فوائد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية

فوائد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية

أصبحنا نعتمد اعتماداً كبيراً على الأجهزة الرقمية في جميع جوانب حياتنا في عصرنا الحالي، وظهرت الآثار السلبية لهذا الأمر علينا في جميع الأصعدة، فبتنا أكثر هشاشة نفسياً، وأقل مناعة جسدياً، وأكثر عزلة اجتماعياً، وأصبح التخلِّي نهائياً عن الأجهزة الرقمية أمراً شبه مستحيل في هذه الأيام؛ لأنَّ جميع معاملاتنا المصرفية، وتواصلاتنا الاجتماعية، وعلاقاتنا المهنية تتمُّ من خلالها، ولكن يجب علينا تقليل استخدام الأجهزة الرقمية؛ من أجل إيجاد توازن بين حاجتنا إليها، وتجنُّب آثارها السلبية، وسنستعرض في هذا المقال أهميَّة الاستخدام المعقول والمتوازن لهذه التقنيات، وفوائد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية.


أهم فوائد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية

يعود تقليل استخدام الأجهزة الرقمية بكثير من الفوائد على صحة الفرد النفسية والجسدية والعقلية، كما يعزز اندماجه في المجتمع، ويزيد من تقديره لذاته، وتظهر هذه الفوائد في الأمور الآتية:

أولاً: تحسين الصحة العقلية والنفسية

تشكل الأجهزة الرقمية جزءاً لا يتجزأ من روتيننا اليومي، من العمل والدراسة إلى التواصل والتسوُّق والترفيه، وهذا ما جعلها هامَّة جداً في حياتنا.
توجد عدة فوائد لتقليل استخدام الأجهزة الرقمية والتي تسهم في تحسين الصحة العقلية والنفسية، وهي:

1. تقليل التوتر والقلق:
تعد الأجهزة الرقمية مصدراً رئيساً للتوتر والقلق، فهي تحفز على المقارنة الاجتماعية، والشعور بالخوف من تفويت شيء ما "FOMO"، كما أن التعرض المستمر للشاشات قد يؤثر سلباً في جودة النوم.

2. تحسين التركيز والإنتاجية:
تشتت الأجهزة الرقمية انتباهنا باستمرار بالإشعارات والرسائل والمحتوى الجديد، وهذا يؤثر سلباً في قدرتنا على التركيز وإنجاز المهام.

3. تعزيز الشعور بالسعادة والرضى:
تشير الدراسات إلى أن قضاء كثير من الوقت على الأجهزة الرقمية يقلل من مستويات السعادة والرضى عن الحياة، بينما تساعد النشاطات غير الرقمية، مثل قضاء الوقت في الطبيعة أو التفاعل مع الآخرين، على تعزيز الشعور بالسعادة والرضى.


ثانياً: تحسين الصحة الجسدية

يعد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية لفترة من الوقت أو تقليلاً دائماً خياراً صحياً يُسهم في تحسين الصحة الجسدية بعدة طرائق هي:

1. تقليل آلام الرقبة والظهر:
يسبب الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات آلاماً في الرقبة والظهر، وتؤدي وضعية الجلوس السيئة إلى إجهاد العضلات والأربطة، ويساعد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية على زيادة الحركة والنشاط، وهذا يقلل من آلام الرقبة والظهر، ويحسن من وضعية الجلوس.

2. تحسين صحة العينين:
يسبب قضاء كثير من الوقت على الأجهزة الرقمية إجهاداً وجفافاً للعينين، كما أن التعرض للضوء الأزرق من الشاشات قد يؤثر سلباً في صحة العينين على الأمد الطويل، ويساعد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية على إراحة العينين وتقليل إجهادها، كما يحسِّن من صحة العينين ويقلل من خطر الإصابة بأمراض العيون، مثل "جفاف العين" و"متلازمة الرؤية الحاسوبية".

3. زيادة النشاط البدني:
تقلل الأجهزة الرقمية من الوقت المتاح للنشاط البدني، فنحن نقضي ساعات طويلة جالسين أمام الشاشات بدلاً من ممارسة الرياضة، أو قضاء الوقت في الهواء الطلق، ويساعد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية على توفير وقتنا للنشاط البدني، وهذا يحسِّن من صحة القلب والأوعية الدموية، ويقلل من خطر الإصابة بأمراض السمنة والسكري وأمراض القلب.

