بالإجماع صوّتت لجنة الطاقة والتجارة في الكونغرس الأميركي، يوم الخميس من الأسبوع الماضي، على مشروع قانون يُجبر شركة «بايت دانس» مالكة تيك توك على بيع التطبيق إلى أي شركة أميركية أو مواجهة حظر منصة التواصل داخل الولايات المتحدة بعد ستة أشهر من إعلان القرار. ورغم أن الحملة ليست جديدة على التطبيق الصيني الذي دخل نادي منصات التواصل العملاقة، إلا أن الفرح والتهليل الإسرائيلي لاحتمال إيقاف تيك توك كان لافتًا.
أعربت «الاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية» (JFNA)، وهي منظمة جامعة للجماعات اليهودية الأميركية، عن دعمها لمشروع القانون، مشيرةً إلى مخاوف من انتشار ما أسمته «معاداة السامية» و«المحتوى المناهض لإسرائيل» على تيك توك وفقًا لما نشرت صحيفة «جيروزالم بوست» في 12 آذار (مارس) الحالي. موقف الأطراف المتعلّقة بهذه القضية غريب. قبل حوالي الشهر، انطلقت الحملة الانتخابية الرئاسية لجو بايدن على تيك توك. وقبل أيام، عارض الرئيس السابق دونالد ترامب حظر التطبيق، فبرأيه أن ذلك يقوّي شركة ميتا مالكة فايسبوك وإنستغرام، التي وصفها بـ«عدوّة الشعب». أما مستخدمو تيك توك الأميركيون، فأمطروا هواتف نواب مناطقهم بالمكالمات المطالبة برفض تمرير مشروع القانون. وهنا نسأل: إذا كانت حملة بايدن الانتخابية تستخدم التطبيق، فكيف صوّت نواب الحزب الديموقراطي على القرار؟ وإذا كان ترامب ضد القرار، فكيف صوّت النواب الجمهوريون عليه؟ وإذا أعلم الناخبون ممثليهم في البرلمان رفضهم له، فلِمَ لم يذعن هؤلاء لمطالب الناس؟
البحث عن إجابات لهذه الأسئلة يأخذنا إلى مشروع القرار نفسه، وهنا المفاجأة. النائب الأميركي الذي قدّم مشروع القرار في بداية الأمر، يدعى مايك غالاغر، وإذا بحثنا عن أبرز من تبرع له بالمال خلال الدورة الانتخابية الأخيرة العام 2022، نجد أن منظمة AIPAC الإسرائيلية على رأس اللائحة، أي إنّ «أيباك» هي التي أوصلته إلى المجلس الحالي بطريقة أو بأخرى. وليس غريبًا على منظمة إسرائيلية أن تدعم نائبًا مثل غالاغر في مشروع حظر تيك توك، فرئيس كيان الاحتلال، إسحق هرتسوغ، قال مع بدء حملة التعاطف الغربي مع الشعب الفلسطيني المتأثرة بالمجازر الإسرائيلية في غزة، إن «تطبيق تيك توك غسل عقل الشعب الأميركي». هذا من ناحية كيفية بدء الإجراء، أما من ناحية نصّ المشروع، أجل، في الشكل، القرار موجّه ضد تيك توك، لكن مضمون صفحات المشروع يقول لنا بأنّ ما يحصل ليس مجرد قلق من الصين، إنما يتعلق بسيطرة حكومة الولايات المتحدة على شعبها. إذ يعطي مشروع القانون للرئيس سلطةً إضافية لإغلاق أي منصة يعدّها مهدّدة للأمن القومي الأميركي من دون أي معايير مدرجة.
عمليًا، إذا شعر أي رئيس أميركي بوجود تهديد من منصة تواصل، يمكنه حظرها وليس فقط تيك توك. والقرار إن مرّ، يمنح الرئيس الأميركي صلاحية حظر مواقع الويب، وليس التطبيقات فقط وفقًا لما فنّده مشرّعون أميركيون من الحزبين على منصة X. وقال السيناتور الجمهوري راند بول على X، إنّ «خوارزمية تيك توك تعمل داخل الولايات المتحدة في سحابة شركة أوراكل مع مراجعتهم للكود البرمجي (ليس في الصين)... إنهم يريدون حظر تيك توك لأنه مملوك من الصين، غير صحيح، فستون في المئة من الشركة مملوكة لمستثمرين أميركيين ودوليين، و 20% مملوكة لمؤسّسي الشركة، و20% مملوكة لموظفي الشركة، بما في ذلك أكثر من 7 آلاف أميركي. والرئيس التنفيذي لتيك توك من سنغافورة وليس من الصين. لذلك اسأل نفسك: لماذا يستمرون في تكرار هذه الكذبة لإخافتك؟». ووصف حظر تيك توك بأنه «حصان طروادة»، أي يُراد من القرار أمرٌ آخر. هذا الآخر الذي أشار إليه راند بول، تحوّل إلى تكهنات انتشرت على منصة X وتيك توك بشكل كبير. وأكثرها تفاعلًا مع المستخدمين أنّ إدارة بايدن ستحظر تيك توك تمهيدًا لحظر منصة X التي صارت مرتعًا لأقطاب اليمين ومنظّري المؤامرات.
مع غرابة المشهد في الولايات المتحدة، والسرعة التي وصل فيها مشروع القرار إلى مجلس الشيوخ، إلا أنّ ما حصل كان متوقعًا. مع بدء حرب الإبادة والتطهير العرقي التي تشنها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، برزت منصّتان سمحتا للعالم بمشاهدة آلة الموت الإسرائيلية وهي تسلب الحياة من القلوب. والكيان اليائس بعد فشل جيشه، بدأ الانتقام من الشباب الجامعي الأميركي ومن مستخدمي منصات التواصل بسبب وقوفهم مع فلسطين، فاستُدعي مالك منصة X، إيلون ماسك، إلى فلسطين المحتلة، ليعتذر ويركع لقادة الاحتلال ويعدهم بضرب المحتوى المناصر لفلسطين والحد من انتشاره.
وفي أثناء مقابلة له مع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو تحدّث الأخير عن مشكلة تعانيها نخب الجامعات الأميركية الغربية العريقة فشاهدنا بعد ذلك إقالة رئيسة جامعة «هارفارد» كلودين غاي وليز ماغيل من جامعة «بنسلفانيا» وسالي كورنبلوث من «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» (MIT). ثم بقي تيك توك، وهنا حصل تقاطع بين مصالح عمالقة منصات التواصل المنافسين له، وتقاطع مع مقتنصي الفرص في الدولة العميقة التي وجدت في مشروع القرار فرصة لتمرير بنود تسمح بتوسيع صلاحيات أجهزة السلطة ضد منصات التواصل. في النتيجة، وصل مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ، والعالم يراقب ماذا سيحصل.
نقلًا عن جريدة الأخبار- مع بعض التصرف
تواجه شركة آبل دعوى قضائية جماعية جديدة تتهمها بالإعلان عن جهاز شائع لديها بشكل مضلل
بث الشائعات والابتزاز الإلكتروني والسب والقذف والاعتداء على قيم المجتمع من خلال هذه الحسابات الوهمية
الغرامة التي أعلن عنها هي سابع أكبر غرامة يفرضها الاتحاد الأوروبي على الإطلاق
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال