في السنوات الأخيرة، شهد مجال الذكاء الاصطناعي تطوّرات هائلة، ليس فقط في قدرته على معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات، بل وفي استخدام هذه البيانات للتنبؤ بسلوكيات الأفراد والمجتمعات. هذا التقدم يفتح أبوابًا جديدة للفهم العميق للطبيعة البشرية والاجتماعية، ولكنه يثير أيضًا مجموعة من التحديات الأخلاقية والعملية.
قبل الخوض في تفاصيل استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسلوك، من المهم توضيح بعض المصطلحات الأساسية:
1- السلوك: يشير إلى أفعال وردود أفعال الأفراد أو المجموعات في مختلف السياقات. يشمل السلوك كلًّا من الأفعال الظاهرية والقرارات الداخلية التي تؤثر على كيفية تفاعل الشخص مع العالم المحيط.
2- تحليل السلوك: هو دراسة الأفعال وردود الأفعال لفهم أنماط السلوك وأسبابه. في سياق الذكاء الاصطناعي، يشير إلى استخدام تقنيات التعلم الآلي والتحليل الإحصائي لفهم وتفسير البيانات المتعلّقة بالسلوك البشري.
3- التنبؤ بالسلوك: هو استخدام المعلومات المستخلصة من تحليل السلوك لتوقع الأفعال أو القرارات المستقبلية للأفراد أو المجموعات. هذا يشمل كلّ شيء من توقع احتمالية شراء منتج معين إلى تقدير احتمالات ارتكاب جريمة.
الذكاء الاصطناعي يمكنه اليوم تحليل سلوكيات الأفراد من خلال مراقبة تفاعلاتهم على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، استخداماتهم للتطبيقات، حركة اتصالاتهم، دائرة معارفهم، تنقلاتهم وحتّى عبر كاميرات المراقبة العامة. أحد التطبيقات البارزة في هذا المجال هو "التنبؤ بالسلوك الجرمي"، حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي لتقييم احتمالية قيام الأفراد بأفعال معينة استنادًا إلى سلوكيات سابقة ومعطيات ديموغرافية محيطة.
يحلل الذكاء الاصطناعي السلوك ويتنبأ به عبر المرور بعدة خطوات، في الخطوة الأولى يتم جمع البيانات من مصادر متنوعة مثل الكاميرات، السجلات الإلكترونية، والأجهزة الاستشعارية والمصادر المفتوحة ثمّ معالجة هذه البيانات حيث تُنظف وتُعالج لإزالة الأخطاء والتكرارات ثمّ يتم تحليل البيانات حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي تقنيات مثل التعلم العميق لتحديد الأنماط والارتباطات داخل البيانات وصولًا لبناء نموذج التنبؤ بالسلوك بناء على الأنماط المكتشفة، حيث يقوم النظام بتوقع السلوكيات المستقبلية.
ومن الأمثلة والحالات العملية على ذلك هو عملية التنبؤ بالجريمة، إذ إنه في بعض المدن، تستخدم أقسام الشرطة برامج مثل "PredPol الذي يتم استخدامه في بعض المدن الأميركية والذي يقوم بتحليل بيانات الجرائم التاريخية والجغرافية لتوقع أنماط الجريمة. يستخدم النظام خوارزميات تعلم الآلة لتحديد الأنماط والعوامل التي قد تؤدي إلى وقوع جريمة معينة ويقترح الأوقات والمواقع التي يجب على الشرطة تركيز مواردها عليها، وكذلك تطبيقات تحليل السلوك الاستهلاكي حيث تستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستهلكين وتوقع الاتّجاهات، مما يسمح بتوجيه الإعلانات والعروض بشكل فعال.
علماء النفس يبدون قلقًا حول التأثيرات المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسلوك. إحدى القضايا الرئيسية هي خطر "التنبؤ الذاتي التحقق"، حيث قد يؤدي التنبؤ بسلوك معين إلى تدخلات تجعل هذا السلوك أكثر احتمالًا. علاوة على ذلك، هناك مخاوف تتعلق بالخصوصية والحكم الذاتي، إذ يمكن أن يؤدي التحليل الدقيق للبيانات الشخصية إلى تعديات على حقوق الفرد.
1- الوعي بأهمية بالبيانات: يجب على الأفراد أن يكونوا على دراية بالبيانات التي يشاركونها عبر الانترنت وفي الأماكن العامة وأن يكونوا على اطلاع على ما يجمع عنهم من بيانات بأشكال مختلفة وبالتالي تجنب مشاركة المعلومات الحساسة وحتّى العادية منها دون التأكد من وجود حماية كافية يمكن أن تقلل من فرص الوصول غير المصرح به إلى هذه البيانات.
2- استخدام تقنيات الخصوصية: تطبيقات التخفي مثل الشبكات الخاصة الافتراضية (VPNs)، برامج منع التعقب، والمتصفحات الموجهة نحو الخصوصية يمكن أن تساعد في حماية الهوية الرقمية والحد من جمع البيانات.
3- المطالبة بالشفافية والتنظيم: يمكن للمجتمعات المطالبة بقوانين وتنظيمات أقوى لضمان شفافية الشركات والحكومات في كيفية جمع واستخدام البيانات وبالتالي دعم القوانين التي تفرض إجراءات أمان صارمة وتوفر خيارات للأفراد للسيطرة على بياناتهم يمكن أن يساهم بشكل كبير في حماية الخصوصية.
4- التعليم والتوعية: تعزيز الوعي بمخاطر وفوائد التكنولوجيا يمكن أن يساعد الأفراد على اتّخاذ قرارات مستنيرة بشأن مشاركة بياناتهم وذلك من خلال الورش التعليمية، الندوات، والمواد التعليمية التي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في رفع مستوى الوعي العام.
في الختام، الذكاء الاصطناعي يقدم إمكانيات هائلة لفهم وتوقع السلوك البشري، ولكن استخدامه يتطلب نهجًا متوازنًا يحترم القيم الأخلاقية ويحمي حقوق الأفراد. النقاش حول هذه القضايا مهم لضمان أن نتّجه نحو مستقبل يستفيد من هذه التكنولوجيا بشكل إيجابي ومسؤول.
المصدر: موقع العهد الإخباري
شركتا أبل وغوغل تتلاعبان بالخيارات المقدمة لمستخدمي الهواتف المحمولة
ستمنح الشريحة الأشخاص المشلولين القدرة على استخدام الأجهزة الرقمية.
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال