العاطفة سرّ التواصل الأسريّ

العاطفة سرّ التواصل الأسريّ

- «قضيت عمري في خدمتكم، لتكونوا في أحسن حال، أليس هذا دليلًا كافيًا على حبّي لكم؟»، هكذا ردّت أمّ أحمد على ابنها الذي كان يعترض على تعاملها الجافّ معه.

- «جهودك مباركة يا أمّ أحمد، ولكن لا يُستدلّ على الحبّ بالمنطق والدليل العقليّ، بل هو أمر نستشعره ونلمس حرارته»!

لا شكّ في أنّ أغلب الآباء يحبّون أبناءهم، ويقدِّمون الكثير من التضحيات في سبيل تأمين مستقبل أفضل لهم. ولكن في خضمّ هذا كلّه، يترعرع الكثير من الأبناء في كنف بيت جدرانه باردة، يفتقر إلى دفء العاطفة. والوضع ليس بأفضل حال بين الزوجين نفسيهما أيضًا، حتّى أصبحنا نسمع بشكلٍ متزايد عن الطلاق العاطفيّ.

 

نطلّ في هذا المقال على أهميّة أن تخيّم الأجواء العاطفيّة على أسرنا.

العاطفة: بنيان الأسرة

تعدّ العواطف من العناصر الأساسيّة في تكوين الأسرة وتماسكها، إذ تلعب دورًا حيويًّا في بناء العلاقات القويّة بين أفرادها، وتعزيز الاتّصال والترابط والتفاهم المتبادل بينهم، ممّا يخلق التوافق والسلام الداخليّ داخل البيت.

تتنوّع أشكال العواطف المطلوبة وطرق التعبير عنها، ولكن ما نريد تسليط الضوء عليه هي العواطف بين الزوجين من جهة، وبينهما وبين أبنائهما من جهة أخرى.

أوّلًا: أهميّة إظهار العاطفة في العلاقات الزوجيّة

من الأهداف الرئيسة للزواج تحقيق الإشباع العاطفيّ للزوجين في إطار هذه العلاقة القائمة على المودّة والرحمة. ويعتبر السيّد الخامنئيّ دام ظله أنّ المحبّة بين الزوجين هي نوعٌ من الحبّ الإلهيّ، ويجب أن يعمل الزوجان على تعزيزها وتجنّب الأمور التي تؤدّي إلى تراجعها، كالعتب والنفور؛ فـ»الأساس في الزَّواج هو الحُبّ. هذه العلاقة الإنسانيّة قائمة على أساس المحبّة والارتباط العاطفيّ، أي لا بُدَّ للزوج والزوجة أن يتحابّا، وهذه المحبّة هي التي ستُسَهِّل تعايشهما مع بعضهما بعضًا» (1).

على أهميّة الأعباء التي ينهض بها الزوجان لتسيير أمور الأسرة، إلّا أنّ إظهار المحبّة والاهتمام وتودّد أحدهما إلى الآخر لا يقلّ أهميّة عن أيّ عمل يمكن أن يقوما به في سبيل مِنعة هذه العائلة واستمرارها.

ويمكننا أن نلخّص هذه الأهميّة بالنقاط الآتية:

1. تعزيز الثقة والاحترام: عندما يُظهر الشريكان العاطفة والاهتمام تجاه بعضهما بعضًا، يزيد ذلك من مستوى الثقة والاحترام بينهما، ممّا يساعد في بناء أساس قويّ للتفاهم والتعاون المتبادل.

2. تحسين التواصل: إنّ إظهار العواطف يسهّل عمليّة التواصل بين الشريكَين، بحيث يشعر كلّ منهما بأنّ ثمّة من هو مستعدّ للاستماع إليه ولفهمه وتفهّمه، وهذا يساهم في حلّ المشكلات وتجاوز التحدّيات بشكلٍ أفضل.

3. تعزيز الشعور بالراحة والأمان: عندما يعرف كلّ شريك أنّ الآخر يشاركه العواطف ويدعمه في اللحظات الصعبة، فإنّ ذلك يزيد من الشعور بالراحة والأمان.

4. تعزيز السعادة والرضى: تزيد العاطفة المتبادلة والإظهار المستمرّ للمشاعر الإيجابيّة من مستوى السعادة والرضى في العلاقة الزوجيّة، وتسهم في خلق بيئة إيجابيّة ومريحة لكلّ من الشريكَين.

5. تحفيز الرومانسيّة: إنّ إظهار العاطفة يحفّز زيادة المشاعر الرومانسيّة بين الشريكَين، ممّا يعزّز الحبّ والانسجام بينهما.

6. زيادة الرصيد العاطفيّ: لدى كلّ زوج تجاه الطرف الآخر، ممّا يساعدهما في تخطّي المشاكل بينهما ويسود التسامح.

7. التأثير الإيجابيّ على الأبناء: إنّ الأبناء الذين ينشؤون في أسرة يتبادل فيها الأبوان المشاعر ويعبّران عنها لبعضهما بعضًا، هم أكثر استقرارًا وقدرة على بناء علاقات زوجيّة مستقرّة في المستقبل.

 

ثانيًا: أهميّة إظهار العاطفة تجاه الأبناء

إنّ الدفء والمودّة اللذين يعبّر عنهما الآباء لأطفالهما، يؤدّيان إلى تعزيز عمليّة التواصل وتقريب المسافة بينهم، فضلًا عن نتائج إيجابيّة أخرى تنعكس على الأبناء مدى الحياة، منها:

1. الشعور بتقدير الذات.

2. تحسّن مستواهم الدراسيّ.

3. انخفاض نسب مشاكلهم النفسيّة والسلوكيّة.

4. إشباع حاجاتهم العاطفيّة.

5. التعبير عن الأفكار من دون خوف من الانتقاد.

6. الحؤول دون المخاطر المترتّبة على بحثهم عن الاهتمام في مكان آخر.

وقد ثبت أنّ ذلك كلّه من شأنه أن يساعد الدماغ على إنتاج الأوكسيتوسين أو «هرمون الحبّ»، ممّا يجعل الطفل يشعر بمزيد من المشاعر الإيجابيّة.

 

في المقابل، إنّ عدم إظهار الوالدين مشاعرهما للأولاد يعوق نموّهم السليم ويخلق الكثير من المشكلات لديهم، منها:

1. عدم تقديرهم لذاتهم.

2. العزلة.

3. العدوانيّة.

4. مناهضة المجتمع.

5. تراجع مستواهم الدراسيّ.

كما أنّه من الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الآباء والأمّهات، أنّهم يكتفون بإظهار العاطفة لأطفالهم عندما يكونون في سنّ صغيرة فقط، بينما في الواقع، يحتاج الأبناء إلى عاطفة ذويهم في مختلف مراحلهم العمريّة. كما يعتقد بعض الأهل أنّ تلبية كلّ طلبات الأبناء هو نوع من إظهار العاطفة والمحبّة، وهذا أيضًا اعتقاد خاطئ وسلوك سيؤدّي إلى خلل في شخصيّة الأبناء لاحقًا.

 

أشكال التعبير عن العاطفة

لا يكفي أن نحبّ، بل ينبغي أن يظهر هذا الحبّ في تصرّفاتنا. ومن أشكال التعبير عن العاطفة داخل الأسرة:

1. الاحتضان واللمس: يعدّ العناق والملامسة وسيلتين مهمّتين للتعبير عن العواطف الإيجابيّة. وإنّ عناق الأبوين لأبنائهما يُشعرهم بالأمان والدعم.

2. الاهتمام والاستماع: يمكن لأفراد الأسرة التعبير عن مشاعرهم تجاه بعضهم بعضًا من خلال الاهتمام بما يقوله أحدهم، والاستماع إليه جيّدًا، وإظهار التأثّر والتفهّم.

3. المؤازرة العاطفيّة: أي التعبير عن العواطف من خلال توفير الدعم والمؤازرة الحقيقيّة في الأوقات الصعبة أو المهمّة.

4. الإيماءات ولغة الجسد: يمكن أن تكون الإيماءات وتعابير الوجه ولغة الجسد عمومًا، وسيلةً فعّالة للتعبير عن المشاعر بدون استخدام الكلمات.

