"نيمبوس".. التكنولوجيا الأميركية في خدمة القتل

مشروع "نيمبوس" "Project Nimbus" يسمح لجيش الاحتلال الإسرائيلي جمع البيانات عن الأشخاص عن طريق الذكاء الاصطناعي..

في آب العام 2022، بعثت مديرة التسويق لمنتجات "غوغل" التعليمية أرييل كورين بمذكرة إلى زملائها، تعلن فيها مغادرتها "غوغل" بعد عمل دام سبع سنوات. استقالة كورين جاءت بعد تعرضها للمضايقات والانتقام جراء معارضتها لمشروع "نيمبوس" "Project Nimbus". 

لمن لا يعلم؛ تسخّر "غوغل" بموجب هذا المشروع، الذي يقوم على شراكة بينها وبين "إسرائيل" وشركة "أمازون"، التكنولوجيا في خدمة الكيان الإسرائيلي لمراقبة الفلسطينيين والتجسُس عليهم بُغية وضعهم بنكًا لأهداف للقتل والتهجير والانتقام.  

كيف يتم ذلك؟ 

1-    يُوفّر المشروع المذكور لكيان العدوّ الخدمات التي تُسمى بالحوسبة السحابية "Cloud" مع تقنيات الذكاء الاصطناعي من كاميرات مراقبة للتعرُّف إلى ملامح الوجه وتتبع الأشياء.  
2-    أكثر من ذلك، يعمل المشروع على تحليل المشاعر وتقويم المحتوى العاطفي للصور والكلام والكتابة، من دون أن يكون لشركة "غوغل" أو حتّى "أمازون" حق التدخل في الطريقة التي تُستخدم بها تلك التكنولوجيا. 

بناءً عليه، تُسيطر "إسرائيل" بموجب الصفقة على كبريات الشركات الأميركية وكلّ  ما تُوفره من خدمات بُغية أهداف جرمية وحشية، لتكون التكنولوجيا في خدمة القتل. الواقع الذي يؤكّد حقيقة أنّ البصمات الأميركية حاضرة في كلّ مصلحة إسرائيلية. في كلّ ما يخطر ولا يخطر على البال، نجد الخدمات الأميركية مسخّرة للربيبة الإسرائيلية، وهو ما بدا واضحًا في مذكرة كورين التي قالت إثر المضايقات التي تعرّضت لها: "تُسكِت "غوغل" بشكل منهجي الأصوات الفلسطينية واليهودية والعربية والمسلمة التي تشعر بالقلق إزاء تواطؤ الشركة في انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، إلى درجة الانتقام رسميًا من الموظفين وخلق بيئة من الخوف".  

وفي العام 2021، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية رسالة، وقّع عليها عاملون في الشركتين من خلفيات متنوعة لم يكشفوا عن أسمائهم خشية الانتقام، قالوا فيها: "التكنولوجيا التي نبنيها يجب أن تعمل على خدمة الأشخاص والارتقاء بهم في كلّ مكان، بما في ذلك جميع مستخدمينا. كوننا عمالًا يحافظون على استمرارية عمل هذه الشركات، فإننا ملزمون أخلاقيًا بالتحدث علنًا ضدّ انتهاكات هذه القيم الأساسيّة. ولهذا السبب، نحن مضطرون إلى دعوة قادة "أمازون" و"غوغل" إلى الانسحاب من مشروع "نيمبوس" وقطع جميع العلاقات مع "الجيش الإسرائيلي".

وفقًا للعاملين، وُقّع هذا العقد الخطير في الأسبوع نفسه الذي هاجم فيه "الجيش الإسرائيلي" الفلسطينيين في قطاع غزّة، ما أسفر عن استشهاد ما يقرب من 250 شخصًا، من بينهم أكثر من 60 طفلًا. ويتابع هؤلاء العاملون: "التكنولوجيا التي تعاقدت شركاتنا على بنائها ستجعل التمييز والتهجير المنهجي الذي يقوم به الجيش والحكومة الإسرائيليان أكثر قسوة وفتكًا بالفلسطينيين. لا يمكننا أن نغض الطرف؛ لأن المنتجات التي نصنعها تُستخدم لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسيّة وإجبارهم على الخروج من منازلهم، ومهاجمتهم في قطاع غزّة - وهي الإجراءات التي دفعت المحكمة الجنائية الدوليّة إلى إجراء تحقيقات في جرائم الحرب". 

مسلماني: القيمة المالية للعقد تشير الى خطورته

رئيس لجنة خبراء التكنولوجيا في شبكة التحول والحوكمة الرقمية في لبنان الدكتور جمال مسلماني؛ يشرح أبعاد "نيمبوس"، فيوضح أنّ حكومة العدوّ تدّعي أنّ هذا المشروع عبارة عن "مبادرة وطنية" توفّر خدمات سحابية لحكومة ما تُسمى بـ"إسرائيل"، تُديرها بشكل مشترك بالتعاون مع جهات عدّة. وفقًا لــــ"مسلماني"، القيمة المالية الكبيرة للعقد، والتي تتخطّى المليار دولار، تشير إلى خطورة هذا المشروع الذي يسمح لجيش وحكومة الاحتلال بجمع البيانات بوساطة الذكاء الاصطناعي ومراقبة الأفراد، وكلّ  ذلك في صورة غير قانونية، فالعقد غير قانوني، وحتّى لو كان قانونيًا فهو غير مشروع حيث يُشرّع الاعتداء على حرية الآخرين الشخصية.  

يشدّد مسلماني على أنّ المشروع الذي بدأ العمل به، في العام 2021، يستهدف بالدرجة الأولى الفلسطينيين، حيث توفّر جهات تكنولوجية كبيرة مثل أمازون (Amazon Web Services) وغوغل (Google Cloud Platform)، وهما من كبريات الشركات في عالم التكنولوجيا، خدمات كبيرة لـ"إسرائيل"، وتحديدًا شركة "أمازون" التي تقدّم خدمات سحابية، ما دفع حكومة الاحتلال للتعاون معها، وهي شركة كبيرة وضخمة. 

كما أنّ التعاون لا يقتصر على الجوانب الاستخبارية؛ بل يتخطّى مجالات أخرى تسويقية وتجارية تعود بالربح على حكومة الاحتلال، بحسب ما يقول مسلماني مشيرًا إلى إنشاء مشاريع ناجمة عن هذه المعلومات التي  سُحبت من المشروع، ما خلق بلبلة كبيرة جدًا، حين اعترض كثير من الموظفين على "نيمبوس"، فحصل جدال كبير انتهى بتقديم لوائح اعتراضية، رأت أن المشروع يقوم بأعمال حساسة سرية، منها ما يتعلق بالمخابرات والرقابة. 

لقد استمرّ النقاش؛ وبقي الاحتجاج موجودًا في قلب شركة "غوغل" حتّى ما بعد حرب غزّة، ما دفع بالشركة إلى محاسبة الموظفين ومقاضاتهم ومساءلتهم عن ردود فعلهم تجاه هذه الصفقة.  

يلفت سيلماني إلى أنّ هكذا مشاريع تقوم على عدة عناصر تستعملها أجهزة الاستخبارات، بشكل عام، وتكون مدعّمة بالذكاء الاصطناعي. وهذه الخدمات بأكملها موجودة في "غوغل"، ليستفيد بهذه الطريقة "نيمبوس" من منصة "غوغل"، ويصبح كلّ ما توفّره هذه الشركة من خدمات تتخطّى محركات البحث طبعًا في خدمة المشروع.  وبهذا المعنى، فإنّ ما يتداوله المستخدمون على هذه المنصة من خدمات بحث و"غوغل لانس"، وصور وما إلى هنالك من خدمات لها علاقة بالأخبار وتحليل السلوك للفرد ونشاطه على الإنترنت، وتحليل للمشاعر عبر الذكاء الاصطناعي، فعندما يعبّر المستخدم عن رأيه في قضية معينة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يحلّل المشروع ما أدرج في المنشور من مشاعر للمستخدم، لمعرفة ما إذا كان حزينًا أم فرحًا، أم أنه يشعر بنشوة النصر أم الانكسار وغير ذلك من مشاعر.  

يؤكّد مسلماني أنّ هذا المشروع أسهم كثيرًا في قتل الفلسطينيين وتحديدهم بنكُا لأهداف من خلال تحليل "الداتا" التي جُمعت قبل حرب غزّة وخلالها. وأسهمت في تحديد فئات الفلسطينيين وتقويم العوائل من حيث الطبقات الاجتماعية والمالية والارتباطات العائلية.  كما أسهم في الكشف عن شبكات الأفراد العائلية وحركات التواصل، سواء العائلية أم العملية، وهذا جعل الكيان يحدّد بطاقة الأهداف بناء على النواتج التي تخرج من "نيمبوس"، وبناء على الأهداف التي تصدر بمساعدة وسائل استخبارية ثانية، تتقاطع مع مصادر جمع معلومات ثانية.  

بناء على ما تقدّم، يؤكّد مسلماني على ضرورة الالتفات جيدًا لكل ما يُنشر على شبكة الإنترنت وللخدمات التي تقدّمها شركات كبرى، والتي أحيانًا ما تكون مجانية. لذلك علينا الانتباه جيدًا قبل نشر أي معلومة قد تضر بنا أو بأمن بلدنا.

فاطمة سلامة/ موقع العهد الإلكتروني

 

مواضيع مرتبطة

أسلوب شائع في المراسلة قد يجعلك أقل مصداقية

كشفت دراسة جديدة عن أسلوب شائع في كتابة الرسائل النصية قد يؤثر سلبًا على كيفية إدراك الناس لصدق المرسل.

كيف تستخدم صور الهاتف للبحث على الإنترنت؟

الصورة تساوي ألف كلمة، لكنك لا تحتاج إلى كتابة أي منها من أجل البحث على الإنترنت هذه الأيام،

65 % من العملاء يشعرون بأن الشركات تتعامل مع بياناتهم باستهتار وتهوّر

أصبحت ثقة نحو 3 أرباع المستهلكين (72%) بالشركات أقل مقارنة بالعام 2023 

كلمات مفتاحية

تصفح _آمن