تحليل المشاعر البشرية: نحو فهم أعمق من خلال الذكاء الاصطناعي

تحليل المشاعر البشرية: نحو فهم أعمق من خلال الذكاء الاصطناعي

يعد تحليل المشاعر أو رصد الآراء (Sentiment Analysis) أحد أهم تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية (NLP)  التي تتيح لنا فهم المشاعر والتوجهات الكامنة وراء النصوص المكتوبة. سواء كان النص يمثل مراجعة لمنتج، تغريدة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو تعليقًا في منتدى، فإن تحليل المشاعر يقدم للشركات والباحثين أداة قوية لفهم الرأي العام وتحليل التجارب الإنسانية من خلال النصوص.

 

تحليل المشاعر يستخدم مزيجًا من تقنيات التعلم الآلي (ML) ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP) لتحليل النصوص وتحديد النغمة العاطفية الماثلة فيها. يتضمن هذا العمل مجموعة من الخطوات المهمة:

1- جمع البيانات:  يبدأ تحليل المشاعر بجمع البيانات النصية من مصادر متعددة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، مراجعات المنتجات، استطلاعات الرأي، والمقالات الإخبارية. يمكن استخدام برمجيات خاصة لجمع هذه البيانات تلقائيًا من الإنترنت أو عبر ما يعرف بـ Web scrapper.

2- معالجة البيانات: قبل أن يتمكن النموذج من تحليل النصوص، يجب معالجتها وتجهيزها. يشمل ذلك خطوات مثل تقسيم النص إلى أجزاء (Tokenization)، إزالة الكلمات التوقفية مثل "و"، "لكن"، وتحويل الكلمات إلى أشكالها الأساسية باستخدام التحليل الجذري أو الاشتقاقي (Stemming or Lemmatization).

3- استخراج الميزات: بعد تجهيز النص، يتم تحويله إلى تمثيلات رقمية باستخدام تقنيات مثل حقيبة الكلمات (Bag of Words)، التردد العكسي للمصطلحات  (TF-IDF)، أو تقنيات أكثر تعقيدًا مثل تمثيل الكلمات (Word Embeddings) التي تتيح للنموذج فهم العلاقات بين الكلمات ومعانيها.

4- تدريب النماذج: يتم تدريب النماذج على مجموعة بيانات موسومة، حيث تكون المشاعر معروفة مسبقًا. تُستخدم خوارزميات تعلم الآلة، مثل Logistic Regression ، SVM، والشبكات العصبية العميقة Deep Neural Networks  لتحليل النصوص وتصنيفها بناءً على المشاعر.

5- التنبؤ بالمشاعر: بعد تدريب النموذج، يتم استخدامه لتحليل النصوص الجديدة غير الموسومة (غير المصنفه) وتحديد المشاعر الكامنة فيها، سواء كانت إيجابية، سلبية، أو محايدة.

 

يمكن تصنيف تحليل المشاعر إلى عدة أنواع، حسب التفاصيل التي نود استخراجها من النص:

1- تحليل المشاعر الدقيق (Fine-grained Sentiment Analysis) 

يُستخدم لتحديد درجة الشعور بدقة، مثل تصنيف المشاعر إلى "إيجابية جدًا"، "إيجابية"، "محايدة"، "سلبية"، أو "سلبية جدًا". هذا النوع من التحليل مفيد في تقييمات المنتجات التي تستخدم نظام تقييم من 1 إلى 5 نجوم.

2- تحليل المشاعر بناءً على الجوانب  (Aspect-based Sentiment Analysis)

يركز هذا النوع على تحديد المشاعر المتعلقة بجوانب معينة من المنتج أو الخدمة. على سبيل المثال، في مراجعة هاتف ذكي، قد يكون النص إيجابيًا بخصوص أداء البطارية ولكنه سلبي بخصوص الكاميرا.

3- تحليل اكتشاف العواطف (Emotion Detection)  

يتجاوز هذا النوع تحليل المشاعر التقليدي ليشمل اكتشاف العواطف مثل الفرح، الغضب، الحزن، والدهشة. يستخدم هذا النوع من التحليل خوارزميات معقدة وقواميس لغوية متخصصة.

4- تحليل المشاعر متعدد اللغات

 

يُعتبر من التحديات الكبيرة، إذ يتطلب معالجة النصوص بلغات متعددة وتدريب النماذج على اختلافات اللغة واللهجات.

يستخدم تحليل المشاعر في مجموعة واسعة من التطبيقات التي تشمل مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تستخدم الشركات تحليل المشاعر لمراقبة المحادثات على وسائل التواصل الاجتماعي وفهم كيفية تفاعل الجمهور مع علاماته التجارية في الوقت الفعلي وفي تحليل مراجعات المنتجات إذ يساعد تحليل المشاعر الشركات على فهم آراء العملاء حول منتجاتهم والخدمات المقدمة، مما يمكنه من تحسين جوانب معينة بناءً على الملاحظات السلبية كما ويستخدام تحليل المشاعر لاستخراج المشاعر في الوقت الفعلي من تعليقات العملاء، مما يساعد على اتخاذ إجراءات سريعة لتحسين تجربة العملاء.

من خلال تحليل المشاعر، يمكن للشركات إدارة سمعتها عبر الإنترنت عن طريق تتبع الرأي العام والتفاعل مع المراجعات السلبية بطريقة استباقية، وقد برز مؤخراً استخدامه في مجال البحث السياسي وتحليل الحملات الدعائية إذ يستخدم تحليل المشاعر في تحليل الرأي العام حول السياسات أو الشخصيات السياسية، مما يساعد في تحسين إستراتيجيات الحملات الانتخابية.

 

رغم الفوائد الكبيرة التي يوفرها تحليل المشاعر، فإنه يواجه تحديات كبيرة وأهمها:

فهم السياق: فقد تكون بعض الكلمات إيجابية في سياق معين وسلبية في سياق آخر. على سبيل المثال، كلمة "بارد" قد تعني شيئًا إيجابيًا عندما تصف مشروبًا، ولكنها سلبية عندما تصف خدمة العملاء.

السخرية والتهكم: تعتبر السخرية واحدة من أكبر التحديات في تحليل المشاعر، حيث يصعب على النماذج فهم التعبيرات التي تعني عكس ما تظهر.

اللغات المتعددة: إذ يواجه تحليل المشاعر تحديات كبيرة في التعامل مع لغات متعددة، حيث تختلف التعبيرات والمعاني بين اللغات واللهجات.

تحليل المشاعر المختلطة: قد تحتوي بعض النصوص على مشاعر متناقضة، مما يجعل من الصعب تصنيفها بشكل دقيق.

 

التطورات التكنولوجية الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء (IoT) تلعب دورًا مهمًا في تحسين تحليل المشاعر. على سبيل المثال، يمكن للأجهزة المتصلة بالإنترنت تحليل المشاعر التي يعبر عنها المستخدمون عبر الصوت والصورة والفيديو، مما يوفر فهمًا أكثر شمولاً لكيفية تفاعل الناس مع التكنولوجيا. وهناك اتجاه متزايد لاستخدام تحليل المشاعر في مجالات غير تقليدية، مثل الرعاية الصحية حيث يتم استخدام تحليل المشاعر لمراقبة الحالة النفسية للمرضى من خلال تحليل النصوص التي يكتبونها أو المحادثات التي يجرونها مع مقدمي الرعاية الصحية وفي مجال التعليم يمكن استخدام تحليل المشاعر لفهم استجابة الطلاب للمحتوى التعليمي أو التعليقات على أداء المعلمين، مما يساعد في تحسين التجربة التعليمية وفي مجال الرياضة يتم استخدام تحليل المشاعر لتحليل ردود فعل الجمهور على المباريات أو أداء الفرق، مما يمكن أن يساعد الفرق الرياضية في تحسين إستراتيجياتهم.

مع تزايد استخدام تحليل المشاعر، تظهر تحديات أخلاقية تتعلق بالخصوصية واستخدام البيانات. من المهم للشركات أن تكون شفافة حول كيفية استخدام البيانات وأن تضمن حماية خصوصية المستخدمين.

هذا، ويمكن دمج تحليل المشاعر مع التحليل التنبؤي (Predictive Analytics) للتنبؤ بالسلوك البشري أو بكيفية تطور المشاعر العامة تجاه علامة تجارية أو قضية معينة في المستقبل. يمكن لهذه التوقعات أن تساعد الشركات على اتخاذ إجراءات استباقية للتعامل مع التغيرات في مشاعر العملاء.

تحليل المشاعر يتأثر بشكل كبير بالسياق الثقافي واللغوي. الكلمات والتعابير قد تحمل معاني مختلفة بناءً على الثقافة أو اللغة، مما يجعل من الضروري تكييف النماذج المستخدمة مع هذه الفروقات لضمان دقة النتائج.

في العالم الرقمي الحالي، تتولد المشاعر من مجموعة متنوعة من المصادر مثل النصوص، الصور، الفيديوهات، والتفاعل الصوتي. يمكن لتحليل المشاعر المتقدم دمج البيانات من هذه المصادر المختلفة للحصول على رؤية أكثر شمولاً وتحليلاً دقيقاً للمشاعر. مع تزايد الحاجة إلى الاستجابة الفورية للتغيرات في مشاعر الجمهور، يتم استخدام تحليل المشاعر في الوقت الفعلي لتوفير معلومات فورية تتيح للشركات التفاعل بسرعة مع الأحداث المتغيرة. ومع مرور الوقت، يصبح من الضروري تحسين وتحديث نماذج تحليل المشاعر باستمرار لمواكبة التغيرات في اللغة والاتجاهات الثقافية، وضمان استمرارية الدقة في التحليل.

تحليل المشاعر أداة قوية توفر للشركات والمحللين فهمًا عميقًا لمشاعر الجمهور وآرائهم. من خلال استخدام هذه الأداة، يمكن للشركات تحسين منتجاتها، تعزيز تجربة العملاء، وإدارة سمعتها بشكل فعال. ومع استمرار تطور التكنولوجيا، سيصبح تحليل المشاعر أكثر دقة وشمولية، مما سيمكن من فهم أعمق للتفاعلات البشرية والقرارات المستندة إلى البيانات.

 


المصدر: موقع العهد الإخباري