مع توجه المدارس لـ"الدمج في التعليم".. كيف نعلّم الطفل تقبل الآخر؟

مع توجه المدارس لـ

من الضروري دمج الطلبة من ذوي التحديات السلوكية وصعوبات التعلم لمساعدتهم في الاندماج 

تذكر منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، على موقعها الرسمي، أنّ في العالم ما يقدر بنحو 240 مليون طفل ذوي احتياجات خاصة، مشيرة إلى أنّ هؤلاء الأطفال كغيرهم من الصغار، لديهم طموحاتهم ويمتلكون أحلامًا لمستقبلهم.

تشير دراسة، أجرتها إحدى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، إلى أن الأنظمة التعليمية بالمجمل تعتمد نهجًا عنصريًا باتجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، مما يحرمهم من حقوق التعليم، حيث يستبعد بعض التلاميذ بسبب الإعاقة، في حين يُرسل آخرون إلى مدارس خاصة لمعالجة إعاقة معينة، وعادة ما يكون ذلك في إطار نظام تعليمي خاص يفصلهم عن غيرهم من التلاميذ.

ما الدمج في التعليم؟

للحد من التمييز ضد ذوي الاحتياجات الخاصة، ظهر مفهوم الدمج في التعليم، والذي يُعَد من المفاهيم الحديثة والمهمة في العصر الحالي. ويسعى لتحقيق التعليم الشامل والمتكامل لجميع الطلبة من دون استثناء. ويعني الدمج في التعليم إدخال الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة في نظام التعليم العام مع الطلبة العاديين، على أن يوفر لهم الدعم والخدمات اللازمة لتمكينهم من تحقيق أقصى إمكاناتهم التعليمية، وفقًا لما قدّمته "اليونيسيف".

أهمية التشخيص المبكر

لكن قبل إدماج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في برامج الدمج التعليمي، لا بد من تشخيصهم بشكل مبكر. ويقول مستشار التربية الخاصة والتوحد الدكتور أيمن البلشة إنّ الآونة الأخيرة: "تشهد تطورًا واضحًا في مجال التعرّف والتشخيص المبكر لمعظم حالات الأطفال الذين لديهم تحديات سلوكية وصعوبات تعلم نمائية وأكاديمية، حيث يمكن التعرف إليهم وتحديد السمات والخصائص السلوكية والتربوية لهم في أعمار مبكرة، خاصة في مرحلة رياض الأطفال والمراحل الأساسية الابتدائية، وذلك من خلال مقاييس واختبارات تستند إلى الملاحظة المباشرة وتقدير مستوى الأداء".

يضيف البلشة، والحاصل على دكتوراه في التربية الخاصة، أن فرصة التعرّف إليهم ووضع برامج التدخل يعدّان "مهمين وجوهريين للمحافظة على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص لمنحهم التعليم المناسب في المدارس العادية وضمن بيئة مدرسية آمنة وفاعلة وإيجابية تحقق لهم تطوير المعرفة والقدرة على التعامل مع المواد الدراسية بطريقة تناسب قدراتهم واحتياجاتهم، والوصول بالتالي إلى مستوى من التكيف النفسي والاجتماعي المناسب لضمان استمراريتهم في المدارس العادية".

في ضوء هذا التوجه، تنادي العديد من المؤسسات والمنظمات الحقوقية والتعليمية بضرورة تطوير المفاهيم المتعلقة بدمج هؤلاء الطلبة، والسعي لتحقيق مفهوم المدرسة الشاملة التي لديها القدرة الفعلية على استيعاب الفروق الفردية بين الطلبة، وتلبية احتياجاتهم ضمن بيئة مدرسية محفزة ومشجعة تعمل على تطوير مهاراتهم، وتقدم لهم التسهيلات كافة التي يحتاجونها لاستكمال مراحل الدراسة في المدارس العادية وضمن قدراتهم المتفاوتة.

الدمج المبكر يساعد في التقبّل

يرى البلشة أن اندماج الطلبة من ذوي التحديات السلوكية وصعوبات التعلم النمائية والأكاديمية في مراحل مبكرة، ابتداءً من مرحلة رياض الأطفال يساعد، بشكل كبير، في تقبّل أقرانهم لهم ضمن الصفوف العاديةز "وكذلك؛ تلبية احتياجاتهم وتنمية قدراتهم ومنحهم الفرص الكافية للتفاعل والتواصل والتعلّم عوامل تزيد فرص التقبّل لدى أقرانهم، ويصبح الأقران بمثابة الأصدقاء الداعمين أو المساندين لهؤلاء الطلبة". كما شدد مستشار التربية الخاصة والتوحد على ضرورة مساعدة الصغار على تخطي التحديات والصعوبات الموجودة لديهم، "وضمان استمرارية وجودهم في الصفوف العادية، وعدم الوصول في مراحل لاحقة إلى التنمر عليهم، أو استبعادهم من النشاطات والممارسات الصفية والمدرسية، ونهاية باستبعادهم من المدرسة". "ولتحقيق ذلك يجب رفع الوعي لدى الكادر الإداري والتعليمي في المدرسة، وتدريبه على تطبيق أفضل الممارسات الفعالة والإيجابية مع هؤلاء الطلبة، ثم الانتقال إلى الطلبة ورفع الوعي لديهم، وتكوين الاتجاهات الإيجابية وتدريبهم على طرائق التعامل المناسبة وتحقيق مفهوم المدرسة الشاملة"، بحسب البلشة.

تعزيز ثقافة التعايش والتنوع

من جانبها؛ تقول المرشدة النفسية والتربوية جنى الحدق إن تعليم الطلبة كيفية تقبل الآخر وتعزيز ثقافة التعايش والتنوع: "يعدّان جزءًا مهمًا من توجه المدارس نحو الدمج والتعايش المجتمعي". وتؤكد أنه من المهم تعليم الطلاب مهارات التواصل الاجتماعي والانخراط في المجتمع ومظاهر الاختلاف، وتدريبهم على طرائق التخلص من ظاهرة التنمّر وبناء الثقة والاحترام والتوعية بالتنوع: "وعندها يتقبّلون الآخر، بالإضافة إلى التعاون مع مربيات الصفوف والمعلمات بدمج مفهوم تقبل الآخرين عبر موادهم التعليمية، خاصة أن موضوع الدمج يعتبر حديثا في المدارس". إذ يولي أولياء أمور الأطفال ذوي الإعاقة دمج أطفالهم مع أقرانهم في المدارس العادية أهمية كبيرة، حتى يعي ولي الأمر والطفل ذو الإعاقة أهمية وجوده بالمدرسة، بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، أسوة بالأطفال العاديين.

تقبّل الطالب ذي الإعاقة في صفه

لتعزيز ثقافة التعايش والتنوع، تشدد الحدق على ضرورة أن يحث المرشد التربوي وولي الأمر الطالب العادي على تقبل زميله من ذوي الإعاقة في صفه، وعدم تغذية الإحساس بالنقص لديه عن الطلاب العاديين، حتى يشعر بأهميته. أما ولي أمر ذي الإعاقة، فينبغي عليه "تشجيع الطفل على الذهاب إلى المدرسة، والتفاعل مع أقرانه في الصف، وحثه على العمل الجماعي". وتضيف "من المهم أن يتم تطبيق هذه الإستراتيجيات، بشكل مستمر ومنتظم، في بيئة تعليمية تشجع التواصل والتعاون بين الطلاب من مختلف الخلفيات الثقافية، كما يجب توفير الدعم والتوجيه للطلاب للتعامل مع التحديات والمشاكل التي يواجهونها في أثناء عملية التكامل، والتعايش المجتمعي المدرسي".

التنشئة والتربية الإنسانية

أما الباحثة الاجتماعية والنفسية ميساء القرعان، فترى بدورها أن الدمج وتقبل الآخر يرتبطان أيضًا بطبيعة تنشئة وتربية الطفل، بغض النظر عن من يمارسها، فهنالك برامج تربوية ومناهج يجب أن تكون مخصصة لسحب التقوقع على الذات الجمعية، سواء كانت هذه الذات تمثل العرق أو الجنس أو غيرها. وتضيف "من وجهة نظري ليس كافيًا أو ناجعًا أن نعطي الطلبة محاضرات لتقبّل الآخر؛ بل من المهم إلاء أهمية لكيفية جعل الطالب إنسانا أولا". 

تختم القرعان: "هذا يعني ألّا يكون المربون عنصريين لأي شيء يميزهم، وأن يتعلّم الطفل أو الطالب أن الإنسانية هي القاسم المشترك بين جميع الناس، وأن لا تفوق لأحد على أحد بسبب أشياء لم يخترها، مثل العرق أو الجنس أو الإعاقة أو غيرها، وأن التفوق يكون بمعايير موضوعية وبموازين إنسانية علمية".

المصدر : الجزيرة نت

مواضيع مرتبطة

ثلاث طرائق تضرّ بثقة الأطفال بأنفسهم... احذرها

تصحيح تصرفات الطفل باستمرار حتى مع نية مساعدته يعطي شعورًا بعدم الكفاءة 

ما مواصفات المكتب المناسب للأطفال؟

علماء النفس يكتشفون كيفية مساعدة الطفل في التركيز على الواجبات المدرسية

كيف تساعد الساعات الذكية الأطفال في التعليم؟

مع حلول موسم العودة إلى المدرسة، يبحث الآباء عن أدوات مبتكرة يمكنها تعزيز تجربة التعلم لأطفالهم..

كلمات مفتاحية

تربوية