خمس خبراء يشرحون ما إذا بمقدور الذكاء الاصطناعي أن يصبح ذكيًا كالبشر!

خمس خبراء يشرحون ما إذا بمقدور الذكاء الاصطناعي أن يصبح ذكيًا كالبشر!

قدّر استطلاع للخبراء أنّ هناك فرصة بنسبة 50% لتحقيق الذكاء الاصطناعي على المستوى البشري بحلول العام 2059. 

تغيّر شكل الذكاء الاصطناعي، في السنوات الأخيرة، فما بدأ في نظر الجمهور حقلًا مزدهرًا، فيه تطبيقات واعدة، تضاعف ليصبح صناعة تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار أمريكي. وكانت النتيجة نماذج لغويّة كبيرة ومعقّدة، بشكل متزايد، وغالبًا ما تُرصد على عجل ومن دون اختبار وإشراف كافيين.

يمكن لهذه النماذج فعل الكثير ممّا يمكن للإنسان القيام به. وفي كثير من الحالات تفعل ذلك بشكل أفضل. ويمكنها التغلب علينا في الألعاب الإستراتيجيّة المتقدّمة وإنشاء فن مذهل وتشخيص السّرطانات وتأليف الموسيقى. وليس هناك شك في أنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي تبدو "ذكيّة" إلى حدّ ما. لكن هل يمكن أن تكون ذكيّة مثل البشر؟.

هناك مصطلح لهذا الذكاء العام الاصطناعي (AGI) رغم كونه مفهومًا واسعًا، إلّا أنّه من أجل التبسيط، يمكنك التفكير في الذكاء الاصطناعي العام كونه النقطة التي يكتسب فيها القدرات الإدراكيّة العامّة المشابهة للإنسان. وبعبارة أخرى؛ إنّها النقطة التي يمكن للذكاء الاصطناعي التعامل فيها مع أي مهمّة فكريّة يستطيع الإنسان القيام بها AGI ليس هنا بعد؛ تتمّ إعاقة نماذج الذكاء الاصطناعي الحاليّة بسبب نقص بعض السّمات البشريّة مثل الإبداع الحقيقي والوعي العاطفي.

سأل الباحثون خمسة خبراء عما إذا كانوا يعتقدون أنّ الذكاء الاصطناعي سيصل إلى الذكاء الاصطناعي العام؟ فقالوا الخمسة نعم. لكن كانت هناك اختلافات طفيفة في كيفيّة تعاملهم مع السّؤال. من إجاباتهم، يظهر المزيد من الأسئلة. متى يمكننا تحقيق الذكاء الاصطناعي العام؟ هل سيستمر ليتفوّق على البشر؟ وما الذي يشكله "الذكاء" على أي حال؟.
فيما يلي ردودهم التفصيلية:

"بول فورموزا" (الذكاء الاصطناعي وفلسفة التكنولوجيا)

لقد تجاوز الذكاء الاصطناعي بالفعل الذكاء البشري في العديد من المهام. فيمكن أن يتفوّق علينا في الألعاب الإستراتيجيّة مثل Go وStarCraft، ويتفوّق علينا في العديد من معايير الأداء اللّغوي، ويكتب مقالات جامعيّة مقبولة للطلاب الجامعيين. وبالطبع، يمكن أيضا أن يختلق الأشياء أو "يهلوس"، ويفهم الأشياء بشكل خاطئ - ولكن يمكن للبشر أيضا ذلك،  وإن لم يكن بالطرائق نفسها. بالنّظر إلى النّطاق الزمني الطويل بما يكفي، يبدو من المحتمل أن يتحقّق الذكاء الاصطناعي الذكاء الاصطناعي العام، أو "الذكاء على المستوى البشري". أي أنّه سيكون قد حقق الكفاءة عبر ما يكفي من مجالات الذكاء المترابطة التي يمتلكها البشر. ومع ذلك؛ قد يشعر البعض بالقلق من أنّه لن يكون الذكاء الاصطناعي حقا "ذكيا" لأنّه لا يفهم-  أو لا يستطيع- ما يفعله، لأنّه غير واع.

مع ذلك؛ يشير ظهور الذكاء الاصطناعي إلى قدرة امتلاك ذكاء من دون وعي؛ لأنّه يمكن فهم الذكاء من الناحية الوظيفيّة. ويمكن للكيان الذكي القيام بأشياء ذكيّة مثل التعلّم أو العقل أو كتابة المقالات أو استخدام الأدوات. وقد لا يكون للذكاء الاصطناعي الذي نصنعه وعي أبدًا، لكنّه قادر بشكل متزايد على القيام بأشياء ذكيّة. في بعض الحالات؛ يقوم بها بالفعل على مستوى يتجاوزنا، وهو اتجاه من المرجح أن يستمر.

"ريستينا ماهر" (علم الأعصاب الحسابي والهندسة الطبيّة الحيويّة)

سيحقق الذكاء الاصطناعي ذكاءً على مستوى الإنسان، ولكن ربما ليس في وقت قريب. سيسمح لنا بالتفكير بالمشكلات واتخاذ القرارات لحلّها. ويتطلّب العديد من القدرات المعرفيّة بما في ذلك القدرة على التكيّف والذكاء الاجتماعي والتعلّم من التجربة. والذكاء الإصطناعي يحدّد بالفعل العديد من هذه المربّعات. ما تبقّى هو أن تتعلّم نماذج الذكاء الاصطناعي السمات البشريّة المتأصلة مثل التفكير النّقدي، وفهم ماهيّة العاطفة والأحداث التي قد تدفعها.

بصفتنا بشرًا نتعلّم ونختبر هذه السّمات منذ لحظة ولادتنا. إنّ تجربتنا الأولى عن "السّعادة" مبكرة جدًا حتى لَنتذكرها. ونتعلّم، أيضًا، التفكير النّقدي والتنظيم العاطفي طوال مرحلة الطفولة، وننمي إحساسًا بـ "عواطفنا" بينما نتفاعل مع العالم من حولنا ونختبره. الأهمّ من ذلك، قد يستغرق الدماغ البشري سنوات عديدة لتطوير مثل هذا الذكاء. ولمّا يكتسب الذكاء الاصطناعي هذه القدرات بعد. ولكن إذا تمكّن البشر من تعلّم هذه السّمات، فمن المحتمل أن يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا أيضًا - وربما بمعدل أسرع. وما نزال نكتشف كيف ينبغي بناء نماذج الذكاء الاصطناعي وتدريبها والتفاعل معها من أجل تطوير مثل هذه السّمات فيها. وفي الحقيقة، السّؤال الكبير، ليس ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيحقّق ذكاءً على مستوى الإنسان، ولكن متى وكيف؟

"سيدالي ميرجليلي" (الذكاء الاصطناعي وسرب الذكاء)

أعتقد أنّ الذكاء الاصطناعي سيتفوّق على الذكاء البشري. لماذا؟ يقدّم الماضي رؤى لا يمكننا تجاهلها. يعتقد كثير من النّاس أنّ المهام مثل لعب ألعاب الكمبيوتر والتعرّف إلى الصّور وإنشاء المحتوى يمكن أن يقوم بها البشر فقط - لكن التقدّم التكنولوجي أثبت عكس ذلك. اليوم؛ أدّى التقدم السّريع واعتماد خوارزميات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب وفرة البيانات والموارد الحسابيّة، إلى مستوى من الذكاء والأتمتة لم يكن من الممكن تخيّله في السابق. وإذا اتبعنا المسار نفسه، فإنّ امتلاك ذكاء اصطناعي أكثر تعميمًا لم يعد احتمالا، ولكنّه يقين من المستقبل. إنّها مجرد مسألة وقت. لقد تقدّم الذكاء الاصطناعي، بشكل ملحوظ، ولكن ليس بعد في المهام التي تتطلّب الحدس والتعاطف والإبداع، على سبيل المثال. لكن الاختراقات في الخوارزميّات ستسمح بذلك.

علاوة على ذلك؛ مجرد أن تحقّق أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل هذه القدرات المعرفيّة الشبيهة بالإنسان، سيكون هناك تأثير كرة الثلج، وستكون هذه الأنظمة قادرة على تحسين نفسها بأقل قدر ممكن من التدخّل البشري. وهذا النوع من "أتمتة الذكاء" سيغير العالم بشكل عميق. ولكن يظلّ الذكاء الاصطناعي العام يمثّل تحديًا كبيرًا، وهناك آثار أخلاقيّة ومجتمعيّة يجب معالجتها بعناية فائقة بينما نواصل التقدّم نحو ذلك.

"دانا رزازديجان" (الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات)

نعم؛ سيصبح الذكاء الاصطناعي ذكيًا مثل البشر من نواح عديدة - ولكن سيتحديد مدى ذكاءه إلى حدّ كبير من خلال التقدّم في الحوسبة الكموميّة. والذكاء البشري ليس بسيطًا مثل معرفة الحقائق. إذ له عدة جوانب، مثل الإبداع والذكاء العاطفي والحدس، والتي يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي الحاليّة تقليدها. لكن لا يمكن مطابقتها. ومع ذلك، تقدّمَ الذكاء الاصطناعي، بشكل كبير، وسيستمر هذا الاتجاه. والنماذج الحاليّة محدودة بمجموعات بيانات تدريبيّة صغيرة ومتحيّزة نسبيًا، فضلاً عن قوة حسابيّة محدودة.

سيؤدّي ظهور الحوسبة الكموميّة إلى تحويل قدرات الذكاء الاصطناعي، ومع أدائه المحسّن الكميّ، سنكون قادرين على تغذية نماذج الذكاء الاصطناعي متعدّدة مجموعات البيانات الضخمة التي يمكن مقارنتها بجمع البيانات الطبيعيّة متعدّدة الوسائط التي يقوم بها البشر، والتي حُققت من خلال التفاعل مع العالم. وستكون هذه النماذج قادرة على الحفاظ على تحليلات سريعة ودقيقة. كما يجب أن يؤدّي وجود نسخة متقدّمة من التعلّم المستمر إلى تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متطوّرة للغاية، والتي، بعد نقطة معينة، ستكون قادرة على تحسين نفسها من دون تدخّل بشري. على هذا النّحو، فإنّ خوارزميّات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على أجهزة كمبيوتر كموميّة مستقرّة لديها فرصة كبيرة للوصول إلى شيء مشابه للذكاء البشري المعمّم، حتى لو لم تتطابق بالضرورة مع كلّ جانب من جوانب الذكاء البشري كما نعرفه.

"مارسيل شارث" (التعلّم الآلي ومحاذاة الذكاء الاصطناعي)

أعتقد من المحتمل أن يصبح الذكاء الاصطناعي العام، في يوم من الأيام، حقيقة واقعة، مع أنّ الجدول الزمني ما يزال غير مؤكّد إلى حدّ كبير. وإذا طُوّر الذكاء الاصطناعي العام، فإن تجاوز مستوى الذكاء البشري يبدو أمرًا لا مفرّ منه. والبشر أنفسهم دليل على أنّ الذكاء المرن للغاية والقابل للتكيّف مسموح به بموجب قوانين الفيزياء. ولا يوجد سبب جوهري يجعلنا نعتقد أنّ الآلات، من حيث المبدأ، غير قادرة على إجراء الحسابات اللازمة لتحقيق قدرات حلّ المشكلات المشابهة للإنسان.

علاوة على ذلك، يتمتّع الذكاء الاصطناعي بمزايا مميزة على البشر، مثل سرعة الذاكرة وسعة أفضل، وقيود ماديّة أقل، وإمكان المزيد من العقلانيّة والتّحسين الذاتي التكراري. ومع نمو القوّة الحسابيّة، ستتجاوز أنظمة الذكاء الاصطناعي في النهاية القدرة الحسابيّة للدماغ البشري. والتحدّي الأساسي الذي نواجهه هو اكتساب فهم أفضل للذكاء نفسه، ومعرفة كيفيّة بناء الذكاء الاصطناعي العام. إذ تتمتّع أنظمة الذكاء الاصطناعي الحاليّة بالعديد من القيود، ولا تقترب من القدرة على إتقان المجالات المختلفة التي تميّز الذكاء الاصطناعي العام.

من المرجحّ أن يتطلّب المسار إلى الذكاء الاصطناعي العام اختراقات وابتكارات لا يمكن التنبؤ بها. ومتوسّط التاريخ المتوقع لـ AGI على Metaculus، منصة تنبؤ جيدة، هو 2032.  فقد قدّر استطلاع للخبراء أجري، في العام 2022، أنّ هناك فرصة بنسبة 50% لتحقيق الذكاء الاصطناعي على المستوى البشري بحلول العام 2059. 


التقرير من إعداد نور جيلاني، محرر التكنولوجيا، The Conversation.
المصدر: ساينس ألرت