بشعره البني المجعّد وملامحه الطفولية، يتحدث بجرأة وحماس مرتديًا الكوفية في بعض مقاطع الفيديو تعبيرًا بصريًا داعمًا للقضية الفلسطينية. ابن الثمانية عشر، وُلد في 14 كانون الثاني (يناير) العام 2005، كوميدي وصانع محتوى أميركي، اشتهر بمقاطع الفيديو الساخرة، وبمواقفه الرافضة للظلم في الولايات المتحدة. يتابعه على تيك توك ثلاثة ملايين شخص، وعلى إنستغرام قرابة الـ 41 ألف شخص، وعلى يوتيوب أكثر من 4 آلاف شخص. يعرف باسم yourfavoriteguy، ولقبه Monke يستخدمه لسلسلة متكرّرة شعبية تسمّى Monke Explains، إذ يستخدم الاستعارات لشرح أفكاره.
حتى 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كان فهم غاي غريستنسن للقضية الفلسطينية ضعيفًا. في مقال له، يشرح كيف نمّى ثقافته حول الاحتلال الإسرائيلي ومعاناة الفلسطينيين. يقول: «لقد صُدمت عندما علمت بالمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة، والعنف الذي تمارسه ضد الفلسطينيين، وما ينتج من ذلك من نزوح للأسر وهدم المنازل بالجرافات، وقد ضرب ذلك على وترٍ حساس. هذا يذكّرنا باستعمار المستوطنين الإنكليز للأميركيين الأصليين. وكانت أوجه الشبه مؤلمة، تطرح السؤال: لماذا لا يتطرق الحديث عن هذا الأمر؟ وبينما كنت أتنقل عبر بحر من المعلومات، اكتشفت معلومات عن نظام الطرق المعزولة في إسرائيل، والتصاريح المقيدة، وتقارير عن الانتهاكات على أيدي الجنود الإسرائيليين».
فهم الشاب واقع قطاع غزة، وتعرّف إلى قصة مليوني شخص مسجونين على قطعة أرض، نصفهم من الأطفال، تقيّد "إسرائيل" حصولهم على المياه والغذاء. ذكّره حجم هذا الظلم بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ويضيف «إنّ مشروع قانون الدولة اليهودية، والذي يسمح باستبدال الأسر الفلسطينية بأسر صهيونية، يقدم رواية أخرى عن الحقيقة المزعجة. لقد شكّلت معرفة كل هذا، نقطة تحوّل جعلتني أتساءل عن أخلاقيات إسرائيل، وأفكر في أسئلة عميقة حول العدالة وحقوق الإنسان».
نقطة التحول الأساسية في موقفه، كانت بعد تلقّيه رسالة بالبريد الإلكتروني من منظمة صهيونية، تعرض عليه مبلغ 5000 دولار للتعهد بدعم "إسرائيل". جاء ذلك بعدما نشر على حسابه على تيك توك فيديو يضيء على أوجه التشابه بين الاستعمار الأميركي واستعمار فلسطين التاريخية. وجاء في نص البريد الإلكتروني: «نحن نتابع المحتوى الخاص بك على تيك توك، ونقدّر شغفك بالشرق الأوسط. منظمتنا، والتي تسعى إلى المساعدة في الفهم، تودّ أن تقدم لك فرصة الرعاية. لقد لاحظنا دعمكم للقضية الفلسطينية، ونحترم إخلاصكم في القضايا المهمة. ومع ذلك، نعتقد أنه قد يكون هناك سوء فهم وتصوّرات خاطئة في ما يتعلق بإسرائيل، وقد وقعتم في فخ أكاذيب الكلاب المسعورة. نحن على استعداد لنعرض عليك مبلغ 5000 دولار لبدء البث المباشر والتعهد بدعم بإسرائيل. نحن نهدف إلى تزويدك بالموارد والخبراء الذين يمكنهم جعلك ترى الحقيقة. إن صوتك مؤثر، ونعتقد أنه من الضروري عدم نشر أكاذيب الإرهابيين عن طريق المصادفة. ونحن نتطلع إلى العمل معًا لتعزيز المزيد من الحقيقة في العالم».
أشعره هذا العرض بالاشمئزاز. بعدها، نشر مقطعي فيديو على تيك توك يعيد مشاركة لقطة للرسالة، معلّقًا «لا يمكنك شراء دعمي للإبادة الجماعية، لا في مليون سنة ولا حتى بمليون دولار». بعدها تواصل مع شركات الإعلام العملاقة مثل «فوربس»، وصحيفة «وول ستريت جورنال»، و«بي. بي. سي» لإجراء المقابلات وفضح ما حصل معه.
تعمّق فهمه لتاريخ القضية عبر وثائق تاريخية مثل تقرير «لجنة كينغ كراين»، الذي نُشر في العام 1922، التي تفيد بأنّ الصهيونية لا توجد «من دون ارتكاب أخطر انتهاك للحقوق المدنية والدينية» للفلسطينيين، وتتوافق مع الحقيقة الصارخة التي كان يكشف عنها. عزّزت الصور الآتية من غزة موقفه، وقصص الغارات القاتلة في الضفة الغربية المحتلة، والشهادات المباشرة للجنود الإسرائيليين في «كسر الصمت» (منظمة إسرائيلية مناهضة للاحتلال). وكانت الصورة المشتركة هي صورة القمع المنهجي والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون منذ عقود.
يرى غريستنسن أن الدفاع عن الفلسطينيين لا يعني فقط تحدّيًا للرواية الإسرائيلية، بل أيضًا للقيود المتأصلة في السياسات الأميركية. وكلما اكتشف المزيد من الطبقات عزز ذلك حاجته الملحة إلى كسر السردية الصهيونية المهيمنة.
أثّر غاي بأصدقائه، فقام عدد منهم بتثقيف أنفسهم حول القضية الفلسطينية، فيما اعترف له أحدهم بإحجامه عن التعمق في الموضوع، خوفًا من أن يؤدي فهم النضال الفلسطيني إلى مشاركته في معاناتهم، وهو شعور بدا حريصًا على تجنبه؛ لأن الجهل أقل إيلامًا. يؤكد غريستنسن أنّ «التزامي بالحقيقة يظل ثابتًا. لقد بدأت الرحلة للتو، لكنني مصمّم على إيصال أصوات المضطهدين، لأن قصصهم تكمن في إمكان حدوث تغيير ذي معنى. وقد يكون العالم متحدًا ضدهم، لكن ما دام هناك من يرغب في رفع صوته، فإنّ شعلة العدالة سوف تستمر في الاشتعال».
يستخدم غريستنسن حساباته على مواقع التواصل، لفضح كذب السردية الإسرائيلية، ونقل قصص الفلسطينيين، والدعوة إلى المقاطعة. في 6 كانون الأول (ديسمبر)، نشر مقطع فيديو يشجع على مقاطعة «ستاربكس» موضحًا أسبابها، قائلًا «سبب مقاطعتنا لـ «ستاربكس» هو أنّ نقابة عمّالها خرجت لدعم الفلسطينيين، ثم نأت شركة «ستاربكس» بنفسها عن النقابة ورفعت دعوى قضائية ضدهم، هذا هو مدى عدم رغبتهم في دعم الفلسطينيين، ويريدون دعم إسرائيل».
غريستنسن واحد من كثير من الشباب الأميركي الداعم لفلسطين، وهذه ظاهرة تثير قلق داعمي الاحتلال في الولايات المتحدة. إذ نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، في 17 كانون الأول (ديسمبر) نتائج استطلاع رأي، أجراه معهد «هاريس» ومركز الدراسات السياسية الأميركية في «جامعة هارفارد»، أظهر أن 51 في المئة من الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا يعتقدون بأن الحل الوحيد للصراع هو إنهاء إسرائيل وتسليمها لـ «حماس» والفلسطينيين.
الاستطلاع الذي شمل ألفي ناخب أميركي من فئات عمرية مختلفة، أظهر أيضًا أن 76 في المئة من الفئة العمرية نفسها، يعتقدون أن «حماس» منظمة يمكن التفاوض معها لتحقيق السلام. وتبين أن غالبية الذين تراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا، وبين 25 و34 عامًا، تعتقد أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
وكان استطلاع رأي لمؤسسة «يوجوف» نُشر في أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، أظهر أنّ الأفراد الذين تراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين في الحرب الحالية (28 في المئة أعربوا عن تعاطف أكبر مع الفلسطينيين مقابل 20 في المئة للإسرائيليين)، فيما المجموعات الأكبر سنًا أكثر عرضة للتعاطف مع الإسرائيليين من الفلسطينيين أو كلا المجموعتين على قدم المساواة، وخصوصًا أولئك الذين يبلغون 65 عامًا وما فوق. ويعتقد 14% من الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، أنه من المهم جدًا بالنسبة إلى الولايات المتحدة حماية إسرائيل، مقارنة بثلثي أولئك الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكبر.
يعدّ الشباب الأميركي أكثر ميلًا إلى تشبيه القضية الفلسطينية بالنضال ضد العنصرية، إذ إنّ الشرطي الذي يسيطر على منطقة بالقوة ويرهب سكّانها، هو نفسه في الضفة الغربية أو في حيّ تسكنه غالبية من السود في الولايات المتحدة. التشابه في القضيتين حدث في العام 2014، حين أدت الحرب على غزة إلى استشهاد 2250 فلسطينيًا، في وقت اندلعت فيه الاحتجاجات في فيرغسون في ولاية ميزوري، بسبب إطلاق الشرطة النار على رجل أسود أعزل.
يرى أستاذ الدراسات الإسرائيلية دوف واكسمان، في جامعة كاليفورنيا، أنّ كل فئة عمرية تملك ذاكرة أجيال مختلفة عن "إسرائيل". وقال إن :"المعتقدات حول العالم، تميل إلى التشكل في أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينيات، وغالبًا لا تتغير، وأن الأجيال الأكبر سنًا التي تملك إحساسًا أكثر عمقًا بالمحرقة، تميل إلى رؤية إسرائيل كونها «ملجًا حيويًا لليهود، وترى قصتها كقصّة شعب عاد إلى الأمان في وطنه، بعدما عاش 2000 عام مشتتًا».