5. الأنشطة المشتركة: يستطيع أفراد الأسرة التعبير عن مشاعرهم من خلال المشاركة في الأنشطة المشتركة مثل الرياضة، أو الفنون، أو الألعاب.

6. التعبير اللفظيّ والكتابيّ: إنّ تكرار عبارات الحبّ والتقدير والثناء والتشجيع يعزّز الإشباع العاطفيّ لدى الأفراد. كما يمكن استخدام الكتابة كوسيلة للتعبير عن العواطف، سواء كان ذلك عبر الرسائل النصّيّة أو الإلكترونيّة، ولكنّه لا يُغني طبعًا عن التعبير اللفظيّ.

7. الاهتمام بالمناسبات الخاصّة: يمكن استغلال المناسبات الخاصّة مثل أعياد الميلاد، أو الذكرى السنويّة للزواج، أو ذكرى إنجازات مهمّة في حياة أفراد الأسرة، للتعبير عن الحبّ والاهتمام وشراء الهدايا.

8. الرأفة والتسامح: المطلوب أن يكون ثمّة رأفة في عمليّة تأديب الأولاد، فضلًا عن التسامح الحقيقيّ بين أفراد الأسرة الذي لا يُبقي مكانًا للغلّ في القلوب.

9. الحبّ بتساوٍ: من المهمّ الانتباه إلى إظهار المشاعر بشكلٍ متساوٍ بين أفراد الأسرة، وعدم التمييز بينهم حتّى لا يثير ذلك غيرة أيّ أحد.

 

الأجواء العاطفيّة سياج للأسرة

بناءً على ذلك، تنعكس العواطف والمشاعر الإيجابيّة مباشرةً على كامل أفراد الأسرة، وذلك من خلال:

1. بناء الثقة والأمان: عندما يشعر الأفراد بالقبول والدعم والمحبّة، يتكوّن لديهم شعور بالأمان النفسيّ والعاطفيّ، والذي يعدّ أساسًا للتفاهم والتعاطف، ويعزّز التواصل الصحيح، ويقلّل من حدوث الصراعات والخلافات.

2. تعزيز الارتباط العاطفيّ بين الأفراد: عندما يُظهر كلّ فرد اهتمامًا وعناية بالآخرين، فإنّهم يشعرون بالمحبّة والتقدير، فتقوى الروابط العاطفيّة بينهم، وتتعزّز الهويّة الأسريّة، ويشعر أفرادها بالانتماء والاندماج.

3. التعامل مع التحدّيات والضغوطات اليوميّة: عندما يشعر الأفراد بالدعم والتشجيع، يصبحون أكثر قدرة على التغلّب على المصاعب والتحدّيات بشكلٍ فعّال. كما أنّ العواطف الإيجابيّة تقلّل من مستوى التوتّر والقلق داخل البيت الواحد، ممّا يعزّز الاستقرار العاطفيّ والنفسيّ.

إنّ العمل على تعزيز حضور العاطفة في علاقاتنا الأسريّة، وتطوير وسائلنا في التعبير عنها، يستحقّان منّا بذل جهود خاصّة بغية تحقيق ذلك. ولنا في سيرة أهل البيت عليهم السلام أسوة حسنة، إذ كانت سيرتهم الشريفة عابقة بالحبّ والرفق واللين والعفو.

 

 

د. سحر مصطفى/ مجلة بقية الله

مواضيع مرتبطة

مراهقات في كوسوفو يشوّهن أنفسهن للمشاركة بتحدٍ على "تيك توك"

أفادت والدة إحدى الضحايا بأن أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم تسع سنوات شاركوا في التحدي بعد مشاهدتهم مقاطع فيديو على "تيك توك"

كيف يتكيف النساء والآطفال مع ظروف النزوح وتحدياته في لبنان؟

وسط الحال الأمنية والنفسية الصعبة للبنانيين، يبرز التأثير الأكبر على النساء والأطفال، خصوصًا مع توقف العام الدراسي للكثيرين منهم

تجارب الأمهات في تعزيز قدرة الأطفال على الصبر والتحمّل

يتعلّم الأطفال من القدوة، لذلك الصبر معهم هو إحدى الطرائق لتعليمهم هذه الصفة.

كلمات مفتاحية

ارشادات_أُسرية