خاص/ موقع "أمان الأطفال"
دومًا يأخذنا الجدل بعيدًا عن حقيقة الواقع المرّ الذي كُشف عنه، منذ يومين في لبنان، أيّهما المسؤول: تطبيق "تيك توك" أم تدني أخلاق بعض النّاس إلى مستوى من الرذيلة التي تتسبّب بانهيار جيل كامل؟
مجموعة من الأشخاص، يبدو أنّهم يشكّلون عصابة منظّمة تمتهن تجارة الممنوعات واغتصاب الأطفال؛ وتبيّن أن أحدهم وأشهرهم الـtiktokers؛ يملك صالونًا لحلاقة شعر الرجال، حيث يجري استدراج أطفال، تتراوح أعمارهم بين عشر سنوات و12 سنة، بعد عمليّة ترغيب- يقال إنّ فتاة تقوم بها- ليصعد الطفل إلى إحدى الشقق فيجد أمامه رجلًا قد أعدّ العدة للقيام بجريمته البشعة، بالقوة والضرب والعنف والترهيب.
ما يثير الاستغراب أكثر، والأمر الذي كشف هذه الجرائم، أنّ أحد الأطفال الضحايا أخبر والديه بالأمر، وماذا تتوقع ردّ فعلهما؟!..قاما بضرب ولدهما وتحميله المسؤوليّة..! حقًا هو وحده من يتحمّل مسؤولية ما حدث معه؟!
هذا الصبيّ كان الحلقة الأساسيّة في الكشف عن هذه العصابة؛ والتي تقول القوى الأمنيّة إنّ التحقيقات ما تزال جارية؛ وقد بدأت فعليًا بعدما قدّم أهالي ثمانية أطفال ادّعاءً على رئيس العصابة، "وهناك 30 طفلًا أخرون تعرّضوا للاغتصاب". وذكرت المعلومات أنّ هذا "التيك توكر" يستغلّ شهرته عبر مواقع التواصل الاجتماعي بصفته حلاقًا لاستدراج الأطفال، فيتواصل معهم ويوهمهم بتصوير مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي، تحديدًا "تيك توك"، وهو يقصّ لهم شعرهم، وبعد تصوير المَشاهد في صالونه، يدعو الأطفال إلى حفلة في أحد الشاليهات، وهناك يقوم بالاعتداء عليهم".
المصادر الأمنية أشارت بدورها إلى أن القضية "كبيرة جدًا وخطرة"، وأن عدد الضحايا كبير، ولكن لا يوجد رقم محدّد؛ لأن الضحايا جميعهم من الأطفال والقصّر. وفي سياق متصل؛ كانت المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامّة قد أصدرت بيانًا، نهار الأربعاء الماضي، أوضحت فيه أنه جرى توقيف 6 أشخاص في بيروت وجبل لبنان والشمال لهم علاقة بهذه الجرائم، من بينهم 3 قُصَّر، هم ذائعو الصّيت على تطبيق" تيك توك"، وهم من جنسيّات لبنانيّة وسوريّة وتركيّة. ومنذ قليل- وفي أثناء كتابة هذا المقال- علم موقع محطة mtv أن القوى الأمنيّة التي تحقّق في قضيّة عصابة التيكتوكرز المتّهمين باغتصاب الأطفال والمراهقين أوقفت طبيب الأسنان (ع. ع.) بعد اعتراف شابّين باستدراجه لهما والاعتداء عليهما. هذا؛ وتتابع القوى الأمنيّة تحقيقاتها مع انكشاف المزيد من خيوط هذه الجرائم التي كانت تنفّذ.
تُضاف هذه الجريمة إلى سجل جرائم الابتزاز الإلكتروني بالدرجة الأولى، إضافة إلى كونها من الجرائم المعلوماتية التي ازدادت، بوتيرة ملحوظة في لبنان، نظرًا إلى ما يعيشه منذ سنوات من انهيار اقتصادي وتفلّت أمني، باتا عاملين أساسين في التفكك الأسري من ناحية، وفي لجوء عديمي الضمير إلى امتهان سلوكيّات تدرّ لهم المال والمتعة المحرّمة من أبسط الطرائق الملتوية والمنحرفة، غير عابئين بأثارها وانعكاساتها على أبناء مجتمعهم، وخصوصًا الأطفال والقصّر.
إثر الكشف عن هذه الجرائم، راح كثيرون يطالبون بحجب تطبيق "تيك توك"، وهناك من دعا إلى منع الأطفال نهائيًا من الوصول إلى وسائل التكنولوجيا، فماذا يفعل الأهل وذوي الأمر أمام هكذا الواقع المشوب بالمخاطر؟ فويلهم إن حرموا أطفالهم من تطوّرات عصر هم أبناؤه وجيله المستقبلي وبين تركهم ينفتحون عليه بكل ما فيه؟
الدكتور جمال مسلّماني؛ وهو الخبير في مجال الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، يجيب موقع "أمان الأطفال"، عن هذه التساؤلات المحيّرة، بأنّ ما يحصل في العالم الرقمي له نتائج مباشرة على أرض الواقع الذي يعيشه الأطفال خصوصًا، وليس صحيحًا أنّ هذا التطبيق أفضل من ذاك التطبيق؛ المسألة هي في غياب الأهل عن الحضور الفعلي حين يستخدم أولادهم هذا التطبيق أو ذاك...
إذًا؛ مع استخدام الأطفال لمنصات التواصل الاجتماعي الرقمية، يمكن لأهلهم وضع قواعد وحدود واضحة في كل ما يتعلق بالتطبيق نفسه، ونوع المحتوى الذي يشاهده الأطفال، وفي أي توقيت، وكم هي المدة المسموحة بها؟. أضف إلى ذلك كله، وهو الأهم هو ضرورة اعتماد الأهل التقنيات الأمنية في إعدادات الخصوصية وغيرها التي تحمي أطفالهم من التحرش أو الاستغلال وتعرض حياتهم لخطر، قد تنسحب أثاره عليهم على مدى الحياة..
وأمر أخير؛ لفت إليه الدكتور مسلماني، وهو ضرورة تسلّح الأهل بالوعي والمعرفة في كيفية احتواء ابنهم أو ابنتهم بحال كان ضحية لمثل تلك الجرائم. إذ إن تعاملهم الأول حين معرفتهم بالمشكلة سيكون لها الصدى الكبير عند ابنهم، سلبًا أو إيجابًا، فبيدهم وحدهم مساعدته في تجاوز هذه المحنة بأقل ضرر نفسي ممكن، بشكل لا يؤثر سلبًا على مستقبله، وبيدهم أن يحوّلوا حياته إلى جحيم، قد يدفعه حتى إلى الانتحار..
المسألة؛ في الحقيقة، هي أن هؤلاء المجرمين كانوا موجودين واقعًا، ودومًا في كل زمان ومكان، إنّما ما يختلف، اليوم، هو طبيعية الاستهداف وآلياته وأدواته، فثلما نربّي أطفالنا في الواقع الحقيقي على ألّا يتكلموا مع الغرباء وألّا يشربوا أو يأكلوا خارج المنزل، وأن يخبروا ذويهم فورًا عمّا يحدث معهم في كل يوم..علينا اتّباع الأمر نفسه في العالم الافتراضي؛ بل وبتشديد أكبر ومتابعة أكثر حرصًا..
لكن تبقى النقطة المحورية في هذه المتابعة؛ هو جسر الثقة والعلاقة بين الولد وأهله- مثلما قال الدكتور مسلماني- فلو أن أي طفل من هؤلاء الأطفال الثلاثين الذين تعرّضوا للاغتصاب، متوفر لديه هذا الإحساس بالثقة بأهله وعدم الخوف من ردّ فعلهم أو توبيخهم أو حتى تنمّرهم عليه لما لجأ إلى الخارج ليحصل على كلمة حبّ أو لمسة حنان وعطف وتفهّم..
نعم؛ المسؤولية في المستوى الأول، هي على هؤلاء الأهل المنشغلين عن أطفالهم، حيث يتركون لهم الحبل ممدودًا مع العالم الافتراضي، مع ما فيه من مخاطر، ليأتي اليوم الذي يحصدون فيه الندم والحسرة.. ولكن بعد فوات الآوان..
ما تزال الاتهامات تلاحق شركة "ميتا" لدورها في توسيع دائرة استغلال الأطفال جنسيًا وإعلاميًا
عصابة رقميّة تحترف الاعتداء على القصّر في لبنان
عصابة رقميّة تحترف الاعتداء على القصّر في لبنان
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال