أطفال لبنان صامدون.. كيف نحافظ على صحتهم النفسية خلال الحرب؟

أطفال لبنان صامدون.. كيف نحافظ على صحتهم النفسية خلال الحرب؟

"نعاين بعض حالات الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، ولكن أطفالنا يتميّزون بالمرونة والتكيف، والتجاوب مع الأزمات". 

عادة ما تصقل الأحداث الصعبة والتجارب المؤلمة شخصية الإنسان، ويبدأ هذا الأمر من طفولته. الحروب بشكل خاص لها تأثير ينطبع في مخيّلة الأطفال. 

أتتخيل أن تتبدل حياتك، وتخرج من منزلك الآمن الدافئ هربًا من عدو همجي لا يفرق بين صغير وكبير، أو أن تعيش في بيتك على مرأى ومسمع أصوات القصف وخرق جدار الصوت؟ هذا الوضع القسري يحدث ندوبًا نفسية واضطرابات عند الأطفال. وفي ظلّ العدوان الصهيوني على جنوب لبنان، والذي يتوسع يومًا بعد يوم، لا بدّ من الإشارة إلى الآثار والعواقب النفسية التي تتسبب بها هذه الحرب على الأطفال المعرضينن بشكل متزايد، لخطر المعاناة والمشكلات الصحية النفسية، علمًا أن العدوّ الغاشم يغفل أنه بعدوانه ينشئ جيلًا كاملًا مقاومًا، ويعرّف أطفال الجنوب الذين لم يشهدوا الحروب السابقة على همجيته، فغالبًا ما يعربون عن آمالهم بالالتحاق بالخط المقاوم، بأرواحهم الصغيرة التي تتعلم كيف تحارب المعتدي، ويلفتون أنظار العالم بصمودهم أمام الصواريخ، بالرغم من الخوف الذي قد يعتريهم، فهم ينتظرون بلوغهم سن الرشد ليحاربوا "إسرائيل" ويسقطوا طائرات جيش الاحتلال. 

"أطفالنا لديهم القدرة على الصمود، واستيعاب الوضع نتيجة التربية المقاومة"، يقول الاختصاصي في الطب النفسي عضو الهيئة التنفيذية في الجمعية اللبنانية للطب النفسي الدكتور فضل شحيمي، مضيفًا: "لا نخفي أننا سنعاين بعض حالات الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، ولكن أطفالنا يتميّزون بالمرونة والتكيف، والتجاوب مع الأزمات". 

يتحدث الدكتور شحيمي عن كيفية إبعاد الخوف عن الطفل في هذه الظروف، مشددًا في هذا السياق على أن بناء الصحة النفسية يبدأ في المراحل العمرية الأولى؛ فهذه المرحلة أساسية لتكوين نفسية الفرد. ويشير إلى ضرورة الانتباه إلى المؤشرات النفسية والعوارض التي تعبّر عن معاناة الأطفال النفسية، والتي قد تكون مباشرة وغير مباشرة، قائلًا: "لا تغفلوا عن الأمور البسيطة". 

يوضّح شحيمي أن الطفل قد يواجه اضطرابات في الكلام "التلعثم أو التأتأة"، وصعوبات تعليمية لم يكن يعانيها من قبل، إلى جانب الاضطرابات في النوم مثل الإصابة بالأرق أو الكوابيس والبكاء من أمور بسيطة، والتراجع في القدرات المكتسبة، والتغير في العادات، أو تقلبات المزاج. ويؤكد في هذا السياق أن اكتشاف الحال مبكرًا يساعد في العلاج بشكل أفضل، خاصة أن هذه السنين هي التي تحدد مستقبل الطفل.

"يجب أن يلتفت الأهل إلى مسألة العمر بالتعامل مع الموضوع"، بحسب شحيمي، إذ يجب أن يكتفي الوالدان بقول أجزاء صغيرة من الحقيقة للأطفال ما دون عمر السبع سنوات. وبعد هذه العمر يجب قول الحقيقة بما يتناسب وقدرة استيعاب الطفل، وإدراكه الجزئي للوضع. ويشدد هنا على ضرورة عدم الكذب، الذي يعدّ خطأ كبيرًا، فالكذب أو تضليل الطفل أو إعطاؤه الأمان المزيّف، سيجعله يفقد ثقته بالراشدين من حوله.

يحذر الطبيب النفسي من لغة جسد الأهل وتعابير وجههم، فأحيانًا قد يبدو عليهم الضيق أو الخوف، ما يتركُ أثرًا سلبيًا عليهم، ولو لم يقل الأهل كلمة واحدة، فالولد يتماهى مع ردّ فعل الأهل، خاصة الأم التي تتواجد مع أطفالها أكثر. في المقابل، لا ينكر شحيمي حق البالغين بالشعور بالخوف، ولكن المسؤولية الملقاة على عاتقهم تحتم عليهم ضبط انفعالهم وإظهار الشجاعة، فالطفل يعيش ويشعر بما يعيشه الأهل. ويقول شحيمي: "إن أحد العوامل الأساسية التي تسهم في زيادة الخوف هو انعدام المعرفة، ووظيفتنا نحن الراشدون هي الإجابة عن أسئلة الأطفال بصدق وتزويدهم بالحقائق، فالفهم من المتطلبات الأساسية لإعادة التوازن النفسي والذهني للطفل، وكثير من مخاوفنا تنبثق من أمور غير معروفة لنا، وهذا ما يجعل الأطفال حائرين، ولديهم العديد من التساؤلات".

شحيمي يؤكد أهمية عدم الاستخفاف بقلق الطفل وتوجيه الانتقادات، بل يجب إعطاء الطفل فرصة للتعبير عن مشاعره وانفعالاته بحرية تامة، واحترامها كما هي. فمشاعر الطفل المكتومة بداخله تسبّب له مشكلات نفسية قد تؤدي إلى تراكمات كبيرة في البنيوية النفسية لديه، مردفًا: "يجب أن يهيَّأ الطفل للأصوات القوية الناتجة عن القصف، والتي قد تصدر في أي لحظة، لذلك على الأهل القيام بدور أساسي والتأكد من مشاعر أطفالهم ومساعدتهم على الفهم".

يلفت بهذا الصدد إلى دور الأهل في احتضان أطفالهم، فالملامسة المباشرة مهمّة جدًا، لما تعطيه من شعور بالأمان. ووفقًا لشحيمي، بإمكان الأهل إلهاء الطفل عن مصدر الخوف، مثل المشاركة بالرسم واللعب ورواية القصص والحكايات، وغيرها من الأنشطة الكثيرة التي تساعد الطفل في التعبير والتواصل خلال الظروف الصعبة.

المصدر:  إيمان مصطفى/ موقع العهد الإلكتروني
 

مواضيع مرتبطة

إستراتيجيات لغرس قيم التسامح والاحترام عند الأطفال مبكرًا

اختاري العقاب المنساب للطفل، ولا تبالغي فيه لكي لا يرث الطفل حقدًا دفينًا على المجتمع من حوله وينعكس ذلك على تصرفاته،

التعليم في أوقات الحرب: شريان حياة وسط مخاطر محتملة

يتعرّض الأطفال في أثناء الحروب للصدمة، وقد لا يكونون متحفّزين للتعلّم، لذلك تدمج المدارس والبرامج التعليمية خدمات الدعم النفسي والاجتماعي

لماذا يتصرف الأطفال بشكل أفضل في وجود الأب؟

تأثير الأب على الطفل يفوق تأثير الأم بل يصل إلى حد تغيير سلوكهم بشكل ملحوظ