لم يكن التطوّر التكنولوجي ووسائله التواصلية وذكاؤه الإصطناعي، موجودا في عدوان العام ٢٠٠٦، وإن كان يتمتّع عدوّنا قبل ذلك التاربخ بكثير، بتفوّق عسكري وتكنولوجي، فهو الإبن المدلّل للعدو الأصيل أي الولايات المتحدة الأميركية، والتي تقدّم له كل ما يحتاجه في هذا الصدد وسواه، كنائب عنها في حروبها المستمرة في منطقة الشرق الأوسط، هذه المنطقة التي تتمتّع بموارد طبيعية كثيرة، والعصيّة على الإحتلال بالكامل من بوابة سوريا ولبنان تحديدا لا حصرا. أمّا اليوم في هذه الحرب، فهو يمتلكه بتفوّق، فيما بعضنا يمتلكه بتصرف حدّ الإستهتار للأسف.
بطبيعة الحال، لا يمكن الفصل في الحديث عن وسائل التواصل الإجتماعي، والأدوات الذكيّة من هواتف وأجهزة حاسوب وكاميرات وسواها الكثير، في عالم يبتكر بين لحظة وأخرى منتجا تقنيّا ذكيّا جديدا، وبين ما يمرّ به لبنان اليوم من عدوان أميركي - صهيوني وحشي. فالتكنولوجيا سلاح استخباراتي وعسكري فتّاك وفعّال، وما نجاح العدّو في بعض استهدافاته مؤخرا للمقاومة في لبنان وبيئتها، إلا نتاج هذا التفوق التكنولوجي، والاحاديث التلقائية عبر وسائل التواصل الإجتماعي، عطفا على الإختراق البشري كما بات معلوما.
من ناحية أخرى، لسنا هنا في صدد الحديث عن فوائد هذه التكنولوجيا عموما، وعلى مستوى التواصل والأعمال خصوصا، ولكن للإشارة والتذكير، فقد أصبحت "شرّا لا بد منه". فمن اخترعها يعرف جيدا أنّها ستغير حياة البشرية على كلّ المستويات، وستصل بمستخدميها لأن تكون حاجة أساسيّة عندهم، تماما كالطعام والشراب واللباس، وإلا سيتخلّف كلّ من لا يمتلكها عن الحضور، وكذلك عن التطوّر في ميادين الحياة المختلفة.
في معركة الوجود للمقاومة وأهلها وبيئتها، وقسم واسع من أبناء طائفتها وأبناء طوائف وطنية أخرى، يُستخدم هذا السلاح التكنولوجي من قبل العدّو للقتل تارة بنار الغارات، وتارة أخرى بمحاولة تأليب جزء واسع من المجتمع القريب، وكذلك إشعال نار الفتنة بيننا وبين ذلك البعيد، كما يُستخدم أيضا "منّا لقتلنا"، ولكن من دون قصد عند بعضنا أو معظمنا، وذلك عبر النشر بأشكاله المكتوبة والمسموعة والمرئية، من دون الإلتفات إلى معايير ومحاذير، بجهد إختصاصيو العالم الذكي بالحديث عنها والتوعية بها، تضمن للمواطنين بعضا من الإستخدام الآمن، وإن كانت الأجهزة الذكيّة على انواعها تشكل أداة تنصت وتجسّس، حتى من دون استخدامها أو تشغيلها.
الحرب النفسية منّا وضدّنا
إلى ذلك، وعلى مقلب الناس عموما، وبيئة المقاومة خصوصا، تشكّل وسائل التواصل تحديدا مساحة ضرورية جدا، للإطمئنان على الأهل والأقارب والأحبّة جرّاء العدوان الإجرامي، الذي يُسقط شهداء وجرحى يوميا، وبموازاتها لمتابعة المستجدات، وكذلك نشر ما تمليه الإختصاصات على اصحابها من توعية تشمل التثقيف الديني، السياسي، العسكري، النفسي، الصحي... إلخ، وأغلبه عند البيئة الحاضنة للمقاومة، ويصبّ كلّه في خانة الدعم المطلق لها.
على ضفة متّصلة، باتت وسائل التواصل الاجتماعي، جزءا من الحرب النفسية منّا وضدّنا، ولكن رغم علمنا بخطورتها خاصة في ظل تطور تكنولوجيا المعلومات والخوارزميات، فإنّنا مضطّرون لاستخدامها كسلاح ضدّ العدو. فما وظيفة هذه الوسائل الجيدة منها والمشبوهة، وما هو الدور المطلوب أثناء استخدامها في هذه المعركة اليوم؟
قيام جبهة مضادّة وبوسائل عدوّنا نفسها
المحاضرة والباحثة في مجال المعلوماتية والذكاء الإصطناعي الدكتورة ميرنا عطية، شرحت طبيعة هذا الدور، فقالت: "أنّ وسائل التواصل تشكّل مساحة واسعة من عالمنا وحياتنا اليومية، وفيها العديد من الإيجابيات من جهة القدرة على التواصل ومهارة الحصول على المعلومات المفيدة، وإمكانية إيصال صوتنا للعالم"، موضحة "أنّها جبهة بحدّ ذاتها وتعمل في عدة ميادين، وأنّها ليست مجرد جزء من الحرب النفسية، بل من أسسها بهدف إضعاف عزيمة الناس، وتبيان قوة العدّو وتسخيف ضربات المقاومة، كما تشمل حرب تناقل المعلومات المشبوهة والمضلّلة، ونشر الأباطيل في مقابل نصرة الحق، وكذلك الحرب ضدّ الأخلاقيات والقيم والفطرة السليمة التي فطرنا الله عليها".
ولفتت إلى أنّ: "دورنا الحقيقي والمفيد في هذا المجال، هو أن نقوم بجبهة مضادّة، وبوسائل عدوّنا نفسها، ولكن بذكاء من خلال تشفير بعض المصطلحات مثلًا أو استبدالها بكلمات أخرى ذات نفس المعنى، لأنّ أصحاب شركات هذه الوسائل يحجبون رؤية بعض المنشورات أو يحذفونها، أو حتى يحذفون بعض الحسابات التي تقوم بنشر ما ليس على هواهم، ولأنّ لديهم خوارزميات تحظر استخدام بعض المصطلحات والصور".
ورأت أنّه: "من الجيّد أن نقوم بالتوعية وننشر، سواء بالكتابة أو بالرسائل الصوتية، أو بالفيديوهات أو البوسترات أو الإنفوغراف أو الصور، للعمل على حرب نفسيّة مضادّة وتحفيز بيئتنا ومجتمعنا، وتقوية عزيمة كل من يتعرّض للأذى النفسي والجسدي والمعنوي والمادي أو حتى الروحي، ودعوته للتقرّب من الله تعالى ورسله وأئمته عليهم السلام"، واكدت انه في مقابل الشائعات والأضاليل، يمكننا نشر ما يصحّحها ويعيد توجيه بيئتنا نحو المسار الصحيح، بل ويعمل على تبيان الحقائق لكل الناس، لتكون مستندا شاهدا ومقرونا بالأدلة والبراهين والمنطق".
كيف يخترقنا العدو عبر هذه الوسائل؟
بطبيعة الحال، ونظرا لظروف الحرب، زاد تصفّحنا لهذه الوسائل وتواصلنا عبرها، ويلجأ البعض إلى نشر صور ومعلومات وفيديوهات تلقائيا عند وقوع أيّ حدث، ما قد يشكل خطرا علينا، وهنا أسئلة تطرح: ما شكل هذا المضمون القاتل؟ كيف يمكن تفاديه؟ وهل فعلا كلّ شيء مخترق، حتى لو لم نتواصل وننشر؟
أوضحت عطيّة أنّ الاختراق المعلوماتي "نحن مسؤولون عنه بطريقة أو بأخرى، وذلك حين نتواصل مع أحد ونكتب معلومة، سواء عن أماكن تواجدنا أو عن شيء رأيناه في منطقتنا، أو عن أمرٍ نعرفه ونعده عاديا، مثلًا "أنّك تعرف شقيق الشهيد الذي استشهد اليوم، أو أنّك زرت مرة منزل فلان من الناس، أو أنّ جارك هو فلان..."، مشدّدة على أنّ "كل هذه المعلومات هي بمثابة إخبار للعدو يستفيد منها لتحديد أهدافه القادمة، لأنّه يجمع كلّ هذه "الداتا" في حاسوب ضخم، ويعمل من خلال برامج خوارزميات، بتصنيف المعلومات وخلق ملفات تخصّ كل شخص".
حذّرت في هذا الإطار من "أنّ العدو يعمد أحيانا إلى "كبّ" معلومة خاطئة عن شخص ما يريد أن يعرف مكانه مثلًا، ونحن ومن دون قصد، ولكي نظهر أنّنا نعرف المعلومة الصحيحة، نقوم بتصحيحها وبإعطاء معلومات إضافية، واحيانًا أدلّة وتحليلات وقد لا تكون تحليلاتنا صائبة، فيستفيد منها العدو ونكون السبب في هدر دم أحدهم".
آلية إستدراج العملاء
بعيدا عن أحاديث الحرب، هناك أحاديث تبدو طبيعية جدا عبر وسائل التواصل الإفتراضي، لكنّها قد توقعنا وفق عطيّة بفخ العدو، منها مثلا "عندما نتحدث مع أحدهم عن شيء نحبّه ولا تستطيع شراءه، فهذه المعلومة يستفيد منها العدو لمحاولة تجنيدنا، وليس بالضرورة بطريقة مباشرة، بل مثلا قد يبدأ معنا بعرض عمل في مقابل السيارة التي نحبّها، وبعدها يستدرجنا لأعمال تجسّسية عبر تهديدنا بأنّنا عملنا معه سابقا. وهنا، علينا ألّا نخاف من التهديد وأن نبلّغ المعنيين فورا، وإلا فسيحولوننا إلى عملاء لصالحهم".