في العقود التي تلت إنشاءها، كانت "إسرائيل" منخفضة الدخل وضعيفة نسبيًا. كانت انتصاراتها العسكرية ضد العرب في الأعوام 1948 و1967 و1973 موضع إعجاب الغرب بشكل عام. ولكن بحلول الوقت الذي بدأ فيه جيل الألفية في تكوين فهمه للأحداث العالمية، كان عنف الانتفاضة الثانية قد انتهى في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع بناء الجدران والحواجز المعززة بين «إسرائيل» والضفة الغربية، ثم غزة. شاهد هذا الجيل كيف حرمت إسرائيل الفلسطينيين من الوصول إلى المياه، وقيّدت حركتهم، والمحاكمات غير العادلة، تحت السيطرة العسكرية، ما شكّل وعيًا جديدًا عند الشباب الغربي، رافضًا للاحتلال ولفكرة الدولة اليهودية.
مثل مجايليه، لجأ غريستنسن إلى مواقع التواصل لنشر رسالته. سهّلت هذه الوسائل التواصل بين صانعي المحتوى والجمهور، وجعلت الرسائل في اتجاهين، عوضًا عن تلقّي الجمهور الرسائل الإعلامية من دون المشاركة فيها بطريقة مباشرة، وجعلت رواد مواقع التواصل مراقبين لمحتوى الإعلام التقليدي ومكذّبًا له، وهذا ما يحصل في الحرب الحالية.
تحوّلت هذه المنصات إلى وسيلة لنقل صوت الفلسطينيين، وما تخفيه وسائل الإعلام الرئيسية عن الرأي العام الغربي والعالمي، على الرغم من القيود التي طالت المحتوى الداعم لفلسطين على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا منصات «ميتا»، فهامش الحرية في نقل المعلومات بالصوت والصورة التي توفرها بعض منصات التواصل الاجتماعي، مثل تيليغرام وتيك توك وX، خلقَ حال من الدعم والتعاطف الساحق مع الشعب الفلسطيني، كما أسهم في إبراز دور وسائل الإعلام الرئيسية كأداة تسيطر عليها السياسة الغربية المنحازة لـــ"إسرائيل".
وكان تطبيق تيك توك قد تعرّض لهجوم شرس، وخصوصًا من الجمهوريين، لأنّ الوسوم المؤيدة للفلسطينيين أكثر شعبيةً من الوسوم المؤيدة لإسرائيل. لكنّ الشركة أوضحت أن هذه الظاهرة حدثت بشكل طبيعي، وليس لأن الشركة كانت تتلاعب عمدًا بالخوارزمية الخاصة بها، بل إنّ جيل الألفية داعم للقضية الفلسطينية. وكان الهاشتاغ الأكثر رواجًا على تيك توك حتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر) خاصًا بفلسطين، بمتوسط 3 مليارات مشاهدة، مقابل 200 مليون مشاهدة لمصلحة "إسرائيل".
من جهتها حذفت «ميتا» أكثر من 795 ألف منشور باللغتين العربية والعبرية لأنها خالفت سياساتها، كما حدّت من ظهور آلاف المنشورات، وكان ذلك بعد ثلاثة أيام فقط من عملية «طوفان الأقصى». واشتكى مستخدمون في الشرق الأوسط من سياسة فايسبوك وإنستغرام المنحازة ضد المحتوى الفلسطيني، في حين تعرّض مالك منصة X إيلون ماسك، لضغوط كبيرة وتهديدات بتغريمه مليارات الدولارات من الاتحاد الأوروبي لعدم اتخاذه إجراءات مماثلة.
أما الاحتلال الإسرائيلي، فقد حاول كسب الرأي العام، ودفع ملايين الدولارات للترويج لروايته عبر حملات مكثفة، وفقًا لصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، وحققت مقاطع الفيديو المروّجة له أكثر من 1.1 مليار ظهور لنحو 535 مليون مستخدم فرنسي. وأشارت الصحيفة إلى أنّ "إسرائيل" أنفقت 2.4 مليون دولار لاستهداف المستخدمين في ألمانيا، و1.2 مليون دولار لاستهداف الجمهور البريطاني، بينما أنفقت 4.6 ملايين دولار في فرنسا. ونقلت وكالة «رويترز» عن مدير القطاع الرقمي في وزارة الخارجية الإسرائيلية ديفيد سارانغا، قوله إن الحكومة الإسرائيلية أطلقت حملة رقمية ضخمة من الإعلانات عبر الإنترنت، بلغ حجم الإنفاق عليها 1.5 مليون دولار.
نقلاً عن جريدة الأخبار
تواجه شركة آبل دعوى قضائية جماعية جديدة تتهمها بالإعلان عن جهاز شائع لديها بشكل مضلل
بث الشائعات والابتزاز الإلكتروني والسب والقذف والاعتداء على قيم المجتمع من خلال هذه الحسابات الوهمية
الغرامة التي أعلن عنها هي سابع أكبر غرامة يفرضها الاتحاد الأوروبي على الإطلاق
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال