ثلاثة تنبؤات لمخترع الويب حول تكنولوجيا المستقبل وعلاقتها بالإنسان

ثلاثة تنبؤات لمخترع الويب حول تكنولوجيا المستقبل وعلاقتها بالإنسان

المستهلكون سيصبحون أكثر تفاعلاً مع روبوتات الدردشة الرقمية للحصول على المعلومات التي يحتاجونها ومساعدتهم في إنتاج مواد مكتوبة وحتى الأكواد البرمجية

يعود الفضل إلى "بيرنرز لي" في اختراع تكنولوجيا الإنترنت التي غيرت العالم في العام 1989 أثناء عمله في سيرن (CERN)، مركز أبحاث فيزياء الجسيمات السويسري، حين قدم وقتها عالم الحاسوب المولود في لندن مقترحًا لنظام إدارة المعلومات لمساعدة زملائه على تبادل المعلومات في ما بينهم. واصل "بيرنرز لي" العمل على فكرته الخاصة بنظام تبادل المعلومات، وبحلول العام 1991، كانت شبكة الويب العالمية جاهزة للعمل.

في العام 1993، أقنع "لي" المركز بإطلاق بروتوكول الويب وكود المصدر للعالم من دون أي براءات اختراع أو رسوم، وأرجع هذا النجاح الهائل للويب إلى هذا القرار. ويتذكر "بيرنرز لي" كيف كانت الأمور عندما بدأت شبكة الإنترنت قبل 35 عامًا. وقال لشبكة "سي إن بي سي": "عندما بدأ الأمر، لم أكن أتوقع أن يكون بهذا الشكل، وهذا التغيير". ويعتقد "لي" أن هناك علامات كانت تشير إلى أن شبكة الإنترنت ستنمو بشكل كبير في وقت مبكر: "كانت حركة المرور إلى الموقع الأول، ترتفع بمقدار 10 مرات كل عام، أي أنها تتضاعف كل 4 أشهر".

لكن بعد عقود منذ إنشاء الويب، يرى "بيرنرز لي" بعض الجوانب السلبية التي حدثت. فعلى سبيل المثال، يرى أن خلاصات وسائل التواصل الاجتماعي المصممة بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي تسببّت في جعل الناس "يشعرون بالغضب والانزعاج أو الكراهية". وفي الوقت نفسه، سهولة إنتاج المحتوى على منصّات التواصل الاجتماعي وإنشاء مواقع ويب ومدوّنات جديدة أدت إلى "إضعاف" الأشخاص والشركات – وفقدان ملكية بياناتنا، بحسب مؤسس الويب. ولكن ما يزال لديه بعض التفاؤل بشأن المستقبل. 

في ما يلي بعض من أهم توقعاته لما ستبدو عليه شبكة الإنترنت خلال الـ35 عامًا المقبلة :

1.    سيكون لدى الجميع مساعد شخصي يعمل بالذكاء الاصطناعي:

أحد توقعات "لي" الكبرى هو أن الذكاء الاصطناعي سيغير الطريقة التي نتفاعل بها مع الويب. مع وصول أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل "شات جي بي تي"، والمدعومة من شركة أوبن إيه آي، تراهن شركات التكنولوجيا على أن المستهلكين سيصبحون أكثر تفاعلاً مع روبوتات الدردشة الرقمية للحصول على المعلومات التي يحتاجون إليها ومساعدتهم على إنتاج مواد مكتوبة وحتى الأكواد البرمجية. وهناك بالفعل شركات تحاول إعادة تصور الشكل الذي سيبدو عليه تفاعلنا مع الويب باستخدام الأجهزة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك شركة "سامسونغ" بهاتفها الذكي "غالاكسي إس24" (Galaxy S24)، وشركة "هيوماني إيه آي" (Humane AI) الناشئة في الولايات المتحدة بجهاز بن (Pin) القابل للارتداء.

يعتقد بيرنرز لي أنه في يوم من الأيام سيكون لدينا مساعدون في مجال الذكاء الاصطناعي يعملون لصالحنا، على غرار أطبائنا ومحامينا ومصرفيينا. وقال لشبكة "سي إن بي سي" : "يشعر بعض الناس بالقلق بشأن ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيكون أقوى منا خلال 35 عامًا.. أحد الأشياء التي أتوقعها هو أنه سيكون لديك مساعد ذكاء اصطناعي، يمكنك الوثوق به، ويعمل لصالحك، مثل الطبيب".

هذا؛ ويعتقد روبرت بلوموفي، كبير مسؤولي التكنولوجيا العالمي في شركة أكاماي (Akamai)، أن الويب سيتوقف عن كونه شيئًا يستخدمه البشر، وعملاء الذكاء الاصطناعي سيأخذون زمام الأمور نيابة عنا. وقال بلوموفي لشبكة "سي إن بي سي" في مقابلة الأسبوع الماضي: "يمكنك أن تتخيّل عالمًا بعد سنوات من الآن، حين يصبح الويب عالمًا لعملاء الذكاء الاصطناعي، ولم يعد البشر يستخدمون الويب بشكل فعال.. سوف يتم كل ذلك من خلال عملاء الذكاء الاصطناعي؛ لن تذهب أبدًا مباشرة إلى حسابك البنكي عبر الإنترنت، أو مقدم الرعاية الصحية الخاص بك عبر الإنترنت، أو أي مواقع للتجارة الإلكترونية".

ما يزال بلوموفي يعتقد أننا سنتصل بالإنترنت لمشاهدة البرامج التلفزيونية الترفيهية والأفلام وألعاب الفيديو؛ وكذلك الكثير من الوظائف اليومية لحياتنا عبر الإنترنت سيديرها في المستقبل بواسطة الذكاء الاصطناعي. وسنحصل على الملكية الحقيقية لبياناتنا عبر جميع المنصّات بما في ذلك الواقع الافتراضي. 

الشيء الآخر الذي يتوقعه "بيرنرز لي" هو شبكة إنترنت نتمكن فيها جميعا من التحكم الكامل في بياناتنا. فبدلًا من التنازل عن ملكية بياناتنا إلى غوغل وميتا وأمازون وآبل ومايكروسوفت وغيرها من عمالقة التكنولوجيا، سنكون قادرين على امتلاك بياناتنا من خلال ما سماه "مخزن البيانات أو الكبسولة". ويوضح بيرنرز لي: "سوف تفكر في حجرة البيانات الخاصة بك، كونها المساحة الرقمية الخاصة بك، وستفكر فيها على أنها شيء خاص بك تشعر بالارتياح تجاهه".

يعمل "بيرنرز لي" مع شركته الناشئة إنربت (Inrupt) على بروتوكول سولد (Solid)، والذي: "يهدف إلى تغيير جذري في طريقة عمل تطبيقات الويب اليوم، ما يؤدي إلى ملكية حقيقية للبيانات بالإضافة إلى تحسين الخصوصية". وجمعت الشركة 30 مليون دولار في العام 2022، من شركات رأس المال الاستثماري بما في ذلك فورتي فنتشرز (Forte Ventures) وأكاماي (Akamai) وغلاسونغ فنتشرز (Glasswing Ventures). وفي رؤية "لي" للويب المستقبلي، ستتمكّن من استخدام حجرتك الرقمية للوصول إلى جميع تطبيقاتك الأساسية، على سبيل المثال، البريد الإلكتروني عبر هاتفك، ولكن أيضا الحاسوب المحمول والحاسوب المكتبي والشاشات الأكبر مثل أجهزة التلفاز. وأضاف أن فكرته تتمثل في أن تكون لدينا مجموعة من "تطبيقات الثقة" التي يمكننا السماح لها بالتواصل مع بعضنا بعضًا لمشاركة المعلومات والقيام بالمهام المهمة بشكل أسرع بكثير.

يعتقد قال شينتان باتيل، وهو كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة البرمجيات سيسكو في المملكة المتحدة، أن الويب ينتقل في نهاية المطاف إلى مكان مفتوح؛ حيث يمكن مشاركة المعلومات بسهولة كبرى. وقال: "على الرغم من أن شبكة الإنترنت أصبحت مجزأة قليلاً مع وجود منصّات أكثر عزلة، سيكون هناك جمع للمزيد من المعلومات وبيعها، وحتى إساءة استخدامها في كثير من الحالات". وقال باتل: "على الرغم من كل عيوبها، فقد جلبت شبكة الإنترنت المزيد من الفوائد للمجتمع وجعلت الكثير من الأشياء ممكنة".

هذا؛ يتوقع بيرنرز لي أن الويب -في رؤيته- سيذهب أيضًا إلى أبعد من ذلك من خلال الواقع الافتراضي والمختلط، حيث يتفاعل العالم المادي والرقمي من خلال نظارات الواقع الافتراضي. وقال: "يمكنك القيام بأشياء باستخدام نظارات الواقع الافتراضي، وبعد ذلك عندما تخلع النظارة، يمكنك القيام بذلك باستخدام شاشة ضخمة". وأضاف "وكلما انتقلت، يمكنك الإمساك بهاتفك وستكون التجربة بمثابة تجربة واحدة. يجب أن ينتقل بسلاسة بين الأجهزة المختلفة".

إذ يعدّ الواقع المختلط بعدًا جديدًا للوصول إلى الويب، ويتوقع الخبراء أننا سنعتاد عليه أكثر مع مرور الوقت. وقال تشينتان باتيل لشبكة "سي إن بي سي": "ستكون هناك بعض التحولات الكبيرة التي تحدث في ما يتعلق ببعض أشكال الاتصال الرقمي. وأضاف: "سيُطلق عليها، في ذلك الوقت، شكل من أشكال الحوسبة المكانية والبيئة المكانية التي لن تكون شيئًا نبحث عنه، ولكنها تجربة عامرة تُقدم إلينا".

2.    تفكيك إحدى شركات التكنولوجيا الكبرى

هناك شيء آخر؛ يتوقع "بيرنرز لي" حدوثه في المستقبل وهو اضطرار شركة تكنولوجيا كبرى إلى التفكك. ففي الأسبوع الماضي، دخل قانون الأسواق الرقمية التاريخي (DMA) إلى الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ رسميًا، والذي يجبر عمالقة التكنولوجيا على تغيير منصّاتهم للسماح للمنتجات المنافسة بالازدهار، في خطوة رئيسة يتأمل منها أن تؤدي إلى مشهد منافسة تكنولوجية أكثر شفافية.

إذا انتهكت إحدى شركات التكنولوجيا التزاماتها بموجب قانون الأسواق الرقمية، فيمكن للمفوضية الأوروبية فرض بعض الإجراءات القانونية الصارمة. ويتضمن ذلك غرامات تصل إلى 10% من الإيرادات السنوية العالمية للشركة، أو 20% للمخالفين المتكررين.

المصدر : سي إن بي سي