معظم الأهالي، إن لم يكن كلّهم، يسترضون أطفالهم بالسّماح لهم بمزيد من الوقت في ممارسة الألعاب الإلكترونيّة في أيام العطلة الصيفيّة؛ إذ لا دروس ولا واجبات أو وظائف .. لكنّ هؤلاء الأهالي لا يدركون أنّ هذا الوعد، هو بحدّ ذاته فخّ كبير لهم ولأطفالهم في آن، في حين يريدون لهم المتعة المفيدة هم يعرّضون فلذات أكبادهم لتهديدات لا يعرفون ماهيّتها وحقيقة مخاطرها..
إذ على مدى سنوات طويلة، منذ اختراع هذه الألعاب الإلكترونيّة، وخصوصًا الموصولة بالإنترنت، بدأت التحذيرات من خطورتها على الأطفال، من جميع النواحي: النفسيّة والذهنيّة والإدراكيّة وحتى الجسديّة..فمنذ العام 2018، قدّمت منظّمة الصّحة العالميّة تحذيرات عديدة بهذا الخصوص، والمؤثرة بشكل أكبر عند الأشخاص الأصغر سنًا- يعني الأطفال جزءًا منهم- المرتبطين أكثر بعالم ألعاب الفيديو. فقد قالت منظّمة الصّحة العالميّة- أنذاك- إنّ "اضطرابات نتيجة ممارسة ألعاب الفيديو" سيُعترف بها على أنّه مرض في وقت لاحق، بعدما أجمع خبراء على مخاطر إدمانها. وهذا ما حدث بالفعل..
عرّفت منظّمة الصّحة العالميّة الاضطراب على أنّه: "نمط من سلوك ممارسة الألعاب، يمكن أن تكون ألعاب إلكترونيّة أو ألعاب فيديو، تتميّز بانخفاض السيّطرة على ممارسة اللّعب، وطغيانها على حساب الأنشطة الأخرى لدرجة تصل إلى تصدّرها على غيرها من الاهتمامات. وهذا هو سلوك إدماني".
لقد وصل العالم فعلًا إلى هذا الواقع من الاضطرابات في عالم الأطفال الذين يدمنون على الألعاب الإلكترونيّة، أو ممن هم في طريقهم إلى ذلك. وفي ما يلي نأخذ نماذج من المخاطر وكيفيّة التخفيف من وطأة هذا العامل الخطير على حياة أطفالنا جيل المستقبل.
منذ العام 2017، بدأت بريطانيا تبّث مثل هذه التحذيرات، إذ يمكن للألعاب والأجهزة المتّصلة بالإنترنت أن تعرّض خصوصيّة الأطفال وسلامتهم للخطر، حسبما ذكرت هيئة رقابيّة بريطانيّة. فكثير من تلك الألعاب لا يتمتّع بأنظمة حماية قويّة، ويسهُل تخمين كلمات مرورها، كما لا يمكن تحديثها لإصلاح هذا الخلل. كما أنّ بعضها يعاني ضعفًا شديدًا في الحماية، والقراصنة يستغلون هذا وسيلةً لاختراق شبكات المنازل.
ومع الإقبال على شراء الأجهزة الذكّية لتقديمها هدايا في المناسبات، لا بدّ للآباء من توخي الحذر، فلماذا تقدمون، عن دراية، لعبة خطرة لأطفالكم، فلماذا تخاطرون بشراء شيء لهم يمكن للغرباء اختراقه بسهولة؟ يتعيّن على من يفكر في شراء لعبة أو أجهزة تتصل بالإنترنت فحصها بعناية، لمعرفة ما إذا كانت لها سمعة جيدة أو سيئة، في ما يتعلّق بحماية البيانات التي تتعامل معها. فيجب على الأهالي، على نحو مثالي، أن يختبروا اللّعب أو الأجهزة والتعرّف إلى إعدادات الخصوصيّة جيدًا قبل تقديمها هدية لطفلهم.
تقول "نيك فيني"، من شركة مكافي المتخصّصة في تطوير برامج مكافحة الفيروسات، إنّ على النّاس إدراك قيمة بياناتهم بالنسبة إلى مجرمي الإنترنت، "وألا يتجاهلوا مخاطر اتّصالهم بالإنترنت قبل فوات الآوان.
جاء تحذير المسؤول البريطاني بعدما حظّرت هيئة ألمانيّة لمراقبة البيانات بعض السّاعات الذكية المخصصة للأطفال. وصنّفت "وكالة الشبكة الاتحادية" في ألمانيا عددّا من السّاعات الذكّية التي يمكن استخدامها لتتبع الأطفال كـ"أجهزة تجسس". قالت الوكالة إنّ السّاعات انتهكت قوانين المراقبة الصارمة المعمول بها في البلاد.
هذا الكلام يعود إلى العام 2017، حين راج بيع مثل هذه السّاعات بسرعة البرق، خصوصًا ساعات لعلامات تجاربة مختلفة، من بينها "غيتر" و"جي بي إس" للأطفال. فتبيّن أنّ القراصنة يمكنهم تعقّب مرتدي السّاعات من الأطفال والتنصّت عليهم وحتى الاتّصال بهم، والتي من المفترض أنّ الأهل وحدهم المخوّلون في ذلك. ورغم ادّعاء أصحاب تلك الشّركات أنّها حلّت العيوب الأمنيّة، لكنّ مبيع السّاعات تراجع بشكل محلوظ في العام التالي، بعدما كُشف الأمر على نطاق واسع، ولم تعد تحظى السّاعات الذكيّة بإقبال الجميع.