كيف يحصل العدو على المعلومات عبر نشر الصور والفيديوهات لأماكن الإستهداف ومتعلّقاتها؟ تجيب عطيّة ان "نشر الصور والفيديوهات الخاصة بأشخاص تمّ استهدافهم، أو أماكن تمّ ضربها أو ربما ينوون ضربها ونحن لا نعلم، بأنّه صحيح أن لدى العدو تكنولوجيا عالية الجودة مبنية على الذكاء الاصطناعي ولديه الأقمار الاصطناعية، إلا أنّها قد لا تدلّه احيانًا على التفاصيل الدقيقة والضيّقة للمواقع أو لوجوه الأشخاص، ونحن بنشرنا لهذه الصور والفيديوهات، نكون قد قدّمنا له معلومات أدق وساعدناه في الحصول على المعلومة بشكل أسرع"، ولفتت إلى أمر لا يقلّ أهمية وهو "أنّ ماكينات "الواي فاي"، والكاميرات الموجودة في الشوارع، وحتى لو تمّ فصلها عن الإنترنت، فإنّه يمكن للعدو أن يعيد ربطها بأي نقطة اتصال Access Point موجودة في المنطقة، ويقوم بالتجسّس على بيوتنا ومحلاتنا وجميع مكالماتنا ومحادثاتنا بالصوت والصورة. لذلك، فالأمثل أن يتّم إخراجها عن الخدمة كليا، خاصة في ظروف الحرب".
مُشاركون في سفك دم الأبرياء
ما عاقبة إعادة نشر المعلومات التي لا تخدمنا، والتي يقوم البعض بنشرها كإخبار للعدو عن غير قصد؟ وكيف نتعامل معها؟ ذكرت عطيّة، "أنّنا تفجأنا خلال حرب تموز ببعض وسائل الإعلام أو بعض الإعلاميين بشكل فردي، أو بعض الأفراد أو حتى بعض السياسيين، أو من هم في موقع القرار، بتمرير معلومات كاذبة للعدو عن أماكن تواجد مسلحين، أو وجود سلاح في بعض أماكن النزوحِ"، ولفتت إلى أنّه "خلال هذه الحرب يتكرر نفس المشهد، بل ويتّم الترويج من قبل البعض بأنّ المسعفين مثلًا هم من المسلّحين ويدعون العدو لضربهم، وهذا قد أدى لاستشهاد عشرات المسعفين، ويكون هؤلاء المرّوجون قد أعطوا تبريرا للعدو بضربهم، فعمد الناس بنشر هذه الاخبار على أوسع نطاق، علّها تصل إلى المعنيين. ولكن، قد لا يكون العدو قرأ أو التفت لهذا المنشور أو ذاك، وبسبب نشرنا له بشكل كبير، ساهمنا بوصوله بسرعة للعدو، وكنا ومن غير قصد مشاركين في سفك دم الأبرياء".
ونصحت ختاما أنّه: "في حال قرأنا مثل هذه المنشورات المشبوهة والمضللة، يتوجب علينا إبلاغ الجهات المعنية فقط (جهات أمنية مختّصة)، أو إرسال المنشور إلى شخص مسؤول نثق به وبقدرته على التحرك للتصرف ولمحاسبة الجاني من دون شوشرة".
اقتضى التوضيح والتنبيه والتحذير
في معركة الوجود والمصير!
خلاصة القول... بعد هذه المطالعة بالقدر الممكن، الخاص بالأفراد في هذه المعركة، وتحديدا لجهة معرفة كيف تؤثر طريقة إستخدامنا لوسائل التواصل الإجتماعي في هذه المعركة إيجابيا أو سلبيا، ولو بأغلب الحالات من دون قصد طبعا في الأخيرة، ولجهة التعرّف إلى المعايير الآمنة للتواصل خدمة للمقاومة وبيئتها وأبناء وطنها الشرفاء، يتّضح أنّ لدينا جهلا مركبا في موضوع التكنولوجيا المحمولة وغير المحمولة، والجهل هنا ليس وصمة عار، فلا أحد يعرف كل شيء عن كلّ شيء، ولكن الإستمرار في تجاهل جهلنا هذا هو العار بعينه، العار الذي قد يلحقنا بقافلة الأعداء لأنفسنا، وسفك دمائنا ودماء الآخرين، من هنا لا خيار إلا ضبط النفس أثناء التفاعل عبر هذه الوسائل، حفظ قواعد النشر عن ظهر قلب، وهذا جهد يندرج في خانة المقاومة التواصلية الآمنة، كي نخدم هذا الخط لا أعداءه في الداخل والخارج، فاقتضى التوضيح والتنبيه والتحذير في معركة الوجود والمصير.
يمنى المقداد/ جريدة الديار
كشفت دراسة جديدة عن أسلوب شائع في كتابة الرسائل النصية قد يؤثر سلبًا على كيفية إدراك الناس لصدق المرسل.
الصورة تساوي ألف كلمة، لكنك لا تحتاج إلى كتابة أي منها من أجل البحث على الإنترنت هذه الأيام،
أصبحت ثقة نحو 3 أرباع المستهلكين (72%) بالشركات أقل مقارنة بالعام 2023
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال