استكمالا للمقال الأوّل، والذي تحدثنا فيه عن تطوّر وسائل الاتّصال بالإانترنت، سنقوم في هذا المقال الثاني باستعراض وسيلة الاتّصال عبر الأقمار الإصطناعيّة، وبالتحديد مشروع Star-Link.. إذ توفّر خدمات الأقمار الصناعيّة اتصالًا متبادلًا (ثنائي الاتجاه) بين المستخدم والإنترنت، وهو يوفّر اتصالًا بدوام كامل يُستخدم في القوات المسلّحة، والأعمال التجاريّة، وما إلى ذلك، ويتضمن جزأين.
1- جهاز الإرسال والاستقبال: هو طبق قمر صناعي، يوضع في الهواء الطلق في خط الرؤية المباشر إلى أحد الأقمار الصناعيّة العديدة في المدار الثابت بالنسبة للأرض.
2- جهاز يشبه المودم: هو جهاز متّصل بطبق يوضع بالداخل، ومتّصل بشبكة LAN أو كمبيوتر.
إن المثال الأبرز، في هذه الأيام، عن مشروع الإنترنت عبر الأقمار الإصطناعيّة هو مشروع Star-link الخاص بشركة SpaceX ومديرها التنفيذي أيلون ماسك. إذ إنّ فكرة Star-link تقوم على نشر آلاف الأقمار الإصطناعيّة الصغيرة في المدار الأرضي المنخفض بهدف توفير وصول عالي السّرعة إلى الإنترنت للناس في جميع أنحاء العالم. هذا يسمح بإجراء الاتّصالات، ألعاب الفيديو والبث المباشر، لا سيما في المناطق الريفية والنائية حيث تفتقر البنية التحتية التقليدية للنطاق العريض.
عند اكتماله، سيتألف Star-link مبدئيًا من أكثر من 12000 قمر صناعي، مع إيداع أوراق لدى هيئة تنظيمية دولية لـ 30.000 قمر صناعي إضافي. حاليًا بحسب "جوناثان ماكدويل" (في مقال له بتاريخ 23-3-2023)، عالم الفيزياء الفلكيّة وخبير في تعقّب نشاط رحلات الفضاء، أطلقت SpaceX أكثر من 4100 قمر صناعي من ستارلينك حتى الآن، وأكثر من 3800 منها موجودة حاليًا في مدار الأرض. أما البقية فكانت نماذج أولية، أو أقمارًا صناعيّة أمرت عمدًا بدخول الغلاف الجوي مرة أخرى لحرقها.
1. تحديات الاصطدام الفضائي: إنّ إطلاق هذا العدد الهائل من هذه الأجهزة أثار مخاوف من الاصطدام بأجسام أخرى في الفضاء، ما يؤثّر على نوعية الخدمة.
2. تحديّات ماليّة استثماريّة: إنّ تكاليف الاستثمار ستكون من 5 إلى 10 مليارات دولار، وهذا المبلغ يجب أن يعوّضه المشتركون في الخدمة. وعليه؛ إنّ شركة Star-link ستحتاج إلى بضعة ملايين من المشتركين، حيث يدفع كلّ منهم نحو 99 دولارًا شهريًا لاسترداد استثمار بقيمة 5 مليارات دولار في غضون عام.
3. تحديّات المناخ: اشتكى مشتركو الاختبار التجريبي من عدم انتظام الاتّصال بسبب الطقس وارتفاع درجة حرارة المعدّات في الطقس الحار. وهذه مشكلة مشتركة بين الخدمات المعتمدة على الأقمار الصناعيّة ولا يعد Star-link استثناءً.
4. تحديّات الكلفة: إنّ كلفة رسوم تهيئة الخدمة (معدات) والاشتراك الشهري تتجاوز مقدرة العديد من الأشخاص الذين يعيشون في المجتمعات التي من المفترض أن يستفيد منها Star-link فـ 99 دولارًا في الشهر هو مبلغ كبير بالنسبة إلى الكثيرين ممن يعيشون في المناطق الريفية النائية من العالم، هذا يعني أنّه من المؤكد أنّ عدد المشتركين سيكونون أقل.
5. خدمات الزبائن: إنّ عملية التواصل مع الشّركة غير سهلة، فلا يمكنك إرسال بريد أو رسالة لهم إلا اذا كنت مشتركًا معهم.
6. التوفّر المحدود: إنّ الطلب على الخدمة أعلى بكثير من سعة الشّبكة؛ لذلك يُعدّ التوافر المحدود بسبب سعة الشّبكة عيبًا كبيرًا آخر لـ Star-link فقد يبقى الزبائن في قائمة الانتظار شهورًا وحتى سنوات، قبل أن تتوسّع السّعة، وذلك عبر إطلاق Star-link للمزيد من الأقمار الصناعيّة. وبالنتيجة العديد من الزبائن عالقون في الانتظار من دون خيارات إنترنت أخرى.
7. ازدحام الشّبكة: هناك عيب آخر مرتبط بالنقطة السّابقة حول التوافر المحدود، وهو ازدحام الشّبكة التي يواجهها زبائن Star-link خلال ساعات الذروة. وهذا يحدث في المناطق التي يوجد فيها كثير من مستخدمي Star-link، فخلال ساعات الذروة قد يرى المستخدمون سرعات أبطأ بشكل كبير.
8. تعقيدات تركيب المعدّات: عندما تطلب Star-link فأنت مسؤول بنسبة 100٪ عن التثبيت الصحيح، وبالنسبة إلى الشخص العادي؛ فإنّ تركيب طبق القمر الصناعي على السطح قد يعد معقدًا. إن تجهيزات Star-link تحوي صحن يزن نحو 5 إلى 7 كيلوغرام، وكابلات توصيل وWiFi router وقاعدة للتثبيت.
تقوم Star-link باختبار ليزرات الفضاء الضوئية التي تعمل بكامل طاقتها (روابط بصرية بين الأقمار الصناعيّة) على أقمارها الصناعيّة، ما يسمح للقمر بنقل البيانات بدون محطات أرضية محلية، فيوفّر تغطية عالمية حقيقيّة.
تاليًا إنّ عمل Star-link لا يتطلب موافقة الدّولة أو مزوّد خدمة انترنت محليّ (ISP) ، فيكفي أن يكون لديك التجهيزات ومعرفة بكيفيّة تنصيبها لكي تتصل بالخدمة مباشرة من دون إذن من الوكلاء المحلّيون.
هذا الأمر يطرح مشاكل في الدوّل المستهدفة بهذه الخدمة، كونها لا تخضع للرقابة المحليّة، ما قد يعرض أمنها القومي للخطر في حالات التجسّس أو عمليات الاختراق للانظمة المحليّة، حيث إنّه لا يمكن تعقّبه بشهولة. كما أنّها، أيضًا، لديها تأثيرات اقتصاديّة، فهي تأكل من الحصّة السوقيّة لمزودي الخدمة المحليّة في حال كانوا موجودين في البقعة المستهدفة، مع أنّ المشروع يقول إنّه يستهدف الأماكن الريفية النائية، حيث لا توجد بنية تحتيّة للإنترنت.
لكن لا بدّ لنا من لفت النظر الى أنّ الشّبكات السلكّية، وخاصة الألياف، أفضل دائمًا من اللاسلكيّة التي تتأثر بالعديد من الأشياء الخارجة عن سيطرتك. لكن إنشاء الشّبكات السلكيّة وصيانتها أمر مكلف.
ما يزال المشروع لا يغطي الكوكب بأكمله ويتم التخطيط لمواصلة إطلاق الأقمار الإصطناعيّة لتوسيع التغطية التي يوفرها المشروع، ولكن الخدمة متاحة حاليًا في مناطق مختارة من الولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا والمملكة المتّحدة والعديد من البلدان الأخرى.
Figure 1: التغطية فوق أمريكا الشمالية وأفريقيا
Figure 2: التغطية فوق آسيا واستراليا
بالنسبة إلى التكاليف، تبلغ التكلفة الأوليّة لمحطة مستخدم Star-link حاليًا بين الـ 599 و 2500 دولار أميركي، بينما تبلغ تكلفة الاشتراك الشهري بين 90 و 500 دولار أميركي. بحسب الخدمة والحزمة والمنطقة التي اشترك بها، ويوجد لدى Star-link خدمة roaming عالميّة؛ حيث إنّ اشتراكك لا يكون فقط في منطقة محدّدة، بل يمكنك فتحه من أي مكان تريد.
تهدف Star-link إلى توفير اتصال إنترنت ميسور التكلفة للأشخاص الذين كانوا يفتقرون سابقًا إلى الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة ، ويُنظر إلى المشروع على أنّه خطوة رئيسية نحو سد الفجوة الرقميّة.
تقيّد العديد من البلدان وصول المقيمين فيها إلى الإنترنت بعدة طرائق. بينما ستجعل Star-link من الناحية الفنيّة من الممكن توفير الإنترنت لأي شخص يريده – من دون موافقة الحكومات - قال "إيلون ماسك"، الرئيس التنفيذي لشركة SpaceX ، إنه سيتوفّر الإنترنت "على أساس كل بلد على حدة" وأنّ "أي دولة معيّنة يمكنها القول إنّه من غير القانوني أن يكون لديك رابط أرضي". في إشارة إلى الصين على وجه التحديد. فقد قال "ماسك": "إذا انزعجوا منا ، فيمكنهم تفجير أقمارنا الصناعيّة ، وهذا لن يكون جيدًا".
مما تقدم، فإنّ مشروع Star-link قد يكون له استخدامات سياسية ضد البلدان التي لا تتماشى مع الغرب في رؤيتها، للأمور وهناك عدة شواهد على هذا الأمر فمثلًا:
1- تمّت الإفادة من هذه الشّبكة في الحرب الغربيّة – الروسيّة على الأراضي الأوكرانيّة، فقد قامت شبكة الأقمار الإصطناعيّة بتأمين عملية التواصل بين الوحدات الأوكرانيّة على الأرض، ومجانًا في بداية الحرب، كما اعتمدت الطائرات من دون طيّار الأوكرانيّة عليها لإلقاء قنابل على المواقع الأماميّة الروسيّة. كما ظلّ الناس في المدن المحاصرة بالقرب من الحدود الروسيّة على اتصال بأحبائهم عبر الأقمار الصناعيّة المشفرة، وقد قام "فولوديمير زيلينسكي" ، رئيس البلاد ، بالنحدث إلى الملايين من متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي بانتظام على شبكة Star-link، بالإضافة إلى إجراء مكالمات Zoom مع سياسيين عالميين من الرئيس الأمريكي "جو بايد"ن إلى الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون".
2- أعلنت SpaceX عن توسيع عمل Star-link لنفس طريقة عمل هذا المشروع، وتم كشف النقاب عن مشروع يسمىّ Starshield منفصل عن Star-link بالتعاون مع البنتاغون. وهو موجّه نحو أغراض الأمن القومي للحكومات. وقد تسبّب الإعلان بقلق الصين؛ حيث خشي الباحثون من أنّه قد يقوض سريّة البرامج العسكرية الصينيّة فبمجرد اكتمال Starshield، سيكون بمثابة تركيب كاميرات مراقبة متّصلة بالشبكة في جميع أنحاء العالم -بحسب قول باحثين من جامعة هندسة الفضاء في جيش التحرير الشعبي الصيني- وتاليًا من يجزم بأنّ مشروع star-Link الحالي لا يٌستخدم أيضًا لأغراض المراقبة، وخاصّة أنّه قد اُستخدم لذلك في الحرب الأوكرانيّة.
3- في 26 كانون الاول/ ديسمبر 2022 - قال "إيلون ماسك" الرئيس التنفيذي لشركة SpaceX إنّ الشّركة تقترب الآن من وجود 100 خدمة إنترنت عبر الأقمار الصناعيّة تابعة للشركة من Star-link يمكن لها تغطية إيران، بعد ثلاثة أشهر من تغريدة قال فيها إنّه سينشّط الخدمة هناك للتدخّل في الاحتجاجات حول الحجاب. ولكن جدير بالذكر أنّ الخدمة حاليًا غير مفعّلة في إيران.
راجع موقع العهد الإلكتروني، نعمت الحمد
بحسب الدراسة أظهرت نماذج الذكاء الاصطناعي أنها لا تتعلم بالفعل الحقائق الكامنة عن العالم
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال