في عصر تتسارع فيه الأخبار عبر الشبكات الرقميّة لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد منصّات للتفاعل، بل تحوّلت إلى جبهة مساندة حقيقية للدفاع عن الحق والمقاومة بطريقة مختلفة. ففي قلب هذا العالم الرقمي المتشابك، تبرز معركة "طوفان الأقصى" في غزة مثالًا حيًّا على كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح في معركة الوعي والتعبير، حيث شهدنا كيف تحوّلت شاشات الهواتف واجهزة الكومبيوتر إلى نوافذ نطلّ بها على واقع مرير، وصوتًا يسمعه العالم أجمع.
في هذا التقرير سنرصد هذه الجبهة المجازية الفريدة، ونستعرض كيف أثرت وسائل التواصل الاجتماعي في رسم صورة المعركة في غزة ونقلها إلى العالم، وكيف فتحت عيونًا كثيرة وحركت قلوبًا لم تكن لتتأثر لولا هذا الزخم الرقمي!
بداية نستعرض كيف استخدمت وسائل التواصل في أثناء العدوان على غزة:
1- توثيق الأحداث:
وثّق أهل غزة العدوان الإسرائيلي على القطاع من بداياته، ففي قلب المعركة التقطوا الصور ومقاطع الفيديو التي كانت تظهر الوضع الإنساني على الأرض، وتسلط الضوء على الانتهاكات والمجازر بحق المدنيين وخاصة النساء والأطفال، وتبين حجم الدمار في الأحياء والمباني السكنية والبنى التحتية، وقاموا بنشر هذا المحتوى على مختلف منصّات التواصل الاجتماعي.
2- منبر متقدّم لايصال الصوت:
أعطت وسائل التواصل الاجتماعي لأهل غزة منبرًا متقدمًا لمشاركة تأثير العدوان على حياتهم اليومية، والتعبير عن مشاعرهم وعرض مظلوميتهم حيث يصل الصوت. وقد أسهمت الحسابات الفاعلة للمؤثرين والناشطين داخل القطاع وخارجه بهذا الأمر. وبرزت أيضًا حسابات ومواهب جديدة من بين الأسى والدمار، كان لها الأثر والدور المهم في نقل الصورة واعطاء الأمل يومًا بعد يوم، بالإضافة إلى ذلك سعى المؤثرون القاطنون داخل القطاع لإجراء بثّ مباشر؛ حيث يمكن لنقل الصّورة والكلمة إلى كلّ العالم.
3- دحض المعلومات المضللة:
في ظل تدفق المعلومات المنتشر، بشكل فيروسي خلال أحداث "طوفان الأقصى"، برزت تحديات كبيرة كان أبرزها "مكافحة المعلومات المضللة". فقد كانت الأخبار المفبركة والمقاطع المرتبطة بصراعات في دول أخرى والمقاطع المركبة عبر الذكاء الاصطناعي تنتشر، وسرعان ما تتناقلها الوسائل الإعلامية الرسمية بما يخدم الرواية الإسرائيلية المعادية، فكان لا بدّ من وعي رقمي حقيقي لفرز الحقائق من التضليل ولتمكين الجمهور من فهم الواقع بوضوح. فتمّ توصيب المسار الأاساسي للمعلومات بحسب نوعها، وحصر الأمور الحربيّة بالجهات الرسمية الخاصة بفصائل المقاومة والمواد الإعلاميّة الخاصة بتوثيق الإعلام عبر الجهات الإعلاميّة الرسميّة بالإفادة، أيضًا، من المواد التي وثقها أهل غزة، وتولّى الخبراء التقنيون تفنيد المقاطع المركبة عبر البرامج وتبيان الحقيقة.
4- التأثير على الرأي العام العالمي:
أثرت مشاركات الناشطين من الدول العربيّة والإسلاميّة والغربّية في تشكيل فهم الجمهور الدولي للأحداث في غزة، حيث تلقفت حسابات مهمّة لعدد من المؤثرين والناشطين الغربيين مظلومية وقضية أهل غزة، وبدأوا بنشر المحتوى الداعم والتنديد بالعدوان على أغلب المنصّات ولاقت تجاوبًا كبيرًا في الأوساط الرقميّة.
5- الدعم والمساندة من حسابات الدول الخارجيّة:
برزت حسابات مؤثرة على مستوى العالم، لا سيما في الولايات المتحدة الاميركية والدول الأوروبية، والتي أثرت بشكل كبير في آراء الشعوب الغربية، وأسهمت بتغيير الصورة المرسومة لهذه الجماعة المظلومة، وأظهروا تضامنهم مع غزة وقاموا بتنظيم الحملات الداعمة.
أهم الأدوات التي أفيدوا منها:
فيما يلي نسلط الضوء على دور منصّات التواصل الفوري والاجتماعي، في سياق أحداث "طوفان الأقصى" في غزة، لتبيان تأثير كلّ منها بحسب خصوصيته:
1- تطبيق واتساب: استخدم التطبيق أداةً للتواصل المباشر والفعال، خاصة في المناطق الساخنة، حيث أفاد منه أهل غزة في بداية المعركة لتبادل المعلومات الحيوية والسريعة، بالإضافة إلى تنسيق الجهود الإنسانية وتقديم التحديثات الفورية عن الأوضاع في الداخل، وبقيت الأمور على هذه الحال إلى أن قامت شركة ميتا بتقييد بعض المحتوى الداعم للمقاومة، فقامت بحظر عدد كبير من الحسابات العربيّة من بينهم مديرو المجموعات، وبدأت بتطبيق سياسة مخففة عن ما تنتهجه في فيسبوك، ما تسبّب في الحدّ من الإفادة من هذا التطبيق.
2- تطبيق تيليغرام: اُستخدم أداة بديلة عن تطبيق واتساب لما يتمتع به من حرية شبه مطلقة، فاستفادت منها الجهات الإعلامية المرتبطة بفصائل المقاومة لنشر الوقائع وتنسيق الجهود والتواصل مع العالم الخارجي بسهولة، إلا أنّ التطبيق يعدّ أداة غير آمنة لناحية التراسل؛ لأنّه لا يدعم التشفير بين أطراف ما يجعله وسيلة خطر في التواصل الشعبي وفي الحالات الأمنية. وتجدر الإشارة إلى أن شركتي غوغل وآبل حاربتا المحتوى المنتشر عبر التطبيق، وقامتا بحظر القنوات الرسميّة لحركات المقاومة عن منصّاتها، واضطر الجميع للاستفادة من التطبيق عبر الموقع الرسمي لضمان الوصول الكامل.
3- منصة فيسبوك: استخدمت المنصّة، منذ بداية العدوان لنشر المقاطع والصور والأخبار من غزة، بالإضافة إلى تنظيم حملات التضامن وجمع التبرعات، إلاّ أنّ السياسة القمعية لشركة ميتا حالت دون الاستفادة القصوى من هذه المنصّة، فاضطر الناشطون للتحايل على الخواريزميات بالرغم من تحديثها أكثر من مرة خلال الأحداث، ونجحوا في إيصال صوتهم وكلمتهم
4- منصّة انستغرام: تعدّ المنصة بطبيعتها البصرية أداة قوية لنقل الواقع في غزة، وذلك بالاستفادة من طبيعة روادها، فانتشرت الصور والمقاطع لجذب المجتمع الدولي إلى الوضع الإنساني والتحديات التي يواجهها سكان القطاع، ولاقت بعض الحسابات مصير الحذف والتقييد نتيجة تطبيق شركة ميتا لقوانينها القمعية.
6- منصّة X: لعلها المنصّة الأهم والأفضل التي عملت خلال هذه الأحداث بكفاءة عالية، نظرًا للحرية التي تتمتع بها بالمقارنة مع باقي المنصات، حيث نشطت الهاشتاغات الداعمة لغزة وفلسطين، وبقيت تحتل المراتب الأولى في قوائم التراند ضمن الدول العربية والغربية، وبرزت الحملات المختلفة، بالإضافة إلى النشطاء والصحفيين الذين اجتمعوا على نصرة غزة، وكان لهم دور في تشكيل الفهم العالمي للعدوان.
7- تطبيقات الذكاء الاصطناعي (Ai): استفاد العديد من المصممين من برامج الذكاء الاصطناعي، ولا سيما برامج Midjourni وDalle3 ، لإنتاج صور تظهر الأحداث بطريقة فنية فريدة، حيث تمّ تخيل مشاهد العدوان بطريقة الوصف النصي لتشكيل منتجات رقمية مؤثرة على المشاعر والإنسانية، وانتشرت بشكل كبير، خاصة في اثناء المجازر وفي اقتحام المستشفيات وغيرها.
لقد أظهرت أحداث "طوفان الأقصى" في غزة كيف تحولت وسائل التواصل الاجتماعي من مجرد منصات للتفاعل إلى أدوات فاعلة في نقل الحقيقة ودعم المقاومة والنضال، من واتساب إلى تليغرام ومن تويتر مرورًا بفيسبوك وانستغرام، كل منصة أدت دورًا محوريًا، بحسب خصوصيتها وصلاحيتها في نقل الحقائق وتوفير الدعم اللازم. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات التي تواجهها هذه المنصات، بما في ذلك انتشار المعلومات المضللة، ما يتطلب جهودًا مستمرة للتحقق من الحقائق وتعزيز الوعي الرقمي.
هذا المشهد الرقمي الجديد ليس مجرد مرآة للواقع، بل هو ساحة دعم ونضال ومساندة، حيث يتشكل الوعي العام ويؤثر بشكل مباشر على الأحداث المهمة.
هنا يبقى السؤال قائمًا حول كيفية استخدام هذه الأدوات بمسؤولية وفعالية لدعم القضايا العادلة والإنسانية، وهو تحدٍ يتطلب جهودًا جماعية من الأفراد المنظمات، وحتى الشركات العالمية أيضًا.
علي مرعي/ الميادين نت
تواجه شركة آبل دعوى قضائية جماعية جديدة تتهمها بالإعلان عن جهاز شائع لديها بشكل مضلل
بث الشائعات والابتزاز الإلكتروني والسب والقذف والاعتداء على قيم المجتمع من خلال هذه الحسابات الوهمية
الغرامة التي أعلن عنها هي سابع أكبر غرامة يفرضها الاتحاد الأوروبي على الإطلاق
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال