بالرغم من أنّ سلسلة الرسوم المتحركة الشهيرة "توم وجيري" المعروفة بروح الدعابة التهريجية والشخصيات الصامتة تقريبًا قد أمتعت ملايين المشاهدين وأضحكتهم، منذ بدايتها خلال أربعينيات القرن الماضي، فإنّها واجهت أيضا انتقادات كبيرة، لأنها عززت صورًا عنصريّة نمطيّة عن الأعراق الأميركية المختلفة، خاصة ذوي الأصول الأفريقية.
فقد أنتج كلٌ من "وليام هانا" و"جوزيف باربيرا" 114 فيلمًا قصيرًا لــــ"توم وجيري"، من العام 1940 إلى العام 1958. ومثله مثل أي عمل فني كان نتاج عصره، أي إنّه كان يعكس التحيزات العنصريّة السّائدة في المجتمع، فقد دمج "هانا" و"باربيرا" الصور النمطية العنصريّة الدقيقة والصريحة في العرض، عن قصد أو عن غير قصد، تمامًا كما أملاها عليهم المشهد الثقافي وموازين القوى لذلك العصر.
شخصية "مامي تو شوز"
إحدى الشخصيات الأكثر شهرة في توم وجيري "مامي تو شوز" (Mammy Two Shoes)، وهي خادمة أميركية من أصل أفريقي تعطي انطباعًا سلبيّا عن النساء الأميركيات من أصل أفريقي ذوات البشرة الداكنة، اللواتي يعانين الوزن الزائد في منتصف العمر، ويتحدثن الإنجليزية بنبرة كاريكاتيرية، وهي الإنجليزية العامية الأميركية الأفريقية، وغالبًا ما يصورنّ على أنهن جاهلات وغير جذابات ومسلوبات الإرادة. أدى تصوير "مامي تو شوز" إلى إدامة الصورة النمطية السائدة في وسائل الترفيه آنذاك، حيث تصوّر النساء الأميركيات من أصل أفريقي على أنهن بدينات حمقاوات،دى تصوير "مامي تو شوز" إلى إدامة الصورة النمطية السائدة في وسائل الترفيه آنذاك، حيث تصوّر النساء الأميركيات من أصل أفريقي على أنهن بدينات حمقاوات، وأنهن يتصرفن بطريقة مضحكة ومثيرة للسخرية. ومع ذلك، فإن "مامي تو شوز" ليست الوحيدة.
طوال العرض، غالبًا ما تصوّر الشخصيات السوداء على أنها شخصيات غير ذكية ومؤمنة بالخرافات وسريعة للعنف، تمامًا كما صورتها الثقافة الاستعمارية، حيث الذكاء والفطنة سمات حصرية يتمتع بها الرجل الأبيض. وبالفعل، فقد عزّزت هذه الصور النمطية التحيزات العنصريّة وعملت على إدامة وجهات النظر المجتمعية السلبية، خاصة بعدما انتشرت السلسلة انتشار النار في الهشيم وحققت نجاحا ساحقا.
الأكثر من ذلك أن توم وجيري غالبًا ما قدم صورًا نمطية سلبية عن مجموعات عرقية مختلفة. على سبيل المثال، في "قطة كازانوفا" (1951)، صُوّرت قطة من أميركا اللاتينية على أنّها مثيرة جنسيًا ومتعددة العلاقات مع الذكور، ولا يمكن استمالتها إلا بالمال، وهي صورة نمطية عنصريّة اقترنت بالنساء اللاتينيات اللواتي أصبحن متهمات بأنهن لا يعرفن سوى لغة واحدة هي لغة الإغراء الجنسي.
السخرية من مختلف الأعراق
استخدم "هانا" و"بربرا" عناصر أخرى يمكن عدّها أيضا حسّاسة و عنصريّة. على سبيل المثال، واجهت بعض الحلقات انتقادات، مثل فيلم "ذا ميسنغ ماوس" (The Missing Mouse) العام 1952، حيث يُظهر جيري في هيئة فأر يقوم بتغطية نفسه بملمع حذاء في إشارة إلى الصور النمطية للمغنيين ذوي "الوجه الأسود" في عصر الفودفيل الأميركي. وفي هذه العروض، ارتدى الممثلون البيض مكياجا أسود ومثلوا صورا ساخرة ومهينة للسود آنذاك على أساس أنّ ذلك مجرد شكل من أشكال الترفيه وليس تنمرًا.
ظهر جيري في حلقات أخرى أيضا مع ابن أخيه بزي الهنود الحمر، وهم منخرطون في العادات المحلية المفترضة للسكان الأصليين بشكل مضحك، خاصة في حلقة "هيز ماوس فرايداي" (His Mouse Friday).
هناك من رأى أنّ تلك الحلقة تعزّز الصور النمطيّة المسيئة حول ثقافات الهنود الحمر، بل وتقلّص التركيبة السكانية الثرية للسكان الأصليين بأكملها في صور نمطية كاريكاتيرية، وهو ما عزّز مفاهيم التفوق العنصري للرجل الأبيض في ذلك الوقت.
هل كانت مقصودة أم غير مقصودة؟ لا يستطيع أحد الحكم على النيات، ولكن بتقويم النتائج، نجد أنّ التحيزات العنصريّة التي استمرت في توم وجيري كان لها تأثير دائم على الجماهير، فالنمو في ظلّ مثل هذه الصور النمطيّة أسهم في التحيز اللاواعي وتشكيل تصورات الأفراد تجاه المجموعات العرقية المختلفة.
ومع ذلك، من المهم ملاحظ أنّ تلك المشاهد ذات الطابع العنصري قد حُذفت في السنوات الأخيرة، إلا أنّها ما تزال تُناقش وتُطرح لتذكّر بالعنصريّة العرضية الموجودة في وسائل الإعلام القديمة، وأهمية معالجة هذا التحريف والاعتراف به وتصحيحه حتى لو كان العمل ما يزال يُذكر حتى اليوم باعتزاز من صناع السينما والفنون في الولايات المتحدة.
هند مسعد/ الجزيرة نت
خاض مع أبيه عدة معارك، وهو فتى، فشهد له العدو بالبطولة والشجاعة وحيّرهم قبل أن يعرفوه..!
باعت الشركة اسم بطلها إلى هوليود، من دون المشاركة في الإنتاج.. ولكن الاقتباسات الهوليودية لألعابها جعلها تخوض تجربة الإنتاج بنفسها..
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال