أطفالنا هل نفهمهم؟ وكيف؟ ..إليك خطوات أوليّة

أطفالنا هل نفهمهم؟ وكيف؟ ..إليك خطوات أوليّة

في مقالة متخصّصة يكتبها الدكتور شوكت آشتي لموقع "أمان الأطفال"؛ تتضح معالم أساسيّة وضروريّة يجب على الأهل الانتباه لها ومراعاتها وهم يربّون أولادهم..

قد يبدو هذا العنوان "استفزازيًا" لبعض الأهل؛ لأنّ الجواب بالنسبة إليهم بديهيٌّ، فهم الذين أنجبوا، وربوا، وكبرّوا...، وتحمّلوا الآلام والعذابات....، فكيف بعد كلّ هذه المعاناة لا يفهمون أطفالهم؟ ليس المقصود الشكّ بهم، غير أنّ الهدف من الفكرة معرفة مدى صوابيّة ما كنا قد اتخذناه من قرارات ومواقف، وقمنا به من توجّهات في حدث ما، واجهناه مع أبنائنا لتصويبه، أو تجديده، والإفادة منه في المستقبل.

الهدف المقصود

ما المقصود بـ "الفهم" هنا؟ هو تسليط الضوء على مراحل نمو الطفل، ومعرفة خصائصها، وكيفية تجسيد هذه المعرفة في تواصلنا مع أبنائنا. وذلك من أجل تعميق تفاعلنا معهم، ومعالجة ما قد يحدث من توتر أو مشاكل، من أجل معالجتها والحدّ من تداعياتها السلبيّة. 

الحدود المطلوبة

فهم الأطفال ليست "وصفة طبية"، كما أنّ مراحل الطفولة "متعددة" ومتداخلة جدًا، ولكلّ منها خصائصها وسماتها الخاصة. فالأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، والتي تنتهي عند بلوغ الطفل السنة الثالثة من عمره، هي غير مرحلة "الروضة" التي تنتهي في السّن السّادسة من العمر، وهي غير مرحلة الطفولة المتوسطة التي تترافق ومرحلة التعليم الابتدائية، والطفولة المتأخرة التي تترافق مع مرحلة التعليم المتوسطة، وصولاً إلى مرحلة المراهقة. هذا إضافة إلى أنّ الأطفال أصحاب الحاجات الخاصة، أو الذين يعانون أمراضًا مزمنة، لهم وضعيّة مختلفة ومنطلقات أخرى للتعامل معهم. لذلك ليس المطلوب هنا أن نحيط بكل هذه المسائل وتفاصيلها والمعطيات المتعلقة بها، لأن في ذلك شيء من "الاستحالة".

منطلقات أساسيّة

يمكن توضيح المقصود من فكرة "فهم أطفالنا"، الانطلاق من بعض النقاط المحدّدة، لتكون منطلقات أساسيّة، يمكن من خلالها وضع "قواعد" أوليّة، تساعد في تقريب الفكرة، ليسهل تطبيقها واقعيًّا، وتمتين العلاقة مع الأبناء وتجاوز سوء الفهم معهم، ومعالجة التوترات التي يمكن أن تحصل، بأقل الخسائر الممكنة. هذا مع الاشارة إلى أن هذه المنطلقات متداخلة فيما بينها من جهة، وهي من جهة أخرى "منطلقات أولية" للنقاش، وتعدادها، كما ترد هنا، غير مرتبط بالأسبقية أو الأفضلية من جهة ثالثة،  ولعل أبرزها، باختصار، هي على النحو الآتي:

1-    التخلّي الكامل عن فكرة أنّ الأطفال "صغار"، لا يدركون ما ندركه نحن الكبار. هذه الفكرة هي ظالمة بحقّهم، يمارسها بعضنا من دون قصد في العديد من المواقف وفي الكثير من الأحداث، الأمر الذي يُبقي الطفل "ضعيفًا" وغير مؤهل. فالمسالة هنا لا ترتبط بالمقارنة بين معلومات الكبار ومعارفهم، مع ما لدى الطفل، بل الانطلاق من احترام الطفل أولا وأخيرًا من جهة، والتأكيد من جهة أخرى على أنّ لديه، رغم عمره الصغير، مدارك وقدرات أكثر ممّا يتوقع الكبار.

2-    التخلّي عن فكرة أن الطفل "ملكيّة خاصة"، يحقّ للأهل التصرف بها كما يريدون. بحجّة أنّ ما نريده، هو لمصلحة أبنائنا. هذه الفهم له تداعياته الخطيرة؛ لأنّ الطفل أمانة ومسؤولية، فالمصلحة لا تأتي على حساب قدراته وميوله وشخصيته وطبيعته ثانيًا.

3-    التخلّي عن فكرة أنّ "جيلنا" أفضل من هذا الجيل". لذلك أولى منطلقات "فهم" أطفالنا هو عدم السّعي لإعادة "قولبة" الأبناء وتشكيلهم على ما كان عليه الأهل. هذا لا يعني، مطلقًا، رفض ما نؤمن به من قيم أو دعوة  للتخلي عن "التراث"؛ بل المقصود التقليل أو الانتقاص من قدرات هذا الجيل وامكاناته. لذلك فالفهم هنا ينطلق من تنمية هذه القدرات وتوسيع آفاقها.

4-    عدم الخلط بين محبتنا لاطفالنا وفهمنا لهم. فقد تأتي هذه المحبة على حساب الفهم المطلوب. إذ قد ينساق بعضنا إلى مواقف وأراء تبدو في غير محلّها انسجامًا منه مع المحبّة ما يؤدي إلى نتائج سلبيّة. فالفهم لا يُلغي المحبّة؛ بل يوجّهها ويصونها من الشطط. 

5-    لقد وُفّرت لأطفالنا التكنولوجيا الحديثة ما مكّنهم من اختراق "المحظور". من هنا؛ الدعوة لـفهم الأطفال هي لمواكبة التطوّر والتقدّم الذي يخدمهم من جهة، والوعي بالمخاطر التي قد تولّدها هذه الاختراعات، وهي كثيرة، من جهة ثانية. ففهم الأطفال، في هذا السّياق، هو معرفة التعامل مع ما يُحيط بنا من مستجدات، والسّعي الحثيث لأخذ النافع ورفض الخبيث.

6-    العمل على معرفة ميول أطفالنا واهتماماتهم، وتشجيعهم على التعبير عنها من دون خوف أو رهبة، من أجل التوجيه والرعاية من جهة، والتصويب والتصحيح عند الحاجة من جهة ثانية.   

7-    العمل لمعرفة أصدقاء أطفالنا، بأسلوب بعيد عن التحرّي أو الجاسوسيّة، فقد يزيد هذا الأسلوب من مسافات التباعد بين الأهل والأبناء بحال عرفوا ذلك. فالرفاق" يتأثرون ويؤثرون ببعضهم البعض. لذلك؛ فإنّ هذه المعرفة تساعدنا في فهم أطفالنا، وتيّسر عملية تواصلنا معهم لفهم جوانب عديدة من شخصيتهم.

8-    الحوار والجلسات المشتركة بين الأهل والأبناء، بدءًا من مائدة الطعام إلى السهرات والزيارات المشتركة، أو عند حصول أحداث مهمة على المستويات المختلفة.... إنّ الحوار من المداخل الأساسية للفهم المشترك، ونجاحنا في هذا الأمر هو بوابة العبور للفهم والتواصل والتفاعل الإيجابي.

التحدّي المستمر

هذه المنطلقات هي أوليّة بالتأكيد؛ لأنّه يندرج ضمنها كثير من النقاط والمجالات. فتحديد بعضها، بحسب ما ورد أعلاه، يمكن أن يكون خطوة أولى لتوسيع الآقاق باتجاه الدّعوة لـفهم أطفالنا. مع الإشارة إلى أنّ كلّ نقطة طُرحت، في هذا المقال، هي موضوع قائم بذاته، ويحتاج إلى التوسيع والتعميق. 

وعليه؛ فإنّ هذه المنطلقات ليست "عصا سحرية" يمكن امتلاكها بسهولة..أو هي نصوص من كتاب، يمكن حفظها عن ظهر قلب، لتأمين النجاح في امتحان فهم أطفالنا.. إنّها، بكلّ بساطة، تحدّي مستمر نواجهه – نحن الأهل- في كلّ يوم وفي كلّ لحظة، فهي معرفة مقرونة بالممارسة. وهذا يفرض علينا التدرّب عليه ليغدو جزءًا من سلوكنا في تعاملنا من أطفالنا. أنها مراجعة دائمة نقوم بها، نحن الأهل، لما نقوله لأطفالنا، وتصرّف حيّ نجسده، في حياتنا اليومية خلال تعاملنا معهم.

شوكت اشتي/ موقع "أمان الأطفال"
 
 

مواضيع مرتبطة

كيف نستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية بشكل آمن حاليًا؟

يعمد العدو إلى وسائل تكنولوجية متطورة لاختراق أجهزتنا الذكية وصفحاتنا الاجتماعية ليترصّد أي معلومة قد تفيده

كيف نستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية بشكل آمن حاليًا؟

يعمد العدو إلى وسائل تكنولوجية متطورة لاختراق أجهزتنا الذكية وصفحاتنا الاجتماعية ليترصّد أي معلومة قد تفيده

لماذا تأخر العالم العربي في بناء منصات التواصل الاجتماعي؟

لماذا نترك المنصّات العالمية لمواقع التواصل لاجتماعي تتحكّم بمنشوراتنا..ألا يمكننا في العالم العربي صنع منصاتنا الخاصة؟

كلمات مفتاحية

إرشادات تربوية