خاص "أمان الأطفال/ د. ليلى شمس الدين باحثة في الأنثروبولوجيا والإعلام
في أوقات الحرب؛ لا تقتصر الخسائر على الدمار المادي وفقدان الأرواح على أهميتها وألمها، ولكن غالبًا ما تكون أنظمة التعليم من بين الضحايا الأوائل، حيث تتضرّر المدارس أو تدمّر، ويجري تهجير المعلمين والتلامذة، فيتحوّل عندها التركيز من التعلّم إلى البقاء.
مع ذلك؛ لا يمكن تجاوز أهمية التعليم في أثناء الحروب، فهو بمثابة شريان حياة الأبناء والمجتمعات، كونه يوفّر البنية الاجتماعية والشعور بالحياة الطبيعية، والأمل في المستقبل. وإلى جانب هذه الأهمية، علينا ألاّ نغفل التحدّيات والتحذيرات الكبيرة التي يجب الأخذ بها للحفاظ على التعليم في زمن الحروب والاضطرابات.
لطالما أكّدت منظمة اليونيسف وغيرها من المنظمات الدولية أنّ التعليم في حالات الطوارئ ليس مجرد حق بل هو تدخل وقائي يمكن أن ينقذ الأرواح، ومن مهمّته الحفاظ على الشعور بالهوية كما يساعد في منع فقدان التراث الثقافي. ويعد الحفاظ على الشعور بالاستقرار والحياة الطبيعية أحد أهم الأدوار التي يلعبها التعليم أثناء الحرب، فهو بمثابة الحاجز النفسي الذي يساعد الأبناء على التعامل مع الصدمات والاضطرابات الناجمة عن الحرب.
تجدر الإشارة إلى أنّ روتين الذهاب إلى المدرسة في الأماكن الآمنة، أو تلقّي التعليم بأي وسيلة ممكنة من الوسائل، يوفّر الاستقرار الذي يحتاج إليه التلامذة بشدّة، كونه يقلّل من احتمالية انخراطهم في أنشطة ضارّة.
تاليًا؛ يؤدّي الالتزام بهيكل الدروس اليومية والتفاعل مع الأقران، ووجود معلّم/ة يعمل كقدوة إلى خلق مساحة آمنة تنعكس على التلامذة فيشعرون بالأمان. علمًا أن التعليم بحد ذاته لا يتعلّق فقط بالبقاء الأني والمرحلي، بل يتعلق أيضًا بالتحضير للمستقبل، وهنا بيت القصيد.
تترك الحرب ندوبًا نفسية عميقة على الجميع، لا سيّما على الأطفال، ويمكنها أن تؤثّر بشكل كبير على قدرتهم على التعلّم. كما قد تؤدّي الصدمة والحزن والخوف إلى صعوبات في الانتباه، وإلى إثارة القلق وعدم الاستقرار لا سيّما العاطفي، وكلّها يمكن أن تعيق الأداء الأكاديمي. ففي حين يساعد التعليم في تخفيف بعض هذه القضايا من خلال توفير البنية المناسبة، من الضروري أيضًا تدريب المعلمين على التعرّف إلى الاحتياجات النفسية لطلابهم ومعالجتها.
لذلك يجب في أوقات الحروب دمج الدعم النفسي الاجتماعي في النظام التعليمي، كما يجب تكييف بيئات التعلّم لتكون حسّاسة وممتصّة للصدمات، وتوفّر مساحة داعمة ورعاية للتلامذة بالتركيز على إكسابهم مهارات أساسية، مثل مهارات الاتصال والتواصل الشخصي، ومهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات، ومهارات المرونة والسيطرة على التوتر.
من المسلّم به على نطاق واسع، أنّ العلاقة بين التعليم والأمن والاستقرار هي علاقة ثنائية الاتجاه. لذلك يعدّ تطوير مناهج دراسية شاملة وحسّاسة لاحتياجات المجموعات المتنوّعة أمر ضروري للحفاظ على سلامة التعليم أثناء الحرب. ومن الأهمية بمكان، العمل على ضمان إمكان وصول الجميع إلى هذه البدائل، وبخاصّة الفئات المهمّشة مثل الفتيات والأطفال المعوّقين، وأولئك الذين يعيشون في المناطق النائية.
في هذا الإطار، علينا أن نُدرك أنّ التعليم في أوقات الحرب هو أكثر من مجرد فرصة للتعلّم؛ إنّه شريان حياة يوفّر الاستقرار والحماية والأمل في المستقبل. ومع ذلك، ضمان استمرار التعليم في أثناء الحروب محفوف بالتحدّيات. لذلك يجب إدارة المخاوف المتعلّقة بالسلامة، والتأثيرات النفسية، وحساسيات المناهج الدراسية والعمل على عدم تسييسها، وعدم إغفال القيود على الموارد، لضمان عدم تسبّب عملية التعليم في ضرر غير مقصود.
في معالجة هذه التحدّيات وتكييف التعليم مع احتياجات السكان المتضرّرين من الحرب، يمكن للتعليم أن يكون قوّة فاعلة للمرونة والتعافي، سواء في أثناء الحرب أو بعدها. لذلك نجد أنّه من الأهمية بمكان الحفاظ على التعليم في أثناء الحروب، لأنّه يمكن أن يساعد في منع العنف أو الحد منه، ويُسهم في علاج الآثار النفسية، فيترك تبعاته على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع.
"لن أذهب إلى المدرسة. كل المدارس في منطقتنا التي هربنا إليها مغلقة. وهناك خطر مختبئ في كل الأوقات، ولا أعتقد أن الأمور هادئة، حتى وإن خفُتَ حينًا صوت القصف العنيف والانفجارات، يبقى الجو العام الذي يبعث على الخوف وعلى الشعور بعدم الأمان". هذه الكلمات مأخوذة من حديث أسرّت به تلميذة لم تتجاوز الاثنتي عشرة عامًا من عمرها، هُجّرت من منزلها بسبب العدوان الإسرائيلي على بلدتها في جنوب لبنان، في العام 2024، عندما كان من المفترض أن تلتحق بالصف السابع في مدرستها. لقد شكّلت تجارب الأشخاص خلال الحروب وتأثيرها على التعلّم وعلى الحياة الشخصية تجارب عامّة، لذلك من السهل التحدّث عن الحروب، إلاّ أنّ عيش التجارب في أثناء الحروب التي يمر بها تلميذ في ظل هذه الظروف، ليس بالأمر السهل فكفكته وفهمه.
للحرب نتائج كارثية وجذرية، ولكن، كيف يوفر التعليم في ظل ظروف الحرب؟ وما هي الدروس المستفادة من السيناريوهات التعليمية واستراتيجيات التدريس التي تنفذ للحفاظ على التعليم في سياقات الحرب المختلفة؟
أسئلة تمحورت عنها الأبحاث الخاصّة بالتعليم خلال الحروب، فبيّنت أنّ الحرب، كونها أزمة أسوأ بكثير من الكوارث الطبيعية، لأنها تعطّل الأبناء عن حياتهم الأسرية، حيث تعدّ الأسرة النواة الأساس لتأسيس شعور بالحياة المطمئنة والسلامة.
يتعرّض الأشخاص في أثناء الحروب للصدمة، وقد لا يكونون متحفّزين للتعلّم، لذلك تدمج المدارس والبرامج التعليمية خدمات الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدة التلامذة في الشفاء والتعافي عاطفيًا. لتحقيق هذا الغرض، استخدمت الدراما ورواية القصص السريعة، وقراءة أو نظم الشعر في الشوارع، ورسم اللوحات والجداريات، كما استخدمت أشكال فنيّة مختلفة وشائعة بين الناس لأغراض تعليمية في أثناء الحرب. ساعدت هذه السبل التلامذة على النسيان، وعلى صرف أذهانهم عن معاناتهم، ووفّرت لهم الثقة بالنفس في أثناء التعلّم .
نحن أمام تحدّيات متعلّقة بالتعليم في أثناء الحرب، فترتفع الأصوات حول التعليم والسلامة، أو التعليم مقابل السلامة، فهل من المعقول الجمع بين هاتين الكلمتين؟ تركز المناقشة على كيفية ضمان حدوث عملية التعلّم من دون المساس بسلامة المشاركين.
المراجع
اختاري العقاب المنساب للطفل، ولا تبالغي فيه لكي لا يرث الطفل حقدًا دفينًا على المجتمع من حوله وينعكس ذلك على تصرفاته،
تأثير الأب على الطفل يفوق تأثير الأم بل يصل إلى حد تغيير سلوكهم بشكل ملحوظ
يصعب على كل ولي أمر أن يُقال له: طفلك يسبب الإزعاج.. فماذا يفعل؟
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال