خاص موقع "أمان الأطفال"/ د. شوكت أشتي
وُجدت التكنولوجبا لخدمة الانسان وتسهيل حياته ومساعدته على القيام بالأعمال بطريقة أسهل وأسرع. فغدت الوسائل الإلكترونية منتشرة جدًا، مثل الهاتف المحمول والحاسوب.... لدرجة لم يعد اقتناء هذه الوسائل ترفًا ولزوم ما لا يلزم؛ بل أصبحت ضرورية جدًا، وجزءًا من حياتنا اليومية، قد يكون من الصعوبة بمكان الاستغناء عنها أو تجاهلها. من هنا؛ يمكن التساؤل هل بقيت هذه الوسائل في حدود الممكن؟ أم تجاوز استخدامها الحدود، فتركت مضاعفات مؤلمة على حياتنا، عامة وعلى أبنائنا خاصة؟
إنّ إنتشار هذه الوسائل، على امتداد واسع جدًا، عند الصغار والمراهقين والشباب والكبار على حدّ سواء، جعلها أقرب كي تصبح "وباءً" اخترق مجالات حياتنا كافة، الخاصة والعامة، وترك تداعياته الخطيرة على العديد من تفاصيل هذه الحياة، فالتعلق بهذه الوسائل جعلها تصبح "الصديق" الأقرب. فهي ملازمة للأبناء ومرافقة لتحركهم وملاصقة لنشاطاتهم وحاضرة في الأوقات كافة: في البيت، عند الأكل، الدرس واللعب، والحديث، والنوم...، وخارج البيت في الوقت نفسه، الأمر الذي ترك آثاره السلبيّة على العلاقات الاجتماعية، وفكّك مسارات التواصل الطبيعي، بين الأفراد والجماعات، وعطّل مساحات التفاعل والحوار...
إنّ طبيعة هذه الوسائل، خاصة الهاتف المحمول، والحاسوب...، جعل استخدامها عملية سهلة وغير معقدة، ولا تحتاج إلى أوقات محددة. كما أنّ مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة؛ مثل: فايسبوك، توتير، وتساب، أنستغرام...، جعل إمكان التواصل سريعة وسهلة وفي متناول الجيمع، مبدئيًا. من هنا؛ تأتي "الصداقات الافتراضية" غير "الواقعية" ظاهرةً منتشرةً على نطاق واسع، الأمر الذي جعل العديد من الشابات والشبان عرضة للوقوع في بعض الأخطاء، فأصبحوا "فريسةً" للاستغلال والابتزاز. فكيف؟ ولماذا؟
إنّ سهولة التواصل، عبر الهاتف المحمول وتطبيقاته المتعددة، فتحت المجال لإقامة العديد من "الصداقات الافتراضية" بين الشابات والشبان، الأمر الذي قد يجعل بعض أبنائنا يَمنح ثقته الكاملة لهؤلاء "الأصدقاء الافتراضيين"، فتتمتن العلاقة فيما بينهم، ويتمادون في الحديث والتعبير والحوار.. ويدخلون في المسائل الخاصة والحميمية، كونهم صاروا أصدقاء، فتزال بينهم الحواجز، ويفتح المجالات لتبادل الصور والفيديوهات والمعلومات الخاصة جدًا، ويتبادلون العديد من المسائل التي لا يمكن البوح بها إلا للأصدقاء الأصدقاء المقربين في الواقع... وهنا تقع الطامة الكبرى عند بعضهم؛ إذ إنّ الثقة التي منحها بعضهم لهؤلاء "الأصدقاء الافتراضيين"، لم تكن في محلها، ولم يكن هؤلاء "الأصدقاء" أصلاً أهلاً للثقة والصداقة وكتمان الأسرار....
كما أنّ عملية الابتزاز، لا تنحصر في "الصداقات الافتراضية" فقط، بل إنّها إجراء يمكن أن يقوم به من هو قادر على اختراق الهاتف المحمول أو الحاسوب، والدخول إلى البرامج والملفات وسرقة ما يمكن أن يكون "خطرًا" بالنسبة إلى الضحية. وهذا الأمر أصبح منتشرًا ومرافقًا لانتشار وسائل التواصل وتعميمها.
من هذه الزاوية؛ يجري استغلال الأبناء، الشابات والشبان، فيهدّدون بنشر الصور الحميمة والخاصة، أو الفيديوهات أو المعطيات السرية المتعلقة بالأسرة أو ببعض الأشخاص أو العمل،.....
إزاء هذا الواقع؛ يمكن القول، وباختصار، إنّ الابتزاز جريمة "موصوفة" بكل معنى الكلمة وعناصرها، من حيث المبدأ هما اثنان: المجرم والضحية. يعمد الأول إلى تهديد الثاني (الضحية)، بنشر أو إفشاء أسرار ومعلومات، تتعلق بحياة الضحية الشخصية، أو تمس مباشرة بشرفه وكرامته وسمعته.... بهدف الحصول على مكاسب مادية أو معنوية، أي أن الابتزاز هو عملية استغلال واضحة ورخيصة لأهداف غير أخلاقية. والفتيات، في مجتمعنا، قد يكنّ أكثر عرضة للابتزاز من الشبان؛ لأن القيم المجتمعية تبدو أكثر "إنحيازًا" للشاب من جهة، وهي أكثر صرامة مع حركة الفتاة من جهة ثانية، ما قد يجعلها أكثر عرضة للاستغلال والابتزاز.
تتعدد أنواع الأخطار التي تطال ضحايا عملية الابتزاز، وخاصة للفتاة، في مجتمعنا. ولعلّ أبرز معالمها تشويه الصورة المجتمعية للضحية، بكل ما تحمله هذه المسألة من ارتدادات سلبية وخطيرة للفتاة وأسرتها، في الوقت ذاته؛ لأن خدش هذه الصورة يعني نوعًا من الحكم بــــ"الإعدام".
تترافق هذه الوضعية مع توتر نفسي وإرهاق وقلق وعزلة مجتمعية ونفسية وضغوطات متعددة الأنواع، لها إنعكاساتها "المدمرة" على الضحية وأهلها؛ خاصة وأن المجتمع، عامةّ، لا يرحم وأحكامه قاسية بحق من يخترق القيم والعادات والأعراف السائدة. وهذا التوتر يسهم في تدمير العلاقات الاجتماعية، وقد تصل الأمور إلى التفكك الأسري. وذلك؛ لأنّ "الفضيحة"، عند وقوعها، لا ترحم أحدًا. فقد يعمد المحيط الاجتماعي إلى مقاطعة الأسرة بكاملها، وقد تصل إلى التبرؤ من الفتاة. وليس من المبالغة القول،: إن البعض قد يلجأ إلى الانتحار، صونًا لـ"لشرف" المهدور.
لذلك؛ من المفيد الإشارة إلى أن الضحية قد تلجأ إلى السرقة لتلبية رغبات المجرم المبتز، وفي هذه الحال تصبح الضحية منحرفة، وتماديها في السرقة يحوّله إلى مجرمة أو مجرم؛ خاصة وإن المبتز، لن يترك الضحية، بل سيعمد عند الحاجة إلى المزيد من التهديد والابتزازه ماديًا ومعنويًا، ما يجعل المسائل أكثر تعقيدًا. لذلك؛ الأخطار الناتجة عن الابتزاز متعددة الأشكال وأضرارها خطيرة.
تتعدد الإجراءات والطرائق لمواجهة عملية الابتزاز، وقد يكون من المفيد الإشارة إلى بعضها، مع العلم أنّ هذه الإجراءات ليست "وصفة طبية"؛ غير أنها خطوات أساسية مترابطة ومتفاعلة في ما بينها، وهي على النحو الآتي:
1- الثقة بالنفس: إن المدخل الأساس لمواجهة أي عملية ابتزاز هي الثقة بالنفس؛ أي ألّا تخضع الفتاة، ولا ترضخ للمجرم، ولا تخشى الكلام الذي يمكن أن ينتج عن نشر أو تعميم المادة التي يُهددها المجرم بها. وإذا لم تساعد الفتاة، أو أي ضحية، نفسها فلن يساعدها أحد، ولأنّ التسليم والرضوخ والاستسلام، هم سيف صارم على مسار حياتها. لذلك عليها المواجهة، تحت كل الظروف. وهذا الرأي، قد يكون صعبًا جدًا، وقد يراه بعضهم تنظيرًا.. لكن لا بُد من سلوك هذا الطريق لإعادة الحياة إلى طبيعتها من جهة، ولتعزيز موقع الفتاة في مجتمعنا من جهة ثانية، ولجعل جرائم الابتزاز قضية رأي عام، نتكاتف جميعا ليأخذ المجرم عقابه، وليكون عبرة لغيره من جهة ثانية.
2- البئية الحاضنة: إنّ الأسرة، وطبيعة العلاقات التي تحكم الأهل بأبنائهم، وبالفتاة خاصة، هي البيئة الحاضنة لتوليد ثقة الأبناء بأنفسهم وتوفير مقومات المواجهة. وهذا يطرح تحديّات جمّة وصعبة على الأهل. وذلك؛ لأنّ غياب الرعاية الأسرية وتجاهل ما يقوم به الأبناء وعدم التواصل الإيجابي معهم والاكتفاء بتوجيه الأوامر وطلب الطاعة وتهميش الحوار وعدم معرفة متطلّبات الأبناء وخصائص مراحل نموهم.... هو من المسائل التي تجعل الأبناء يهروبون إلى "الصداقات الافتراضية"، مع ما يمكن أن تولّده من مخاطر غير سويّة.
3- إغلاق مواقع التواصل: إن الإسراع في إغلاق مواقع التواصل الاجتماعي، على اختلافها، والتي كان يجري التواصل عبرها، خطوة مهمة وضرورية. وهذا الإجراء يُخفف من فرص الحصول على الملفات الشخصية التي يمكن للمبتز الوصول إليها.
4- إبلاغ الدوائر الرسمية/الحكومية: إنّ التوجه إلى الجهات الرسمية، صاحبة الاختصاص والجهة المخوّلة بالإعلام عن الابتزاز وموضوعه، هي مسألة في غاية الأهمية والضرورة. لذلك يُرجى عدم التقليل من دور هذه الجهات، بالرغم من كل الأوضاع التي نعيشها في هذه الظروف غير الطبيعية؛ خاصة أنّها نشطة وفاعلة في هذه الأمور. فالاتصال بالمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ومكتب مكافحة جرائم المعلوماتية هو أوّل الخطوات التي يجب أن نلجأ إليها،... كما يمكن تقديم شكوى رسمية، على أن يكون المحامي خبيرًا في جرائم المعلوماتية.
5- برامج توعية: التعامل مع الوسائل الإلكترونية أمر يحتاج إلى دراية وحذر؛ كونها تتضمن جوانب اجتاعية غير آمنة. فمن المهم توسيع مجالات المعرفة الموضوعيّة والدقيقة بهذه الوسائل والمخاطر التي يمكن أن تولّدها وتنتج عنها، حتى لا تتحول إلى "كابوس" يقضّ المضاجع. وعليه؛ المدرسة لها الدور الأساس، إضافة إلى وسائل الإعلام والبرامج التوجيهية التي تساعد في كشف الوقائع الحية والمباشرة، وتعرض العديد من التجارب التي مرّ بها بعض الشابات والشبان، ما يعود على أبنائنا بالفائدة، ويُعطيهم المزيد من الثقة بالذات، ويلفت نظرهم إلى مسائل كانت غائبة عنهم...
إنّ الإبتزاز عملية معقدة، وتأخذ وقتًا لاكتمالها، فمسارها مرتبط بالعديد من التفاصيل والإجراءات، الأمر الذي يجعل هذه الجريمة على قدر كبير من الخطورة. بمعنى آخر؛ يٌفترض عدم الإستهتار بها، فعند حصولها ستضع الجميع في مأزق كبير. وهذا ما يفرض علينا، قبل أبنائنا، العمل بوعي وحكمة للفت نظرهم إلى المخاطر الناجمة عنها، الأمر الذي يساعد الأبناء في معرفة الارتدادات غير السويّة التي قد تصيبهم وتصيب أسرهم، ما يفرض عليهم أخذ الحيطة والحذر عند التعامل مع الوسائل الإلكترونية، على أنواعها، وخاصة الهاتف المحمول والحاسوب.
يعمد العدو إلى وسائل تكنولوجية متطورة لاختراق أجهزتنا الذكية وصفحاتنا الاجتماعية ليترصّد أي معلومة قد تفيده
يعمد العدو إلى وسائل تكنولوجية متطورة لاختراق أجهزتنا الذكية وصفحاتنا الاجتماعية ليترصّد أي معلومة قد تفيده
لماذا نترك المنصّات العالمية لمواقع التواصل لاجتماعي تتحكّم بمنشوراتنا..ألا يمكننا في العالم العربي صنع منصاتنا الخاصة؟
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال