في إحدى التجارب وخلال تحليل لإستقصاءات أجراها الآباء والأمهات من 170 أسرة سُئلوا خلالها عن معدلات استخدامهم للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الحاسوب المحمولة، وغيرها من التقنيات الرقمية، اهتمت الاستقصاءات كذلك بالأوقات التي فعلوا فيها ذلك، على سبيل المثال: الرسائل أثناء وقت الطعام أو وقت اللعب أو الأنشطة الروتينية كاستذكار الدروس مع الأطفال أو المحادثات مع أطفالهم في العموم.
جاءت النتائج لتقول إن 90% من الآباء والأمهات ينقطعون عن أطفالهم مرة واحدة على الأقل خلال اليوم، بل إن نصف العينة قال إنها ثلاث مرات، وبتحليل عدد من الإجابات الإضافية لهم وجدت الدراسة ارتباطا واضحا بين استخدام الآباء للهواتف الذكية ومشكلات الأطفال، حتى الكميات المنخفضة أو التي تبدو طبيعية من الانقطاعات عن الأطفال، والمتعلقة بالتكنولوجيا الرقمية في العموم، كانت مرتبطة بمشكلات سلوكية لدى الأطفال، مثل الحساسية المفرطة، والانفعال الشديد، وفرط النشاط، والأنين.
انشغال الآباء والأمهات عن أطفالهم بسبب الهواتف الذكية هو مشكلة حقيقية، أكثر من نصف الأطفال في التجارب التي أجريناها يتحدثون عن شعورهم بعدم الأهمية، بسبب إحساسهم أن الأب أو الأم يهتمون أكثر بالهاتف الذكي. يمكن هنا أن نفهم مشكلة الأطفال مع هواتف أبويهم الذكية، انفصال الأب أو الأم عن حديث مع الطفل يوتّره وقد يدفعهم لمحاولة لفت الانتباه بأية طريقة ممكنة عبر الإلحاح أو إساءة التصرُّف، في المقابل يرد الآباء الممسكون بالهواتف الذكية على أبنائهم بدرجات عنف أكبر مما لو كانوا لا يحملونها، كأن يرفع الأب أو الأم الصوت مع ردود حادة.
لكن المشكلة الأكبر، لا تتعلّق فقط بقدر انعزال الآباء عن أطفالهم، بل تمتد إلى طبيعة الحوارات المنزلية بين الآباء والأبناء عن الهواتف الذكية. في تجربة شملت 75 أسرة، سُجِّلت خلالها حواراتهم المنزلية ثم حُلِّلت، تم الكشف أن الحوارات حول الهواتف الذكية تكون فقط عن كيفية استخدام تلك الأدوات. على سبيل المثال، موضوعات مثل كيفية الشحن، أو عرض الفيديو، أو الرجوع للخلف، أو لعب "كاندي كراش"، إلخ. فمعظم التطبيقات الموجودة على الهواتف الذكية لا تُحفِّز نوعا من اللعب يتشابك فيه الآباء مع أبنائهم، بل هي مُصمَّمة فقط للفت انتباه شخص واحد، وبذل كل الجهد الممكن في تثبيت هذا الانتباه إليها عبر الألوان وأهازيج الضوء، ما يؤثر بقوة في الاستفادة الإدراكية التي يمكن أن يُحقِّقها طفل في سن صغيرة.
في الواقع، رغم أن هذا النوع من الدراسات يُعبِّر عن ارتباطات لا تعني بالضرورة السببية، فإن المؤشرات الأولى لوجود الهواتف الذكية وتطبيقاتها مثل إنستغرام وفيسبوك وتويتر في حياة الأطفال ليست مُبشِّرة، بل إن بعض الدراسات قد أشارت إلى أن استخدام الهاتف الذكي مدة أكثر 3 ساعات في اليوم تجعل الأطفال أكثر عُرضة للشعور باليأس والإحباط والوحدة، أو حتّى التفكير في الانتحار!
أخيراً، هل يمكن أن تتصور الحياة بدون إنترنت وهواتف ذكية؟ بالطبع لا، سوف تتوقف الحياة تقريبا، ونحن أيضا لا نريد أن نوقفها، لأن ذلك لن يقطع عنا سيل فوائدها الجارف فقط، بل سيقطعنا نحن أيضا عن العالم المتواصل مع بعضه بصورة فائقة، على الطفل أن يتعلم مهارات التعامل مع الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية من سن مناسبة، لكن الفكرة هي أن نلفت الانتباه لما يظن الناس أنه غير مؤثر بالمرة في أطفالهم، لكنه ليس كذلك.
يعمد العدو إلى وسائل تكنولوجية متطورة لاختراق أجهزتنا الذكية وصفحاتنا الاجتماعية ليترصّد أي معلومة قد تفيده
يعمد العدو إلى وسائل تكنولوجية متطورة لاختراق أجهزتنا الذكية وصفحاتنا الاجتماعية ليترصّد أي معلومة قد تفيده
لماذا نترك المنصّات العالمية لمواقع التواصل لاجتماعي تتحكّم بمنشوراتنا..ألا يمكننا في العالم العربي صنع منصاتنا الخاصة؟
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال