كيف يتكيف النساء والآطفال مع ظروف النزوح وتحدياته في لبنان؟

كيف يتكيف النساء والآطفال مع ظروف النزوح وتحدياته في لبنان؟

وسط الحال الأمنية والنفسية الصعبة للبنانيين، يبرز التأثير الأكبر على النساء والأطفال، خصوصًا مع توقف العام الدراسي للكثيرين منهم

 

خاص موقع أمان الأطفال/ د. زينب الطحان

الحرب لا ترحم أحدًا؛ ولا يعدّ الموت أقسى نتائجها؛ بل إنّ النزوح وما يثيره من مشكلات مختلفة، تصعّب على النازحين تحمّل صعابها؛ والقدرة على تحمّلها تختلف من شخص إلى آخر.. ولكن مهما يكن من أمر الصعوبات الجمّة، يتميز النازحون في لبنان بمعنويات عالية تساعدهم في الصمود والتحدي والبقاء..

لكن هذا لا يعني أنه يمكن صرف النظر عمّا يعانونه في أماكن النزوح، وخصوصًا الأطفال الذين يعيشون تحت وطأة الانحصار في مكان محدّد المساحة والحركة، وتحت ضغط حشد من الناس ما يعيق حركتهم؛ خاصة في ظل وجود مسنين لا يطيقون ضجة الأطفال.

مع تقديرات بنزوح أكثر من مليون و200 ألف شخص في لبنان حتى الآن، بينهم قرابة 400 ألف طفل، ووسط الحال الأمنية والنفسية الصعبة للبنانيين، يبرز التأثير الأكبر على النساء والأطفال، خصوصًا مع توقف العام الدراسي للكثيرين منهم، أي طلاب المدارس الرسمية؛ بسبب تحولها إلى مراكز إيواء، وغياب الأنشطة الترفيهية أيضًا بسبب الأوضاع الحرجة.

 

تغيرات سلوكية عند النساء

ينجم عن كل هذه العوامل تغيرات سلوكية عدة؛ تحدثت عنها المتخصصة النفسية الدكتورة رحاب يحيى إلى موقع "أمان الأطفال" بأن أكثر عوارض ظهرت على النساء النازحات هي عوارض القلق والضغط النفسي، خاصة النازحات في مراكز الإيواء.. لما يواجهن من ضغوطات أبرز أسبابها وجودهن في مكان لا يؤمن الخصوصية والاستقلالية، واضطرارهن إلى مشاركة الأمور الحياتية اليومية مع الآخرين.

 

في إجابتها عن سؤال : أي مرض نفسي تحديدًا تزداد وطأته في ظل النزوح عند هؤلاء النساء؟

تقول الدكتورة رحاب : " هو لا يُدعى مرضًا؛ بل إضطراب.. وأكثر الاضطرابات شيوعًا خلال هذه الأزمات هي نوبات الهلع (panic attack).. والقلق المعمم GAD..  بالإضافة إلى إضطراب كرب ما بعدا الصدمة PTSD. وتختلف حدة هذه الاضطرابات من امرأة إلى أخرى بحسب ما تتعرض له من صدمات، وبحسب الظروف التي ترافقها خلال النزوح، عدا عن الاستعداد النفسي عند النساء للإصابة بالاضطراب أساسًا، قبل حصول الأحداث التي أدت للنزوح.. فالمرونة والصلابة النفسية والقدرة على التكيف وحل المشكلات إذا لم يكنّ بالمستوى لتحمّل هذه التحديات المختلفة".

تتابع يحيى: "إذ إنّ مواجهة مثل هذه الاضطرابات سيظهر على شكل أعراض نفسية وجسدية متنوعة، مثل: القلق المفرط، الاكتئاب، فقدان القدرة على التركيز، الانسحاب الاجتماعي، أو حتى اضطرابات في النوم والشهية. وتتفاقم هذه الأعراض إذا لم يُتعامل مع جذور المشكلة وتطوير المهارات اللازمة للتكيف بشكل فعال مع الضغوط".

 

عن سؤال : "كيف تنعكس هذا الأزمات النفسية على من حولهن من أطفال أو زوج أو أهل أو غيرهم؟

تقول  يحيى: "إن ردات الفعل والعوارض تختلف حدتها بين سيدة وأخرى، لكن أبرز الانعكاسات: على مستوى الأطفال: نقص الصبر، سرعة الإنفعال، قلة التواصل، التأثير السلبي على الرعاية، وأهم مسألة نقل التوتر لهم، فالطفل يتعلم سلوك الأهل من خلال النمذجة، فعندما يرى الطفل الأهل يتعاملون مع الضغوط النفسية بردود فعل سلبية، مثل الغضب أو الانسحاب أو القلق، يبدأ في تعلم هذه الاستجابات ويقلدها في مواقفه الخاصة".

 

 

أما مع الزوج فتكثر الصراعات ويضعف التواصل، وتقل الحميمية، ويحصل الإنسحاب العاطفي.. فيشعر الزوج بالإهمال والرفض، نقل المشاعر السلبية، مثل الإحباط والغضب والتوتر، ما يزيد من حدة الصراع. صعوبة في اتخاذ القرارات أو التهور في ذلك من دون التفكير بالعواقب. ومن ناحية الأهل والعلاقة مع الآخرين؛ تبرز مشكلة نقص القدرة على المساعدة والتعاون، مع الميل الى الانسحاب الاجتماعي والإبتعاد وفقد مهارات التواصل الفعال، فيزداد سوء الفهم فتكثر الصراعات والمشاحنات فيما بينهم.

 

أمّا بخصوص تقبّل أو تحمّل النازحين الآخرين مرض هاتيك النساء، استيعابا وتفهما؟

تجيب المتخصصة النفسية:" إن ذلك يعود لمستوى المرونة والصلابة النفسية وقدرات التكيف وحل المشكلات واتخاذ القرارات، وكلما ازدادت إيجابية هذه القدرات ازدادت معها قدرة التحمل والتعامل مع المواقف المجهدة وإدارتها بشكل حكيم ومتوازن.. وكلما نقصت تزداد الأمور سلبية".

توضح يحيى: "الدليل على ذلك سيدة تجسد قوة الصبر والصلابة النفسية، فهي تتكيف مع وفاة زوجها، تعتني بابن يعاني اضطرابًا نمائيًا، وتتحمّل ظروف النزوح الصعبة بمشاركة الغرفة مع أقرباء غير متفهمين. بالرغم من كل هذه التحديات، تبقى هادئة وتدير المواقف بحكمة ومرونة، وتتعامل مع ابنها بمحبة وحنان. في الوقت الذي تفتعل فيه بعض السيدات مشكلات لأتفه الأسباب، تظهر هذه السيدة قدرة فريدة على التكيف والتحكم بمشاعرها، ما يعكس شخصيتها القوية وإيجابيتها في مواجهة الحياة. هذا السلوك يظهر أن الأشخاص الأقوياء لا يحتاجون لبيئة مثالية لكي يظهروا قوتهم؛ بل يمكنهم التحكّم بمواقفهم والتكيف مع ضغوط الحياة بطريقة تبعث الأمل في كل من حولهم".

أما أعراض الخوف، خاصة عند التعرض لأصوات قوية أو غير متوقعة، يمكن أن تظهر بعدة أشكال وتؤثر على الشخص نفسيًا وجسديًا، ومنها:

  1. الاستجابة الفورية للصوت: عند سماع صوت قوي مثل صوت انفجار، طرق مفاجئ، أو صراخ، قد يظهر رد فعل فوري؛ مثل القفز أو الانكماش، أو تغطية الأذنين. هذا يعكس حساسية مفرطة تجاه أي صوت حولهم.
  2. التنبه المفرط: يبقى الفرد في يقظة وتأهب دائم، يراقب كل صوت مهما كان بسيطًا، ما يخلق توترًا مستمرًا وصعوبة في الاسترخاء. قد يتوقف عن التركيز على ما يقوم به وينتبه لأي صوت في محيطه.
  3. صعوبة التركيز: الخوف يجعل الشخص يصعب عليه التركيز في المهام اليومية، حيث يكون سمعه دائمًا في حال استعداد لسماع أي صوت قد يرمز لخطر. ينتج عن ذلك ضعف في التركيز والانتباه كي يكون العقل منشغلًا بمتابعة الأصوات.
  4. القلق والتوتر الجسدي: يترافق الخوف مع تسارع في ضربات القلب، والتعرق، وأحيانًا الارتعاش. هذه الأعراض تكون شديدة عند سماع صوت قوي، لكنها تستمر بشكل أقل حتى في الأصوات العادية التي لا تشكل خطرًا.
  5. تجنب الأماكن المزدحمة أو الصاخبة: قد يختار الفرد الابتعاد عن أماكن مثل الأسواق أو المناطق التي يكون فيها ضجيج؛ لأن الخوف من الأصوات يصبح مزعجًا ومقلقًا، فيفضل تجنب التعرض لها.
  6. الكوابيس والأحلام المزعجة: الأصوات المخيفة قد تلاحقه حتى في الأحلام، فيظهر هذا في شكل كوابيس تتكرر، وغالبًا تتضمن أصواتًا أو انفجارات، ما يسبب أرقًا أو صعوبة في النوم.
  7. سلوكيات التعلق الزائد: يلتزم بالبقاء قريبًا من أشخاص يشعر معهم بالأمان، ويميل إلى التعلق بهم في المواقف التي يتوقع فيها سماع أصوات مفاجئة، كنوع من البحث عن الأمان.

هذه الأعراض تجعل الشخص يعيش في حالٍ دائمة من القلق تجاه أي صوت محيط، ما يