في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، حصل المستحيل.
استيقظنا على مشاهد مظليّي المقاومة الفلسطينية يهبطون من السماء مفاجئين العالم بأسره. ومع استمرار الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزّة، وبدء محاولات الغزو البرّي، بتنا أمام فيديوهات لـ «القسّام» مشغولة بطريقة ساحرة.
مثلّث أحمر استحال أيقونة شعبية، وزاوية تصوير من كاميرا مثبّتة على الرأس، أدخلت شعوب المنطقة المعركة من شاشاتهم. لكن بالنسبة إلى جيلَي الألفية و«زي»، بدا الأمر كأنّها مشاهد من ألعاب فيديو تخاطبهم بلغتهم ومصمّمة من منظور «الشخص الأوّل»
بالنسبة إلى جيل التسعينيات، أخذت لعبة «كاونتر سترايك» حيّزًا كبيرًا من وقت الترفيه الخاص به. ومع تطوّر التقنيات، انتشرت لعبة «باب جي» على نطاق واسع في أوساط الجيل «زي». مقاتل يهبط من طائرة بمظلّة يستطيع توجيهها في السماء لبلوغ وجهته، فينزل إلى الأرض ويبدأ القتال. يشاهد اللاعب هذه الأمور من منظور «الشخص الأوّل»، وهي عبارة تُطلق على نوع من ألعاب الفيديو التي يتخذ فيها اللاعب مجال رؤية البطل، حيث لا يرى سوى يده والسلاح الذي يحمله والعالم من أمامه. ويُطلق على هذا النوع من الألعاب اسم FPS، اختصارًا لـ first-person shooter. وهذا ما يجعل لعبة الفيديو جذّابة للغاية، ويساعد في خلق شعور بالتضامن بين اللاعب وبطلها.
إذا أردنا تشريح فيديوهات المقاومة الفلسطينية الآتية من قلب معركتها مع قوّات الاحتلال الإسرائيلي في غزّة، نجد تماهيًا كبيرًا مع كل ما ذكرناها.
على سبيل المثال، زاوية التصوير هي من كاميرا «غو برو» مثبتة على رأس المقاوم، وعندما يركض نشاهد الأرض من أمامه وكأنّها أمامنا، فيولد فينا إحساس بالرغبة في مساعدة البطل في الوصول إلى هدفه أو في التواري عن أنظار العدو. والصوت الذي يصلنا، يدفعنا إلى كتم الأنفاس. فنحن نستمع إلى هدير جنازير الدبابات، وعلينا أن نصمت حتى لا نكشف موقع البطل.
وفي مجال رؤيتنا، سلاح المقاوم غالبًا ما يكون قذيفة «ياسين 105» المضادة للدروع. وفي لحظة وصوله إلى فريسته المصفّحة (الدبّابة)، يتجمّد كل شيء، ويظهر لنا مثلّث أحمر يهتز بسرعة فوق الهدف، لتنطلق بعدها القذيفة من اليد التي أمامنا لتصيب هدفها وتشعل النيران بكل مَنْ في داخل الآلية.
في عالمنا الرقمي حيث يصطدم الواقع بالديجيتال، تسطّر المقاومة الفلسطينية فصلًا جديدًا من فصول التحرّر من الاستعمار الغربي، بالبكسل (Pixel) والواقع. يمكننا تخيّل منطقة حرب، حيث لا تُستخدم الكاميرا كجهاز تسجيل فقط، بل كسلاح أيضًا. يجتاز المقاومون المناطق التي استحالت خرابًا، كأبطال في ساحة معركة افتراضية عالية المخاطر، وبكثافة سينمائية تعكس التجربة الغامرة لألعاب إطلاق النار من منظور «الشخص الأوّل». تصوّر الكاميرا كل خطوة وكل طلقة نارية وكل انفجار، بطريقة تتجاوز الحدود التقليدية للصحافة، وتقدّم رواية من الأرض... من المقاوم مباشرة.
تأثير مقاطع الفيديو هذه على الشباب ليس أقل من تأثير قائد ثوري. فهذا الجيل نشأ في عصر أصبحت فيه ألعاب الفيديو جزءًا من اليوميات. وللطبيعة التفاعلية للقطات المقاومة تأثير عميق، حيث تتلاشى الخطوط الفاصلة بين الواقعي والافتراضي. يجد الشباب أنفسهم منجذبين إلى هذه الروايات الساحرة غير المفلترة، إذ لا تكون ساحة المعركة مجرّد منطقة حرب بعيدة جغرافيًا، وإنّما قصة بطل يريد دحر الاحتلال.
والنتيجة، تجربة حسّية تضمن انغماس المشاهد في قصة يبدو فيها كل انفجار وكل حادث وشيك وكل مناورة، وكأنّها نقطة حاسمة في سعي ملحمي لتحقيق العدالة. ويتحوّل المشاهد إلى مشارك بدلًا من مراقب سلبي، ما يعزّّز الشعور بالقوة بين الجمهور. فالشباب الذين اعتادوا على التحكم بإيقاع ألعاب الفيديو، يجدون أنفسهم يتنقلون مع المقاومين في الخطوط الأمامية عبر شاشاتهم.
وبينما يتم تداول مقاطع الفيديو هذه عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنّها تتحول إلى دعوة رقمية لحمل السلاح، وحشد جيل الشباب من أجل القضية. ولا يقتصر التأثير على توثيق الصراع فقط، بل يتجسّد في المزيج المتفرّد من الواقع وجماليات الألعاب التي تأسر المشاهد. أصبحت مقاطع فيديو المقاومة وسيلةً لسرد قصة شعب قُتل وشُرّد في بقاع الأرض كلّها، متجاوزةً حواجز اللغة والانقسامات الثقافية والسياسية، فيما تتواصل مع جمهور عالمي يفهم اللغة العالمية لألعاب الفيديو.
يُعد استخدام المقاومة لجماليات ألعاب الفيديو من منظور «الشخص الأوّل» بمثابة «ضربة معلّم»، إذ تستغلّ روح العصر الرقمي الذي يتردّد صداه في أوساط الشباب على مستوى الوعي العميق. هذه الفيديوات ليست مجرد تسجيلات للمعارك التي تخوضها، وإنّما هي بذور ثورة ستنبت في عقول جيل يجد صوته عبر المزيج المثير بين الواقع والافتراضي.
يمكن لنا رؤية بوادرها منذ الآن، إذ يعمد بعض مستخدمي منصة الألعاب الشهيرة «روبلوكس» إلى تصميم مشاهد مشابهة لفيديوات المقاومة الفلسطينية وهي تدمّر آليات العدو المصفّحة.
لم تكتف المقاومة باحتضان لغة الشباب، بل استطاعت تحويل القضية إلى قصة ديناميكية آسرة تحاكي وعي الجيل الرقمي. وساحة المعركة، التي كانت ذات يوم صدى بعيدًا للصراع، أصبحت الآن أرضًا رقمية ــ واقعية، والشباب هم اللاعبون المتحمّسون لها.
علي عواد/ جريدة الأخبار
تقرير "حملة" يعطي فكرةً عمّا يجري خلف الأبواب المغلقة لكبريات الشركات، والتضييق والقمع الذي يتعرض لها الموظفون المناصرون لفلسطين
تمكنت الطفلة ريناد عطالله، من خرق هذا التعتيم، ببسمتها العريضة وعبارتها «حان وقت الحقيقة»
اعتمد الباحثون على 700 قطعة من الحمض النووي كمكونات بناء فريدة في نظام تخزينهم الجديد.
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال