج
لا يُظهر جميع الأطفال المصابين بالتوحد صعوبات كبيرة في الوقوف على ساق واحدة. وتختلف مظاهر اضطراب طيف التوحد من فرد إلى آخر.
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال