الألعاب الإلكترونية وسيلة لقولبة العقول لا للترفيه المعقول..!

لعبة "روبلوكس" ولعبة "Subway Surfers" إذا كان طفلك يلعب فيهما ..أوقفه فورًا,,,

 

خاص "موقع أمان الأطفال"/ د. جمال مسلماني

تطورت الألعاب الإلكترونية بشكل غير مسبوق، في العقود الأخيرة، فقد أصبحت جزءًا أساسيًا من حياة الأطفال والمراهقين في جميع أنحاء العالم. من ألعاب الفيديو البسيطة إلى البيئات الافتراضية المعقّدة. ومع ذلك، التوسّع في عالم الألعاب لم يكن دائمًا مصحوبًا بالتحقّق الدقيق لمحتوها وتأثيراتها النفسية والاجتماعية والدينية في نشأة الأطفال والمراهقين. وفي كثير من الأحيان؛ يترك خيار انتقاء الألعاب الإلكترونية للأطفال والمراهقين الصغار ليختاروا تمضية أوقات فراغهم من دون حسيبٍ أو رقيب! بينما شركات الألعاب الإلكترونية طوّرت خوارزمياتها للتعرف إلى اللاعبين وأعمارهم من خلال سلوكهم الفكري وأدائهم اللعبة كي يبثوا الإعلانات الترويجية التي تناسب فئاتهم العمرية، ومنها ما قد يخدم الأجندات الخفية لتمرير الإعلانات الترويجية "غير اللائقة" بطريقة إجبارية تمنع اللاعبين الصغار من تخطيها إلا بعد مشاهدتهم لها كاملةً، فضلًا عن منع اللاعبين من الانتقال من مستوى الى مستوى آخر من دون المرور "بالنفق المظلم"؛ والذي يحتوي على "القمامات الفكرية" بطريقة ناعمة.

في هذا المقال، سنناقش تأثير الألعاب الإلكترونية التي قد تروّج لأفكار وسلوكيات خطيرة مثل الشذوذ الجنسي، والعنف، والقتل، والانتحار. كما سنستعرض أيضًا بعض الأمثلة البارزة مثل لعبة "روبلوكس" مع توجيهات وارشادات لحماية الأطفال وتعزيز التوعية الرقمية لهم وللأهل والمدارس.

 

 

انتشار الألعاب الإلكترونية واستخدامها

وفقًا لدراسة نشرتها "Entertainment Software Association" (ESA)، 70% من الأطفال في الولايات المتحدة يلعبون ألعاب الفيديو، في المتوسط 13 ساعة في الأسبوع. وتتزايد هذه الأرقام في منطقة الشرق الأوسط أيضًا، حيث ارتفعت نسبة استخدام هذه الألعاب بين الأطفال بنسبة 25% خلال السنوات الخمس الأخيرة، ما يعكس الاعتماد المتزايد على سوق التسلية والترفيه الرقمي للشركات والمطوّرين، فضلًا عن المخترقين الذين يدأبون لمحاولة "حقن" الألعاب ببرمجيات ضارة تسمح لهم بالولوج "خفيةً" الى الأجهزة الإلكترونية المستخدمة واستغلال الأطفال والمراهقين لمآربهم الخاصة، مثل الابتزاز الإلكتروني والأخلاقي.

في تقريرها السنوي الثاني عن صناعة الألعاب؛ تحدثت "Newzoo"؛ الشركة الرائدة في مجال ألعاب الفيديو وبيانات اللاعبين، عن ما كان يلعبه الناس وينفقون عليه المال خلال العام 2023. ووفقًا لبياناتهم، فقد نما سوق ألعاب الحاسوب والمنصات ووصلت إيراداته إلى 93.5 مليار دولار في العام 2023. وقُدّر أن سوق الألعاب الإلكترونية العالمي سينمو ليصل إلى نحو 180 مليار دولار بحلول العام 2024، مع إقبال كبير من المراهقين والأطفال. وقد أثرت هذه الزيادة في الشعبية على كيفية تصميم الألعاب، ما يبرز الحاجة الماسة إلى مراجعة دقيقة للمحتوى المتاح. وإذا كان الجانب الاقتصادي يبدو طاغيًا عند النظر إلى صناعة الألعاب الإلكترونية في العالم وفي الإقليم حاليًا، إلا أنّ ثمة تنافسًا لا يقل احتدامًا في مجال الألعاب الإلكترونية عن التنافس الاقتصادي، ذلك التنافس يبدو أشدّ عمقًا وأبقى أثرًا ألا وهو "التنافس الثقافي".

تبدو الأدوار الثقافية للألعاب الإلكترونية منسجمة مع ذلك المفهوم الذي طوره أستاذ العلاقات الدولية الأميركي "جوزيف س. ناي"، في تسعينيّات القرن الماضي لمصطلح "القوة الناعمة". فقد رأى "ناي" أنّ القوة الناعمة في جانب منها "سلاح مؤثر يسعى إلى تحقيق الأهداف عن طريق الجاذبية بدلًا من الإرغام، وإنها في جوهرها قدرة أمة معينة على التأثير في أمم أخرى وتوجيه خياراتها العامة". ربما لم يتوقع جوزيف ناي أن الألعاب الإلكترونية، والتي لم تكن قد ازدهرت في تلك الحقبة التي طور فيها مفهومه للقوة الناعمة، ستكون أفضل تجسيد لفكرته، بل إنها تحولت بعد عقود عدة إلى ساحة لحروب "القوة الناعمة".

 

لعبة "روبلوكس Roblox" أنموذجًا:

طور ديفيد بازوكي وايريك كاسل لعبة "روبلوكس" في العام 2004، وأطلقت رسميًا نسختها الأولية في العام نفسه تحت اسم "dynablocks"، ثم عدّل اسمها في 2005 إلى "روبلوكس" وأطلقت صفحتها الرسمية في 2006. و"روبلوكس" هي منصة ألعاب عبر الإنترنت، توفّر بيئة تفاعلية تتيح للمستخدمين إنشاء ألعابهم الخاصة والتفاعل مع عوالم افتراضية متنوعة. مع أكثر من 200 مليون مستخدم نشط شهريًا، تُعدّ "روبلوكس" واحدة من أكثر المنصّات شعبية بين الأطفال والمراهقين. 

 

المخاطر المرتبطة بـ"روبلوكس"

•    الترويج للشذوذ الجنسي: يشير تقرير صادر عن "British Board of Film Classification" (BBFC) إلى أن بعض الألعاب التي أنشئت داخل "روبلوكس" تحتوي على محتوى يشير إلى ترويج الشذوذ الجنسي. على سبيل المثال، ظهرت ألعاب في المنصّة تتضمن مشاهد أو حوارات غير ملائمة للأطفال قد تؤثر على تصورهم للهوية الجنسية.
    العنف والقتل: بعض الألعاب في "روبلوكس" تحتوي على عناصر عنف وصور للقتل. على الرغم من أن اللعبة نفسها لا تروّج للعنف بشكل مباشر، لكن المحتوى الذي ينشئه المستخدمون قد يتضمن مشاهد عنف. الدراسات أظهرت أن التعرض للمحتوى العنيف يمكن أن يؤدي إلى تطوير سلوكيات عدوانية عند الأطفال، كما هو موضح في دراسة نشرتها "American Psychological Association" (APA).
•    الانتحار: أبلغ عن حالات استخدمت فيها الألعاب داخل "روبلوكس" لترويج أفكار الانتحار. على سبيل المثال، أبلغت تقارير إعلامية عن حالات انتحار مرتبطة بمحتوى مؤذٍ عُثر عليه داخل اللعبة. هذا الأمر يمثل قلقًا كبيرًا؛ فيمكن أن يتأثر الأطفال والمراهقون بهذه الرسائل السلبية.
ألعاب أخرى أكثر خطورة

 

لا يقتصر موضوع الترويج للشذوذ الجنسي على لعبة "روبلوكس" دون سواها، بل هناك ألعاب الكترونية عديدة تسبق لعبة "روبولكس" بأشواط عديدة في الترويج للشذوذ الجنسي. من هذه الألعاب، لعبة "Subway Surfers"  الأكثر شهرة في الهواتف والأجهزة المحمولة والتي تحولت إلى دعم كامل لــ"المثليين"، وقد صدرت العديد من التحذيرات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي من الخبراء المتخصصين التكنولوجيين والتربويين لحذف اللعبة عند الأطفال والشباب!

 

 

تشريعات وإجراءات

في لبنان، لمّا تُنفذ بعد تشريعات صارمة تنظم محتوى الألعاب الإلكترونية بشكل شامل. ففي السنوات الأخيرة، عملت بعض الهيئات والجمعيات الأهلية على رفع الوعي بهذه القضية. مع ذلك، القوانين الحالية لا تقدم حماية كافية ضد الألعاب التي تحتوي على محتوى غير مناسب، بما في ذلك الترويج للشذوذ الجنسي والعنف. لكن في العام 2022، قدمت وزارة الاتصالات اللبنانية اقتراحًا لمراجعة قوانين حماية الأطفال عبر الإنترنت وتحديثها، ولكنّها لمّا تنفذ بشكل كامل بعد. كما يظهر وجود جهود فردية من خبراء متخصصين في أمن المعلومات والأمن السيبراني ومن جمعيات تخصصية في القطاع الرقمي اللبناني التي تدعو إلى اقتراح وتطوير قوانين تنظيمية تحظر مثل هذه الألعاب.

لكن على سبيل المثال، في تركيا؛ أصدرت السلطات قوانين تتعلق بمنصات التواصل الاجتماعي والمحتوى الرقمي في البلاد، واتخذت مؤخرًا قرارًا جديدًا يتعلق بمنصّة ألعاب "روبلوكس" ففرضت محكمة تركية حظرًا عليها بعدما استندت إلى تحقيق أجراه المدعي العام في ولاية أضنة، على خلفية مخاوف بشأن المحتوى الذي ينتهك حقوق الأطفال عند استخدامهم للعبة الشهيرة. وفي مصر، تقدّم النائب محمود عصام موسى بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب موجّه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بشأن استخدام لعبة "subway" في دعم المثلية الجنسية، ونشر ثقافتها خلال الآونة الأخيرة ما يمثل خطورة على المجتمع المصري. وطالب النائب بحظر هذه اللعبة في مصر، إلى أن تزيل تلك الشعارات منها، وتصبح آمنة على الأطفال والشباب المصري. 

 

التوجيهات والإرشادات:

•    على صعيد الأهل:

    مراقبة المحتوى: يجب على الأهل استخدام أدوات الرقابة الأبوية المتاحة في الألعاب مثل "روبلوكس" لضمان حماية أطفالهم من المحتوى غير المناسب. يمكن تفعيل إعدادات الأمان وضبط المحتوى الذي يمكن الوصول إليه.
    التواصل المستمر: من الضروري أن يحافظ الأهل على حوار مفتوح مع أطفالهم حول الألعاب التي يلعبونها؛ فيجب أن يكون هناك مناقشات منتظمة حول المحتوى الذي يتعرضون له وكيفية التعامل مع أي مشكلات قد تنشأ.
    حذف الألعاب المشبوهة: المبادرة فورًا مناقشة أضرار اللعبة الى الأبناء وشرح أسباب الحذف والطلب منهم المبادرة بأنفسهم لحذفها أمام الأهل لإعطائهم الثقة بالمقام الأول ولتأكيد مبدأ الشراكة في الرقابة الأبوية والذاتية، وبحال "التمنّع" على الأهل حذفها من دون الاستسلام لبكاء أطفالهم. 

•    على صعيد المؤسسات التربوية:

o    التثقيف والتوعية الرقمية: ينبغي أن تتضمن المناهج الدراسية (الصفية وغيرالصفية) دروسًا عن الأمان الرقمي وكيفية التعامل مع المحتوى غير المناسب على الإنترنت. يشمل ذلك تعليم الطلاب كيفية التعرّف إلى المحتوى الضار والإبلاغ عنه إضافة الى عقد ندوات توعوية في المدارس والثانويات والجامعات من المتخصصين في هذا المجال.
    إشراك المجتمع: يمكن للمدارس تنظيم ورش عمل وندوات للأهل لتعريفهم بمخاطر الألعاب الإلكترونية وكيفية استخدام أدوات الرقابة الأبوية بشكل فعّال.


•    على صعيد الحكومة:
o    تشريع قوانين صارمة: تطوير قوانين تحظر الألعاب التي تحتوي على محتوى ضار أو التي تنتهك المعايير الأخلاقية وتروّج للشذوذ الجنسي وتفرض عقوبات صارمة عند انتهاك هذه القوانين.
o    مراقبة الألعاب وحجب السيئة منها: التعاون مع الشركات المزودة لخدمات الانترنت ISP’s لوضع معايير واضحة لمراقبة المحتوى وضمان الامتثال لها وتسهر على ضمان تطبيقها، ومنع استخدام الألعاب التي تنهتك المعايير الأخلاقية والسلوكية.
o    حملات إعلامية توعوية وطنية: عبر استخدام الوسائل الإعلامية لنشر مقالات وفيديوهات توضح مخاطر الألعاب وتقدم نصائح للأهل، وتنظيم حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على أهمية الرقابة الأبوية والتربية الرقمية.

 

في الختام، من الضروري توخي الحذر من المخاطر المحتملة التي قد تنطوي عليها بعض الألعاب؛ فيجب على الأهل والمدارس والحكومات العمل معًا لضمان بيئة آمنة وصحية للأطفال في أثناء لعبهم. يتطلب الأمر الوعي الرقمي المستمر، وتعاون جميع الأطراف المعنية لتحقيق التوازن بين الترفيه والحماية. وبتعزيز الوعي وتطبيق الاستراتيجيات المناسبة، يمكننا ضمان تجربة ألعاب إيجابية وآمنة للأطفال.

مواضيع مرتبطة

كلمات مفتاحية

ألعاب_إلكترونية