مع تطوّر التكنولوجيا الرقمية وانتشار الهواتف الذكية؛ لم تعد وظائف الأجهزة الجوّالة تقتصر فقط على إجراء المكالمات أو إرسال الرسائل، بل تعدّتها إلى كونها أدوات قوية لجمع البيانات وتتبع الحركة والمواقع الجغرافية. تستخدم الأجهزة الذكية عدّة تقنيات متقدّمة لتتبّع المواقع، وتشمل بشكل أساسي خدمات تحديد المواقع العالمي (GPS)، مستشعرات الهاتف وأبراج الاتّصالات.
يعد نظام GPS من أهم الأدوات المستخدمة في تتبع الحركة عبر الهواتف الذكية. يُشغّل هذا النظام بشبكة من الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض وتوفر معلومات دقيقة عن الموقع بناءً على إشارات يتلقاها الجهاز. يستخدم النظام معلومات الموقع هذه لتوفير خدمات مثل الخرائط وتوجيهات الطرق وتحديد الأماكن.
كما وتزود الهواتف الذكية بمستشعرات متطورة تعمل على تحسين دقة تتبع ومراقبة حركة المستخدمين، بشكل كبير. من بين هذه المستشعرات، يبرز المقياس التسارعي (Accelerometer)، مقياس التسارع الخطي (Linear Acceleration)، والجيروسكوب (Gyroscope)، والتي تؤدي دورًا محوريًا في تحديد الحركة والاتّجاه. فـالمقياس التسارعي (Accelerometer) يقيس هذا التسارع الذي يعانيه الجهاز، بغضّ النظر عن الجاذبية.
هو يسمح بتحديد وضع الهاتف في الفضاء، ويستخدم لرصد الحركة مثل السير والجري أو ركوب الآليات. ويمكن استخدام بياناته لتقدير السرعة والمسافة التي قطعها الفرد؛ بينما مقياس التسارع الخطي (Linear Acceleration) يوفر بيانات عن التسارع بصفاء عالٍ بإزالة تأثير الجاذبية من القياسات. يساعد ذلك في تحليل حركات دقيقة وحسابات أكثر تعقيدًا مثل تغييرات السرعة أثناء التنقل.
أما مستشعر الجيروسكوب (Gyroscope) فهو يقيس التوجّه والدوران حول محاور متعددة، ما يتيح له فهم التغييرات في الاتّجاه والزوايا بدقة عالية. ويستخدم، بشكل رئيسي، لتحديد وضعية الهاتف وتوجهه، وهو مهم لتطبيقات تتطلب دقة كبيرة في الحركة مثل الألعاب أو الواقع المعزز.
هذه المستشعرات مجتمعة تعطي صورة شاملة عن نمط حياة الفرد وحركاته، وتستخدم في تطبيقات متنوعة من تحسين أنظمة الملاحة والخرائط إلى تطوير أنظمة للصحة واللياقة البدنية. توفر هذه المعلومات بيانات قيمة يمكن استخدامها في العديد من المجالات، ولكنها تتطلب أيضًا التعامل معها بمسؤولية لضمان احترام خصوصية المستخدمين.
كما تستخدم الهواتف الذكية شأنها شأن الهواتف المحمولة القديمة أيضًا إشارات أبراج الاتّصالات لتحديد الموقع. ويمكن للهاتف استخدام بيانات شبكة الاتصالات لتقدير الموقع بناءً على قربه من أبراج الاتّصال أو بعده؛ بينما توفر هذه التقنيات فوائد جمة، مثل تسهيل الوصول إلى الوجهات وتحسين خدمات الطوارئ، فإنها تطرح أيضًا تحديات كبيرة تتعلق بخصوصية الأفراد، ذلك لأن الهواتف الذكية والتطبيقات مثل Google Maps تخزن تاريخًا تفصيليًا لحركة المستخدم، ما يثير قلقًا بشأن كيفية استخدام هذه المعلومات ومن يمكنه الوصول إليها.
تُخزن البيانات التي تجمعها مستشعرات الهاتف ليس فقط على الجهاز نفسه، بل يجري أيضًا نقلها وتخزينها في سيرفرات الشركات التي توفر التطبيقات والخدمات. تستفيد الشركات من هذه البيانات لتقديم مجموعة واسعة من الخدمات، أبرزها الإعلانات المستهدفة. وتستخدم تطبيقات الوسائط الاجتماعية ومواقع الانترنت، معلومات الموقع لعرض إعلانات ترويجية للفنادق، المطاعم، والمعالم القريبة، ما يزيد من فرص الإقبال على هذه الخدمات بناءً على موقع المستخدم الجغرافي وتفضيلاته. وكون معظم إذا لم نقل كلّ هذه التطبيقات والخوادم والشركات التي تديرها تتمركز في الولايات المتحدة الأميركية وتخضع لقوانينها، فمن البديهي الاستنتاج أن هذه الشركات ستقدم لحكومتها كلّ هذه البيانات المتعلّقة بالأفراد والجماعات المصنفه في خانه العداء للولايات المتحدة.
استخدام بيانات الموقع الجغرافي في السياقات التجارية والأمنية أصبح شائعًا بشكل متزايد بفضل التطورات التكنولوجية. على سبيل المثال، في مجال التسويق المستهدف، تستخدم الشركات بيانات الموقع الجغرافي للعملاء لتقديم إعلانات مخصصة تعتمد على مواقع المستهلكين الجغرافية. فقد يتلقى مستخدمو الهواتف الذكية إعلانات لمطاعم أو محلات تجارية تقع ضمن نطاق محدّد من موقعهم الحالي، مما يزيد من فرص الشراء بناءً على القرب الجغرافي.
من جهة أخرى، في مجال الأمان العام، تُستخدم بيانات الموقع لتحسين استجابات الطوارئ وإدارة الكوارث. على سبيل المثال، خلال الأحداث الطارئة مثل الزلازل أو الفيضانات، يمكن للسلطات استخدام بيانات الموقع لتحديد أماكن تواجد الأشخاص المتضررين وسرعة توجيه المساعدات لهم. كما يمكن استخدام هذه البيانات لتحليل نماذج الحركة خلال الإخلاء لضمان توجيه الناس بشكل أكثر فعالية بعيدًا عن الخطر.
تبرز هذه الأمثلة الفائدة الكبيرة لاستخدام بيانات الموقع في تحسين حياة الأفراد والمجتمعات، ولكنها تحمل أيضًا تحديات خصوصية يجب معالجتها بشكل مسؤول.
يمكن للمستخدمين الاطلاع على البيانات التي تم جمعها عنهم بعدة طرائق. على سبيل المثال، في تطبيقات مثل Google Maps، يمكن للمستخدمين الوصول إلى "الجدول الزمني" الذي يظهر سجل حركتهم والأماكن التي زاروها. للوصول إلى هذه المعلومات، يمكن اتباع الخطوات الآتية:
1. افتح تطبيق Google Maps على هاتفك الذكي.
2. اضغط على صورة ملفك الشخصي أو الأيقونة الأولية لفتح القائمة.
3. اختر "الجدول الزمني والخصوصية".
4. تصفح الجدول الزمني لرؤية الأماكن التي قمت بزيارتها والمدة التي قضيتها هناك.
للحد من قدرة الهواتف الذكية والتطبيقات على جمع بيانات الحركة، يمكن للمستخدمين اتّخاذ عدة خطوات:
1. إعدادات غوغل ماب: يمكن الدخول إلى إعدادات الخرائط في غوغل ماب وإيقاف خدمة حفظ تاريخ التنقل وتفعيل المحو التقائي لسجل الحركة.
2. تعطيل خدمات الموقع: يمكن للمستخدمين إيقاف تشغيل خدمات الموقع بالكامل من إعدادات الهاتف لمنع التطبيقات من الوصول إلى بيانات الموقع.
3. إدارة أذونات التطبيق: تحقق من الإذونات التي منحتها لكل تطبيق وقم بتعديلها لتقييد الوصول إلى المعلومات الأساسية فقط.
4. استخدام وضع التصفح المتخفي: عند استخدام الخرائط أو التطبيقات الأخرى، يمكن استخدام وضع التصفح المتخفي لمنع تخزين البيانات أو تاريخ البحث.
5. مراجعة إعدادات الخصوصية بانتظام: تحقق بانتظام من إعدادات الخصوصية والأمان في حساباتك على الانترنت وقم بتحديثها لتلائم تفضيلاتك.
من خلال اتّخاذ هذه الإجراءات، يمكن للمستخدمين التحكم بشكل أكبر في البيانات التي يتم جمعها عنهم وحماية خصوصيتهم في عصر الرقمنة المتقدمة. ولكن ما يجب الالتفات إليه، هو أن هذه الإجراءات تخفف من عملية جمع البيانات ولكن لا تلغيها لأن جزءًا كبيرًا من سجل المستشعرات لا يمكن التحكم به، ولا يستبعد أن تحتفظ الشركات بنسخه من السجلات بعد أن تقوم أنت بحذفها.
مع تزايد استخدام الأجهزة الذكية في جمع البيانات وتتبع المواقع، من المهم أن يكون المستخدمون على دراية بكيفية عمل هذه التقنيات والآثار المترتبة عليها. من الضروري أيضًا أن توفر الشركات والمطورون إمكانات تحكم أفضل للمستخدمين في ما يتعلق ببياناتهم الشخصية لضمان حماية خصوصيتهم.
علي أبو الحسن/ موقع العهد الإلكتروني
كشفت دراسة جديدة عن أسلوب شائع في كتابة الرسائل النصية قد يؤثر سلبًا على كيفية إدراك الناس لصدق المرسل.
الصورة تساوي ألف كلمة، لكنك لا تحتاج إلى كتابة أي منها من أجل البحث على الإنترنت هذه الأيام،
أصبحت ثقة نحو 3 أرباع المستهلكين (72%) بالشركات أقل مقارنة بالعام 2023
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال