يلجأ بعض الآباء إلى إلهاء أطفالهم باستخدام الهواتف، فأوّل مسؤول عن إدمانهم هم الأهل بالدرجة الأولى
غزت التكنولوجيا كلّ جزء من حياتنا، وجعلت هذه الحياة أكثر سهولة وكفاءة، في كثير من الأحيان، ولكنّها خلقت كثيرًا من المشكلات، وأخذت حيزًا واسعًا من وقتنا، وانتشرت في كلّ زوايا بيوتنا.. لقد أصبح هذا الجهاز يشاركنا في حياتنا، ويجعلنا منعزلين.
تقول إحدى الأمهات:" لم أعد أسيّطر على أولادي.. ابني؛ ووهو لمّا يبلغ عامه الأوّل بعد، يتمسّك بالهاتف ويرفض تناول الطعام من دونه،.. لقد حاولت معه ولكن من دون جدوى، أمّا أبنتي الوسطى، وهي تبلغ من العمر 5 سنوات لا تستطيع النّوم، من دون سماع الموسيقى أو مشاهدة أفلام الكرتون. وعند حضور الأقارب والأصدقاء لمنزلنا تهرب إلى غرفتها وتنزوي مع هاتفها، تضع السّماعات لساعات ..هذا فضلَا غن ابني البكر الذي يبلغ من العمر 11 سنه، بدأ يتراجع في دراسته بعدما كان من المتفوقين، لم أعد أعرف أي طريقة التعامل معهم ..لقد أستسلمت، وما يزعجني أكثر أنّ الجيران بدأوا يشتكون من بعض تصرفاتهم.. إنّي قلقة جدًا؟
ما تأثير الهاتف على طفلي في الوقت الذي أصبح فيه كلّ طفل يمتلك جهازًا خاصًا به؟
هل يوثّر الهاتف الذكي في نمو أطفالنا ومستقبلهم؟
هل نواصل السّماح لهم بامتلاك هذه الأجهزة؟
ما هي طرائق المعالجة لكي أنقذ طفلي من هذا الضياع؟
الهواتف الذكية أصبحت تؤدّي دورًا كبيرًا في حياة النّاس، فقد باتت وسيلةً للتواصل الاجتماعي والترفيه والمعرفة، ونتيجة لذلك هي تنتشر بين الأطفال والمراهقين خاصة، بشكل لافت، نظرًا إلى المدة الزمنيّة الطويلة التي يقضونها معها؛ ما يجعلنا ندقّ ناقوس الخطر..
أسباب الإدمان على الهواتف الذكية:
إدمان الهواتف الذكيّة مشكلة ملموسة عند كثير من الأطفال، إذ يلجأ بعض الآباء إلى إلهاء أطفالهم باستخدام الهواتف، فأوّل مسؤول عن إدمانهم هم الأهل بالدرجة الأولى، وذلك بسبب انشغالهم وعدم تخصيص الوقت الكافي لأولادهم؛ بل انشغال أولادهم بهذه الأجهزة يوفرّ لهم- أي للأهل- مساحة من "هدوء وسكون" تريحهم من الأصوات العالية والضّجيج
..
إثر ذلك؛ لا بدّ إلى ذكر أهمّ الأثار السّلبيّة للإدمان على الهواتف الذكيّة:
- انقطاع العلاقة بين الوالدين والطفل: إثر ارتباط الأطفال بالهواتف الذكية وتعلّقهم بها يحصلون على إجابات سريعة وفوريّة من دون جهد يُذكر، وهذا ما يعني الاستغناء عن الدّعم الذي يوفره الوالدان لأطفالهما مع غياب القدوة والنموذج، ما يدفع الأطفال إلى اختيارات سيئة على المدى الطويل.
- الحدّ من النّمو العقلي: قد يسبّب استخدام الهاتف الذكي، في سنّ الحضانة، لساعات طويلة حدوث التوحّد بنسبة كبيرة، وتأخر في الكلام. وهذا ما بدأت تثبته بعض الدّراسات التربويّة ذات الاختصاص. فقد أصبح عند الأطفال منصّة سهلة ومباشرة للعب من غير الحاجة إلى التفكير والابتكار. وهذه الألعاب تحدّ من إبداعهم وخيالهم وتبطئ تطوّرهم الحسّي والبصري والحركي. فقد أثبتت العديد من الدراسات أنّ المهارات الاجتماعية للأطفال، من 5 إلى 10 سنوات، تتراجع بنسبة % 65 تقريبًا. فهم يميلون إلى التصرّفات العدوانيّة بسبب المشاهد العنيفة التي ييشاهدونها دومًا، ويحاكونها تاليًا، فيسقطونها على حياتهم، فتزيد من أعراض الاكتئاب ومحاولات الانتحار. فقد أشارت دراسات حديثة أنّ الانغماس، في الحياة الافتراضية، يولّد عدم الشّعور بالمسؤوليّة والعجز عن اتخاذ قرارات مصيريّة في حياتهم.
- عدم التفكير بالخطر والعواقب: الطفل لا يُمنح الفرصة للتفكير في تأثير أفعاله أو ما أقواله، سواء السّلبيّة أو الإيجابيّة، فمع الهاتف الذكي تحدث الأشياء بسرعة، قد يتعرّض من خلالها للاستغلال الجنسي أو لمشاهد عنيفة قد تصيبه بصدمة، تؤثر فيه طويلًأ.
- يضعف شخصيّة الطفل: حين يعيش الطفل عالمًا افتراضيًا يرتدي فيه الجميع أقنعة تترجم ضعفًا أو خوفًا أو حقدًا أو غيرة، فمن السّهل جدًا أن تهدّد بقتل صديقك من وراء الشّاشة أو تشتمه أو تسخر منه، أو حتى تعيش معه مغامرات، لكن الانتقال من هذا الواقع الافتراضي إلى واقع العالم الحقيقي، حيث المواجهة المباشرة، سيخلق ارتباكًا في تفكير الطفل وشخصيته.
- اضطرابات بالنّوم: يحتاج الأطفال للنوم بشكل كافٍ كي تنمو أجسامهم صحيًا وسليمًا، لكن مع وجود الهاتف الذكي في غرف النوم يمنعهم من الحصول على هذا القسط الكافي من النّوم بسبب انشغالهم باللّعب حتى ساعات اللّيل المتأخرة؛ ما يؤدي إلى شعورهم بالتّعب والإرهاق.
- مشكلات في السّمع: نتيجة استخدام سماعات الأذن لمدة طويلة حين استعمال الهواتف الذكيّة، سيُحدث حتمًا أضرارًا جسديّة ناجمة عن مشكلات في حاسة السّمع عند الطفل، ومنظّمة الصّحة العالميّة حذرت من هذه المخاطر، مشيرة إلى أنّ نحو مليار شخص يواجهون مثل هذه المشكلات نتيجة التعرّض المفرط والمطول لأصوات قوّية.
- أمراض العظام: تسبّب وضعيّة معيّنة من الجلوس أو الوقوف أو الانحناء..تشنجات في عضلات العضو الذي يجري التركيز في الاتكاء عليه؛ مثل وجع العنق وأوجاع أخرى في العضلات بعد جلوس مطوّل وغير صحيح في استخدام تلك الأجهزة، والتي غالبًا ما يصاحبها انحناء في الرأس والعنق.
- سمنة الأطفال: لم يعد هنك من مجال للشكّ في أنّ الوقت الذي يقضيه الأطفال مع هواتفهم يؤثر في صحّتهم البدنيّة، ويتعرّضون لمشكلة السّمنة الناجمة عن قلة الحركة والنشاط البدني، وتؤدي إلى العديد من المضاعفات الخطيرة، منها ارتفاع ضغط الدم واحتمال الإصابة بالسّكري والسّكتة الدماغيّة.
- التعرض للتنمر: كلّما زاد وجود الهاتف بين يدي طقلك زاد خطر تعرّضه للتنمر الإلكتروني من دون أن تعرفي. ولم يعد خافيًا على أحد ما يسبّبه هذا التنمّر من مشكلات نفسية للطفل.
- السلوك العدواني: الهواتف المحمولة تُبقي الدّماغ مشغولًا باستمرار، من دون أي راحة، فيصبح الطفل أكثر إزعاجًا، وربما يصبح أكثر عنفًا وغضبًا حتى في المناقشات العادية، ما يعيق حياته الاجتماعية.
- فقدان الثقة: بات يُلاحظ على الأطفال والمراهقين أنّهم لا يتمتعون بالاستقرار ويفقدون ثقتهم بأنفسهم. إذ هناك دراسة أشارت إلى أنّ معدل الإصابة بالاكتئاب والأفكار الانتحاريّة هي موجودة بشكل لافت عند المراهقين الذين يبقون لساعات طويلة على الهواتف.
- ضعف القدرة على التعلّم: تساعد الهواتف في البحث عن المعلومات وإجراء العمليات الحسابيّة المعقدة، ووجود تطبيقات تسهّل عملية مراجعة المواد، لكنّ الطفل بطبعه يملّ بسرعة، فمن الأفضل أن تكون هناك مراقبة صارمة من طرف الوالدين، أو الاستعانة بأحد التطبيقات التي تستطيع أن تتحكّم بهاتف طفلك. إذ يقول أحد الخبراء التربويين إنّ الاستخدام العلمي المفرط للتطبيقات الإلكترونيّة يصيب الطفل بخمول شديد، ويبطل قدراته الذاتيّة في التحليل والاستنتاج والتفكير. وكذلك إدمان الألعاب الإلكترونيّة تضعف قدرته على التركيز، في كثير من الأحيان، والسّبب أنّ عقله الباطني يخزّنها ويستمرّ باسترجاعها حتى بعدما يتوقف عن اللّعب، ما قد يتسبب بتشتته وضعف تركيزه.
نصائح للإباء والأمهات في طريقة التعامل مع أطفالهم حول الهواتف الذكيّة
فوائد الهواتف ضروريّة؛ لكن لكلّ تقدّم تقني لا بدّ أن تكون له تكاليف، فعندما يصبح الهاتف ليس مجرد عنصر أساسي للتواصل، ولكنّه يتحكّم بحياة الطفل، فعندها يجب على الوالدين القلق والمتابعة من خلال:
- امنع استعمال الهاتف للأطفال أقل من عامين.
- من عمر العامين حتى 5 سنوات يجب ألا يزيد وقت استخدامهم للهاتف أكثر من ساعة واحدة، وتحت إشراف الأهل.
- كن قدوة لطفلك فيما يخص الاستخدام المعتدل للهواتف الذكيّة، فلا تدعه يراك كثير الانشغال به.
- ادمج طفلك بأنشطة رياضيّة ورحلات للتنزّه واللّعب ، خصوصًا في فصل الصيف وأيام العطل المدرسيّة.
- اجعل مسألة تناول الأسرة للطعام معًا وفي وقت محدّد أمرًا في غاية الأهميّة، كونه يساعد في خلق أسرة نموذجيّة.
- شاهد التّلفاز مع أفراد أسرتك، وتشارك معه التعليقات والأفكار والتجارب اليومية لكي يستفيد الطفل منها حين يسمع هذه النقاشات الدائمة.
- استعن بالتطبيقات الإلكترونيّة التي تمكّنك من التحكّم بهاتف طفلك ومراقبة ما يفعله، خصوصًا في غيابك.
- احرص على تحقيق الإفادة لطفلك؛ وذلك بالتركيز على الألعاب الإلكترونيّة التفاعليّة التي تحفّز ذهنه للقيام بالتفكير والتخيل والإبداع؛ مع الانتباه الشديد للمدة الزمنيّة، وعدد المرات خلال الأسبوع.
- إبعد الهاتف عن رأس الطفل عندما تتحدث معه.
- لا تترك أي أثر للهاتف في غرفة نوم الطفل .
- لا تسمح لطفلك باصطحاب الهاتف معه في أثناء تواجده في اللمدرسة؛ إلًا بحال ظروف جدًا خاصة وضروريّة.
- العب مع طفلك بمجموعة من الألعاب اليدوية التي تنمي مهاراته الحركيّة والاجتماعيّة والسمعيّة والبصريّة.
المعالجة النفسيّة داليا فنيش/ خاص موقع أمان الأطفال