4. تحسين جودة النوم:
يؤثر التعرض للضوء الأزرق من الشاشات سلباً في جودة النوم، فهو يقلل من إفراز هرمون "الميلاتونين"؛ وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم، ويساعد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية قبل النوم على تحسين جودة النوم، والشعور بالراحة والاسترخاء، وهذا يحسن من الصحة الجسدية والعقلية.

5. تعزيز صحة الجهاز المناعي:
تشير بعض الأبحاث إلى أن قلة النوم والتوتر قد يضعفان الجهاز المناعي، فيصبح الجسم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، ويساعد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية على تحسين جودة النوم وتقليل التوتر، وهذا يعزز صحة الجهاز المناعي، ويقلل من خطر الإصابة بالأمراض.


ثالثاً: تعزيز العلاقات الاجتماعية

لا نستطيع إنكار حقيقة تحولنا إلى كائنات أكثر عزلة بعد أن أصبحت الأجهزة الرقمية بين أيدينا لفترة طويلة، وتعد منصات التواصل الاجتماعي من أكثر المواقع التي نهدر عليها أوقاتنا ونحن نستخدم الأجهزة الرقمية.


يكمن التأثير السلبي لهذه الأجهزة الرقمية في الأمور الآتية:

1. تقليل التواصل الحقيقي:
تقلل الأجهزة الرقمية من وقتنا للتواصل الحقيقي مع الآخرين، بينما يساعد قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء وجهاً لوجه على تعزيز العلاقات الاجتماعية، وبات اليوم مشهد العائلة أو الأصدقاء متجمعين معاً في مقهى أو منزل وكل منهم مشغول بهاتفه المحمول أمراً محبطاً، بعد أن كانت الصورة التقليدية لجلسات تملؤها الحميمية والدفء، وتتعالى منها أصوات النقاشات والضحك.

2. تقليل الحضور الذهني:
لا نكون حاضرين ذهنياً حضوراً كاملاً مع من حولنا عندما نكون مع أجهزتنا الرقمية، وهذا يحرمنا من التواصل الفعَّال، ولقد أدى هذا الأمر إلى كثير من المشكلات في التواصل بين الشركاء أو أفراد العائلة أو بين الأم وأطفالها، فيجيب الجميع عن الأسئلة باقتضاب، ودون أن ينظر في عيني الشخص الآخر، ويجيب دون تركيز أيضاً؛ من أجل اختصار المحادثة إلى أقصر وقت ممكن، ومن هنا برزت فوائد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية؛ وذلك من أجل التركيز على اللحظة الحالية، وتفعيل أثرها الإيجابي في تعزيز العلاقات الاجتماعية.

3. الحد من التعاطف والتفاهم:
تقلل الأجهزة الرقمية من قدرتنا على التعاطف مع الآخرين وفهم مشاعرهم، فنحن نتعامل في معظم الوقت مع دارات فاقدة للشعور، وهذا يبرز فوائد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية؛ كونه يعزز التواصل الحقيقي القادر على تنمية التعاطف والتفاهم.


رابعاً: زيادة الإبداع

يرتبط الإبداع بطريقة أو بأخرى بالتواصل المعزز مع الذات، فإذا نظرنا إلى سِيَر حياة العظماء نجد أنهم قد توصَّلوا إلى أكثر إبداعاتهم أهمية وهم يتأملون أو يتفكرون وحدهم، "نيوتن" - مثلاً - اكتشف الجاذبية بعد أن سقطت التفاحة على رأسه، ولو أنه كان يحمل هاتفاً محمولاً يومها ربما لم يكن ليشعر بسقوطها أصلاً، أو كان عد الأمر حادثاً مزعجاً عرضياً، وكانت البشرية قد حُرِمَت من هذا الاكتشاف العظيم.

تظهر فوائد تقليل استخدام الأجهزة الرقمية بوضوح على صعيد تعزيز الإبداع، فهي تعرقله من خلال الأمور الآتية:

1. الحد من التفكير العميق:
تشتت الأجهزة الرقمية انتباهنا باستمرار، وهذا يعوق قدرتنا على التفكير العميق والإبداعي، فكثيراً ما نكون نفكر في أمر هام، فنسمع فجأة إشعاراً من هاتفنا الذكي، فنتفقده وننسى أن نعود إلى أفكارنا، أو نتشتَّت وتنقطع سلسلة الأفكار.

2. سلب الوقت المخصَّص للتفكير:
قد لا نعي مقدار الوقت الذي نقضيه مع أجهزتنا الرقمية سواء للعمل أم للتسلية، وهذا يسرق منا الدقائق التي من المفترض أن نقضيها في التأمُّل والتمعُّن في تفاصيل الحياة والأحداث التي جرت معنا، وتكون الأجهزة الرقمية في مثل هذه الحالات أشبه بأداة تسويف وتأجيل لكلِّ هذه الأفكار؛ لذا يجب علينا تقليل استخدام الأجهزة الرقمية لنحصل على مزيد من الوقت للتفكير في أفكارنا ومشاعرنا، وإبداع حلول لها، أو كتابة النصوص، أو الاستماع للموسيقى.

3. تقليل التواصل مع الطبيعة:
قد يساعد قضاء الوقت في الطبيعة على تحفيز الإبداع، ولكننا في كثير من الأحيان نفضِّل استخدام الأجهزة على التأمل في تفاصيلها البديعة، لذا نُحرَم من الإبداع والتجدد ونتحول إلى نسخ مكررة من بعضنا.


خامساً: تقدير اللحظة الحالية

نلاحظ أننا نفقد التركيز على اللحظات الحالية مع تزايد استخدامنا للأجهزة الرقمية، فيشغلنا تصوير المناظر، أو التقاط "صور السيلفي"، أو الخروج في بث مباشر عن التمتع باللحظات الحالية حين نكون في نزهة ضمن أحضان الطبيعة، كذلك الأمر حين نستقبل عزيزاً في المطار، فنحن ننشغل بتوثيق اللحظة حتى لو لم نشأ مشاركتها، وعندما يتعلَّق الأمر بلحظات الموت أو الوداع ننشغل عن تقدير اللحظة الحالية بترهات كثيرة تفتحها أمامنا الأجهزة الرقمية؛ لذا فإن تقليل استخدام الأجهزة الرقمية من شأنه أن يجعلنا نعيش اللحظات الحالية بكل تفاصيلها.

إليك الطرائق التي تحد الأجهزة الرقمية فيها من تقديرنا للحظات الحاليَّة:

1. تشتيت الحضور الذهني:
تشتت الأجهزة الرقمية انتباهنا باستمرار، وهذا يعوق قدرتنا على الاستمتاع باللحظة الحالية، فأحياناً نكون في موقف معين، ولكن ذهننا في مكان آخر متعلق بالجهاز الرقمي.

2. فقدان الشعور بالامتنان:
سنصبح أكثر وعياً بالعالم من حولنا، وسنقدِّر الأشياء البسيطة في الحياة عند تقليل استخدام الأجهزة الرقمية.

3. عدم العيش ببساطة:
تساعدنا الأجهزة الرقمية على التواصل مع الآخرين من جميع أنحاء العالم، ولكنها قد تبعدنا عن الحياة البسيطة الطبيعية التي نحن موجودون فيها أصلاً، ولكننا فضلنا الانشغال عنها بعوالم موازية.


في الختام:
أصبحت الأجهزة الرقمية جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، وينطوي وجودها على كثير من الإيجابيات التي أتاحت التواصل وسهلت أمور الحياة، ولكن قسماً كبيراً منا قد انحرف في استخدامها عن الحدِّ المعقول، فتحول إلى كائن مشتت ومعزول وكليل العقل والجسد، ولأن التخلص من الأجهزة الرقمية ليس بالأمر السهل في هذا العصر؛ وجبَ علينا تفعيل العقل والمنطق في عملية الاستخدام؛ لكي نخلق توازناً يمكننا من مسايرة التكنولوجيا والحداثة والتطور، وعيش حياة طبيعية وصحية في الوقت ذاته.

 

 

المصدر: موقع نجاح نت