أن تعلّم طفلك كيف يتعامل مع العالم الرقمي هو الأسلوب الأفضل كي يتكيّف مع تطورات العالم..

خاص موقع "أمان الأطفال"/ د. جمال مسلماني

مع اقتراب موسم المدارس، يصبح ضروريًا أن يتخذ الأهل خطوات استباقية لضمان كي يستعدّ أطفالهم جيدًا للعودة إلى المدرسة، ليس فقط من الناحية الأكاديمية ولكن أيضًا من ناحية التفاعل الرقمي وإدارة "الشاشة" الإلكترونيّة. بعد أن أضحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال، خاصة في عصرنا الرقمي وتنامي ثورة الذكاء الاصطناعي وألعاب الفيديو وغيرها، يتطلّب من الأهل أن يكونوا على دراية تامة بكيفية إدارة استخدام أطفالهم وأولادهم للتكنولوجيا بطريقة صحية وسليمة وفعالة. 

في هذا الدليل الإرشادي، سنتناول أهمية التوعية والتثقيف الرقمي للأطفال والصغار وكيفية إدارة استخدام التكنولوجيا بشكل فعّال، مع تقديم نصائح عملية تساعد الأهل في تحقيق ذلك.

الثورة الرقمية وتحدياتها

لقد تحوّلت التكنولوجيا من مجرد أداة مساعدة إلى جزء أساسي من حياتنا اليومية، حيث توفر وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونيّة والأجهزة الذكية طرقًا جديدة للتعلم والتفاعل. ومع ذلك، تأتي هذه الفوائد مصحوبة بمجموعة من التحديات والمخاطر، خاصة للأطفال في مرحلة النموّ والنشأة والمراهقة. مع اقتراب موسم المدارس، يكون الوقت مناسبًا لتذكير الأطفال والصغار بأهمية التعامل مع التكنولوجيا بشكل مسؤول وضمان سلامة تجاربهم الرقمية إيجابية وبنّاءة.

أولاً: التثقيف الرقمي للأطفال، لماذا هو ضروري؟

•    فهم المخاطر الرقمية: كلّنا يعلم أن الإنترنت ليس مكانًا خاليًا من المخاطر؛ إذ يمكن أن يتعرض الأطفال لمحتوى غير مناسب، مثل التنمر الإلكتروني أو لمحاولات احتيال أو ابتزاز وغيرها. لذلك، يجب على الأهل أن يشرحوا لأطفالهم المخاطر المحتملة بطرائق تناسب أعمارهم، ويجب أن يتعلّم الأطفال كيفية التعرف إلى "الخطوط الحمراء" لمثل هذه المخاطر وكيفية التصرف معها إذا واجهوا موقفًا أو تحدّيًا غير أخلاقي أو غير مريح لهم.

•    التفاعل الإيجابي مع التكنولوجيا: يساعد التثقيف الرقمي الأطفال في استخدام التكنولوجيا إيجابيًا، ويمكن أن يكون الإنترنت مصدرًا غنيًا للمعلومات والتعليم. ويجب أن يتعلّم الأطفال كيفية الإفادة من هذه الموارد بطريقة منتجة. كما يساعد التثقيف الرقمي الأطفال في تطوير مهارات التفكير النقدي والبحث عن مصادر معلومات موثوقة.

•    تنمية الوعي بالخصوصية: يجب أن يفهم الأطفال أهمية حماية معلوماتهم الشخصية وحمايتها من الوصول غير المصرحّ به. ويجب أن يعرفوا كيف يحافظون على أمان كلمات المرور، وكيفية التعرف إلى الطلبات المشبوهة التي قد تطلب معلومات شخصية.

ثانياً: كيفية إدارة وقت استخدام التكنولوجيا بفعالية

•    تحديد أوقات استخدام محددة: يجب على الأهل وضع قواعد واضحة بشأن متى يمكن للأطفال استخدام التكنولوجيا. على سبيل المثال، يمكن تحديد أوقات معينة لاستخدام الأجهزة مثل بعد الانتهاء من الواجبات المنزلية أو خلال العطلات الأسبوعية. من المفيد أيضًا تحديد أوقات لا يُسمح فيها باستخدام التكنولوجيا، مثل أثناء تناول وجبات الطعام أو قبل النوم.

•    مراقبة الجودة وليس الكمية: بدلاً من التركيز فقط على مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال على الأجهزة، يجب النظر في جودة هذا الوقت. هل يستخدم الأطفال وقتهم في ألعاب تعليمية أم أنهم يستهلكون وقتهم في ألعاب ترفيهية قد تؤثر على تحصيلهم الدراسي؟ تقويم نوعية الاستخدام يمكن أن يساعد في تحديد ما إذا كان ينبغي تعديل وقت الشاشة أو الأنشطة المسموح بها.

•    إدماج الأنشطة غير الرقمية: من المهم تشجيع الأطفال على ممارسة أنشطة بديلة عن التكنولوجيا. يمكن أن تشمل هذه الأنشطة القراءة والرياضة أو الأنشطة الإبداعية؛ مثل الرسم أو الموسيقىـ، لأن إدماج هذه الأنشطة في روتين الأطفال يعزّز التوازن بين النشاط الرقمي والنشاط البدني والعقلي.

•    تقديم نموذج إيجابي: ممّا لا شك فيه أن الأطفال يتعلمون الكثير من خلال تقليد سلوك الكبار. إذا كان الأهل يلتزمون بقواعد محددة في استخدام التكنولوجيا ويظهرون نمط حياة متوازن، فمن المرجّح أن يتّبع الأطفال السلوك نفسه؛ فيجب على الأهل أن يكونوا قدوةً في كيفية استخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول ومتوازن.

ثالثاً: استراتيجيات فعالة للتحدث مع الأطفال عن التكنولوجيا

•    الحوار المفتوح: من الضروري أن يتحدث الأهل مع أطفالهم، بشكل منتظم، عن استخدام التكنولوجيا والتجارب التي يمرون فيها. ويجب أن يكون الحوار مفتوحًا وصريحًا، ما يسمح للأطفال بالتعبير عن مخاوفهم واستفساراتهم، من دون أي قلق أو خوف من تهديدات الأهل لهم.

•    تقديم المعلومات بطريقة مبسطة: يجب أن تكون المعلومات التي تُقدم للأطفال عن الأمان الرقمي مناسبة لأعمارهم؛ فيمكن استخدام أمثلة ومواقف من حياتهم اليومية لجعل المعلومات أكثر فهمًا وقربًا إليهم.

•    تشجيع على طرح الأسئلة: ينبغي تشجيع الأطفال على طرح الأسئلة حول ما يرونه أو يختبرونه على الإنترنت. يساعد ذلك في بناء الثقة بين الأهل والأطفال، ويشجعهم على البحث عن مساعدة عندما يحتاجون إليها.

•    إعداد الأطفال لمواقف صعبة: يجب أن يكون الأطفال مستعدين لمواجهة المواقف الصعبة عبر الإنترنت، مثل التنمّر أو المحتوى غير المناسب أو الاحتيال او الابتزاز وغيرها. هنا، يمكن تقديم استراتيجيات للتعامل مع هذه المواقف، مثل الإبلاغ عن المشكلات إلى البالغين أو استخدام أدوات الإبلاغ التي قد تكون متاحة على المنصات الإلكترونيّة أو مراجعة الخبراء المتخصصين في هذا المجال من دون أي خجل أو تردد.

رابعاً: استخدام التكنولوجيا أداةً تعليمية

•    اختيار التطبيقات والبرامج التعليمية: يمكن أن تكون هناك فوائد كبيرة لاستخدام التكنولوجيا كأداة تعليمية؛ حيث يمكن للأهل اختيار التطبيقات والبرامج التي تدعم التعلم وتنمية المهارات الجديدة، ولكن يجب التأكد من أن المحتوى التعليمي يناسب أعمار أطفالهم ويعزز مهاراتهم الأكاديمية.

•    التوازن بين التعليم والترفيه: يجب على الأهل التأكد من أن الأطفال يحصلون على توازن مناسب بين الوقت المخصص للتعليم والترفيه؛ فمن المهم تجنّب الإفراط في استخدام التطبيقات التعليمية على جانب الاستمتاع بالأنشطة الترفيهية.

•    تشجيع مشاريع تكنولوجية إبداعية: يمكن للأطفال الإفادة من التكنولوجيا في مشاريع إبداعية؛ مثل إنشاء مقاطع الفيديو أو صوتية أو تطوير المشاريع الفنية خاصة مع وجود أدوات مجانية وبسيطة باستخدام الذكاء الاصطناعي. هذه الأنشطة تعزز التفكير الإبداعي وتساعد الأطفال في استخدام التكنولوجيا بطرائق مفيدة ومبتكرة.

خامساً: التعامل مع المشكلات الرقمية بشكل فعال

•    إعداد خطة للتعامل مع المشكلات: يجب أن يكون عند الأهل خطة واضحة للتعامل مع المشكلات الرقمية؛ مثل فقدان الوصول إلى حسابات الأطفال أو تعرضهم لمحتوى غير مناسب. لذلك، معرفة كيفية التعامل مع هذه المشكلات يمكن أن يساعد في الحفاظ على أمان الأطفال الرقمي.

•    التعاون مع المدارس والمجتمع: يمكن أن يكون التعاون مع المدارس والمجتمع المتخصص في التكنولوجيا والإرشاد الرقمي والسلوكي مفيدًا في تعزيز التوعية الرقمية. ويمكن للأهل المشاركة في ورش العمل والندوات التي تتناول الأمان الرقمي وتبادل الخبرات مع أولياء الأمور الآخرين.

•    البقاء على اطلاع على الاتجاهات الرقمية الجديدة: مع تطور التكنولوجيا، قد تظهر تطبيقات ومنصات جديدة تؤثر في كيفية تفاعل الأطفال مع الإنترنت؛ فمن المهم أن يبقى الأهل على اطلاع دائم على هذه الاتجاهات لضمان تقديم التوجيه المناسب للأطفال. وهنا ننصح بمتابعة دائمة ومستمرة لموقع "أمان كيدز" الذي يوفر منصة رقمية توعوية تكنولوجية للأهالي والأطفال، على حد سواء.

سادساً: تقويم وتحسين استراتيجيات إدارة التكنولوجيا

•    مراجعة دورية للسياسات: من الضروري أن يقوم الأهل بمراجعة دورية لسياسات استخدام التكنولوجيا وتحديثها بحسب الحاجة. يمكن أن يساعد هذا في ضمان بقائها ملائمة وفعالة في التعامل مع التحديات الرقمية المتغيرة.

•    التكيف مع الاحتياجات الفردية: يجب أن تعدّل استراتيجيات إدارة التكنولوجيا لتلبية الاحتياجات الفردية لكل طفل. إذ قد تختلف احتياجات كل طفل بحسب عمره وتطوره ومستوى نضجه، لذلك يجب أن تكون الاستراتيجيات مرنة وقابلة للتكيف.

•    جمع الملاحظات والتعلم من التجارب: من المفيد جمع الملاحظات من الأطفال عن كيفية تأثير استراتيجيات إدارة التكنولوجيا عليهم. ويمكن أن تساعد هذه الملاحظات في تحسين الأساليب وتقديم دعم أفضل للأطفال في استخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول.

في النهاية، تعدّ التوعية والتثقيف الرقمي جزءًا حيويًا من عملية الاستعداد لموسم المدارس. ومن خلال إعداد الأطفال بشكل جيد للتعامل مع التحديات الرقمية وتوفير إدارة فعالة لاستخدام التكنولوجيا، يمكن للأهل ضمان أن تكون تجارب أطفالهم عبر الإنترنت إيجابية وبناءة. واتباع الأهل للنصائح والإرشادات المقدمة، يمكن لهم تحقيق توازن صحي بين الفوائد الرقمية والمخاطر المحتملة، ما يسهم في تطوير أطفال قادرين على التعامل مع العالم الرقمي بثقة وأمان. وبالوعي والتخطيط الجيد، يمكن أيضًا للأهل أن يوفروا بيئة رقمية آمنة وملهمة لأطفالهم، ما يساعدهم في النجاح في مسيرتهم التعليمية وحياتهم اليومية.