هذا يقودنا إلى القناعة التّامة بأنّه في حال لم نعد نشتري أي منتوج إلكتروني، وسواء كان لعبة أو جهازَا، لأطفالنا، متأكدين من خطورته أمنيًا ونفسيًا وتربويًا، فذلك سوف يوقع الشّركات المنتجة في خسائر فادحة، فتتوقف عن عملها التجاري هذا، وتكون النتيجة هي حماية أطفالنا.
عدد من الدّول في العالم اتخذت إجرءات مختلفة لإيقاف مثل هذه الألعاب للأطفال أو غيرها، أو على الأقل التخفيف من وطأة أثارها، ولا سبيل لذكرها كلّها في هذا المقال. إنّما يمكننا التوقف عند النموذج الصيني في التعامل ةمع هذه المشكلات.
قرّرت شركة الألعاب الإلكترونيّة الصينيّة "تينسنت"، وذلك في العام 2021، اعتماد تقنيّة التعرّف إلى الوجه لمنع الأطفال من اللّعب بين الساعة العاشرة ليلاً والثامنة صباحًا. وأُطلق تلك التقنيّة عليها اسم "دوريّة منتصف اللّيل"، هي تمنع التحايل على الحظر الحكومي المعتمد، منذ العام 2019، لوضع حدّ أقصى لما يمكنه أن ينفقه الشّباب خلال اللّعب.
أمّا في الوقت الحالي؛ فيتعين إجراء مسح على الوجه لمن يريد اللّعب لمدة زمنيّة للتأكد من أنّه بالغ. قبدأت أكبر شركات ألعاب إلكترونيّة، "تينسنت"، اختبار النظام الجديد، في العام 2018، وهو قابل الآن للتطبيق على أكثر من 60 لعبة.
أتبعت الحكومة الصينيّة اعتمادها تلك التقنيّة بقرار أخر لا يسمح لمن تقلّ أعمارهم عن 18 عامًا باللّعب عبر الإنترنت إلا لمدة ساعة واحدة، في أيام الجمعة وعطلات نهاية الأسبوع والإجازات. وأبقت على شرطها المسبق بأنّ اللّعب عبر الإنترنت لن يُسمح به إلا بين الساعة الثامنة والتاسعة مساء. وذلك بعدما وصفت إحدى وسائل الإعلام الحكومية ألعاب الإنترنت بـ"الأفيون الروحي". وتقوم الهيئة المنظّمة بتكثيف عمليات التفتيش على شركات الألعاب عبر الإنترنت للتأكد من الالتزام بالتوقيتات الزمنيّة المحدّدة للعب.
وكانت القواعد السّابقة قد حددت مدة لعب الأطفال عبر الإنترنت بـ 90 دقيقة في اليوم، تزيد إلى ثلاث ساعات في أيام العطلات. وعكست هذه الخطوة قلقًا رسميًا قائمًا منذ مدة طويلة بشأن تأثير الإفراط في هذه الألعاب على الصغار. وهذا أجبر بالفعل العديد من شركات الألعاب الإلكترونيّة على اعتمادها تقنية التعرّف إلى الوجوه، ومراقبة التوقيت الذي يلعب فيه الصغار.
هذا يقودنا إلى القول إنّه لا يمكن لأي شيء أن يفرض وجوده علينا ما دمنا نحن القادرون على جلبه إلى بيوتنا، فكيف نترك له التحكّم بنا وبأطفالنا؟ فإن كان لا بدّ من وجود مثل هذه الألعاب الإلكترونيّة في بيوتنا، فعلينا توخي الحذر في عدة أمور، خصوصًا خلال العطلة الصيفيّة، وهي :
1- اختيار اللّعبة المفيدة لعمر الطفل، وهذا الأمر يأتي في الدرجة الأولى.
2- يجب عدم شراء لعبة من الممكن وصلها بشكبة الإنترنت، فهذا يشكّل خطرًا من الناحيّة الأمنية والماديّة.
3- تعيين وقت محدّد للعب، والصرامة في عدم تجاوزه أمر مهمّ للغاية.
4- عدم تقديم وعود للطفل بتقديم هدايا إلكترونية تتصل بالإنترنت، فبذلك نسهم في التسّبب بضياعه، لا سمح الله، بحال أدمن على هذا العالم، ولم نكن نراقبه.
إذ لا تعني العطلة الصيفيّة سماحًا شاملاً لأودلانا أن يقضوا الوقت الذي يريدونه أمام شاشات الألعاب أو الإنترنت، فكيف يمكن إقناعهم بعدما تنتهي هذه العطلة بالعودة إلى نظام صارم يفرضه النظام التربوي للمدارس؟ وهذا يشكّل متاعب جمّة للأهل والأطفال في آن، مع بداية كل عام دراسي جديد..
مقال خاص من "موقع أمان الأطفال"
يجب على الأم أن تهتم بكل خطوة تقوم بها مع طفلها في سنتي المهد، وما تحت سن ثلاث سنوات
يُعَدُّ العام الجديد فرصة جيدة لتعليم الأطفال كيفية تحديد أهدافهم،
اختاري العقاب المنساب للطفل، ولا تبالغي فيه لكي لا يرث الطفل حقدًا دفينًا على المجتمع من حوله وينعكس ذلك على تصرفاته،
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال