ساعات أمام الشاشة.. كيف تحمي طفلك من الإعلانات؟

ساعات أمام الشاشة.. كيف تحمي طفلك من الإعلانات؟

لا يوجد أي مسوّغ أخلاقي لتسويق أي منتج للأطفال...

يقضي الأطفال أوقاتًا طويلة أمام الشاشات، التلفاز ومنصات التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو والهاتف المحمول، وخلال هذه المدة تتلاعب بهم الإعلانات المتنوعة التي يقدمها المشاهير عن المشروبات السكرية والحبوب والوجبات السريعة والألعاب وغيرها، وتأثيرها الكبير الذي يبدو واضحًا أمام الآباء يمتد في الحقيقة ليؤثر في مستقبلهم أيضا، فكيف يمكن حماية الطفل من هذه الرسائل؟

خطورة الإعلانات على الأطفال

قبل بلوغ الطفل سن الـ12 يفتقر إلى القدرة على التفكير النقدي، ما يجعله يستقبل الإعلانات كأنها مصادر موثوقة. وبالنسبة إلى الأطفال في سن أصغر (نحو 4 سنوات) فإنهم غالبًا لا يدركون أنّ فاصلاً إعلانيًا قد قطع عرض الرسوم المتحركة المفضلة لديهم. إذ  يستغل المعلنون خصائص الأطفال النفسية مثل قدرتهم العالية على التخيل، ما يجعلهم يصدقون بسهولة أنّ منتجًا معينًا سيجلب لهم السعادة. هذا الاعتقاد يكون قويًا لدرجة أن الأطفال قد ينجحون أحيانًا في إقناع والديهم بشراء هذا المنتج أو ذاك لأنه سيجعلهم سعداء.

في هذا السياق، نحن أمام طرف يدرك تمامًا الخصائص النفسية للطرف الآخر، ويعرف كيف يشكّل قناعاته، في حين أن الطفل (الطرف الآخر) لا يمتلك الأدوات اللازمة لتحليل الرسالة الإعلانية سوى تصديقها بشكل كامل. 

تسلب الرسائل التجارية من الأطفال أفضل سنوات طفولتهم وتعلّمهم في سن مبكرة أن ملء الفراغ العاطفي يتحقق باستهلاك المزيد من المنتجات وتؤثر في مفاهيم عدة لديهم:

1.    مفهوم السعادة: ترسخ الإعلانات عند الأطفال مفهومًا للسعادة يرتبط بالاستهلاك والتخلص الفوري من الأشياء حين لا تحقق لهم السعادة. 
2.    حرمان الطفل من الخيال: حتى سن الثامنة تقريبًا يمزج الأطفال بين الخيال والواقع، ويرون أن كل ما يشاهدونه على الشاشة صحيحًا. لذلك؛ هم يقتنعون بأن الحذاء الرياضي المعلن عنه سيجعلهم مشهورين مثلا، ويبدأون التخيل. وما يحدث في الأغلب هو أن يوضح الآباء الحقيقة لكشف تلك الحيل الإعلانية، لكن لهذا سلبياته أيضا، إذ يحرم الطفل مبكرًا من العيش في عالم الخيال رغم أهميته في تطور نموه.
3.    الاستهلاكية: يميل الأطفال إلى اكتشاف ما هو متوقع منهم لنيل القبول وتجنب الرفض والشعور بالوحدة، وعندما يتعرضون لعدد كبير من الرسائل الإعلانية، ويصدقون أنها معلومات حقيقية فيتكيفون بسرعة مع المفاهيم والمعايير التي تتضمنها تلك الإعلانات، وأبرزها الاستهلاكية. 
4.    هوية الطفل: في هذا العمر المبكر ما يزال مفهوم الطفل عن العالم وعن نفسه يتشكل؛ فتأتي الإعلانات لتزرع لديه فكرة ما "يجب" أن يمتلكه ليكون مقبولًا اجتماعيًا، فيبدأ بربط هويته بما يمكنه توفيره واستهلاكه، فينغمس في عالم الاستهلاك متعلمًا تعويض بعض احتياجاته العاطفية بالمنتجات والخدمات. 
5.    السمنة: يعاني 35% من الأطفال في العالم مشكلات السمنة. وتعدّ الإعلانات أحد العوامل التي تسهم بدرجة كبيرة في تزايدها عند الأطفال بسبب ما ترسخه لديهم من نزعات استهلاكية، خاصة أنّ كثيرًا منها تتعلق بالأطعمة غير الصحية الغنية بالسكريات أو الملح أو الدهون.

مشكلات المراهقة

يواجه المراهقون مشكلة أخرى تتعلق بالوزن المثالي، فالإعلانات نفسها تسهم غالبًا في تشويه صورة الأشخاص الذين يعانون زيادة الوزن. وهكذا يرتبك الطفل بين إعلانات تشجع على تناول منتجات غير صحية تزيد الوزن وبين صورة مثالية تروّجها عن النحافة والوزن المثالي معيارًا للجمال والقبول الاجتماعي، فيصبح الطفل عرضة لاضطرابات الأكل.

الإعلانات.. جدل أخلاقي وتشريعي

وفقا لموقع "غارديان"، لا يوجد مسوّغ أخلاقي لتسويق أي منتج للأطفال. وهنا توضح سوزان لين، وهي مديرة حملة من أجل طفولة خالية من الإعلانات التجارية، أنه حتى الإعلانات التي تروج لطعام صحي تعلم الأطفال اختيار الطعام بناء على اختيارات المشاهير بدلًا من الاعتماد على المعلومات الغذائية المكتوبة على العبوة.

في المقابل، يرى بعضهم أنّ فعالية الإعلان تعتمد على نوعيته، في حين ترى لين أن الإعلان بحد ذاته يضر الطفل؛ لأنه يخاطب عواطفه، ما يرسّخ لديه فكرة الاختيار بناء على أسباب عاطفية. وهذا يضعف تفكير الطفل النقدي، ويدفعه إلى الشراء الاندفاعي؛ بينما يعتقد بعض الخبراء أن الإعلانات قد تكون وسيلة لتوعية الطفل وتنمية تفكيره النقدي. ويؤكد المعارضون مثل لين أن الطفل غير قادر أساسًا على فهم القصد التجاري من الإعلان حتى سن الـ12، لذلك ليس من الصائب الاعتماد على الطفل في حماية نفسه من تأثير الإعلانات.

في بعض الدول يُنظّم محتوى الإعلانات والمنتجات المعلن عنها بالقوانين واللوائح، ففي إنجلترا والولايات المتحدة وألمانيا والنرويج وبلجيكا والنمسا وكندا تخضع محتويات الإعلانات للرقابة، وتوصي جمعية علم النفس الأميركية (إيه بي إيه) بتقييد الإعلانات الموجهة إلى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 8 سنوات. في المقابل، تمنع دول مثل السويد والنرويج توجيه أي إعلان للأطفال دون سن الـ12. ففي السويد يحظر عرض الإعلانات التلفزيونية التي تستهدف الأطفال ممن تقل أعمارهم عن 12 عامًا قبل التاسعة مساء، كما يمنع استخدام الأطفال أو الحيوانات الأليفة في أي حملة إعلانية بصرف النظر عن المستهدف منها، لأنها تجذب انتباه الأطفال بشكل كبير.

هذا الجدال المستمر يعكس التعقيدات الأخلاقية والتشريعية المتعلقة بتسويق المنتجات للأطفال، ويبرز الحاجة المستمرة لمراجعة لسياسات لضمان حماية الأجيال الناشئة وتحديثها.

كيف يمكننا مواجهة ما يشاهده أطفالنا؟

لا تتيح القوانين والتشريعات، في كل الدول، مراقبة ما يتعرض له الأطفال؛ لذلك يبقى دور الآباء مهمًا في هذا الصدد. ويُنصح الآباء:

1.    التحدث مع الأطفال عما يشاهدونه ومحاولة مشاركتهم في تجربة المشاهدة، إذ تزيد معرفة الآباء مع انخراطهم مع الطفل في عالمه وتزيد إمكاناتهم في تعليمه، وفقًا للدليل الصادر عن وحدة مراجعة إعلانات الأطفال الأميركية (سي إيه آر يو) بالتعاون مع رابطة صناعة الألعاب "تي آي إيه". 
2.    بعد قضاء بعض الوقت مع أطفالك في المشاهدة ساعدهم ليعرفوا الفرق بين المحتوى العادي والإعلاني، وتحدث معهم عن المنتج الذي يستهدفه الإعلان، والشعور الذي يثيره فيهم، والمعلومات التي يقدمها، والطريقة التي استخدمها المسوقون لجذب انتباههم، مثل الألوان الزاهية.
3.    دع طفلك يشاركك بعض قرارات الشراء التي تتخذها بنفسك ليتعلم كيفية التفكير في هذا الصدد.
4.    شارك مخاوفك بشأن استهلاك بعض المنتجات أو الإعلانات الموجهة للأطفال مع الآباء الآخرين في محيط الطفل، في المدرسة ومع الأصدقاء.
5.    أرصد مع طفلك تلك المبالغات التي تستخدم في الترويج للمنتجات، كالقول مثلا إن مشروب الشوكولاتة الساخن سيجعل يومه سعيدًا.
6.    في إعلانات الأغذية تحديدا يتعلق الأمر بصحة الطفل، فمن المهم مناقشة ما إذا كان المنتج صحيًا أم لا، والتحدث بشأن العادات الغذائية التي تظهر في الإعلان.
7.    لتنمية مهارات تفكيره النقدية اطلب من طفلك أن يعرض بنفسه لعبة أو طعامًا يحبه، وتحدثا معًا عن أسلوبه في إعلانه وما إذا كان يستخدم حقيقة أم مبالغة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

مواضيع مرتبطة

ثلاث طرائق تضرّ بثقة الأطفال بأنفسهم... احذرها

تصحيح تصرفات الطفل باستمرار حتى مع نية مساعدته يعطي شعورًا بعدم الكفاءة 

مع توجه المدارس لـ"الدمج في التعليم".. كيف نعلّم الطفل تقبل الآخر؟

من الضروري دمج الطلبة من ذوي التحديات السلوكية وصعوبات التعلم لمساعدتهم في الاندماج 

هل صحيح عمل المراهقين في الإجازة الصيفية يفتح أمامهم طريق المستقبل.. ؟

هل العمل في الإجازة الصيفية هو درس حقيقي للمراهقين في كيفية التعامل مع الناس؟

كلمات مفتاحية

إرشادات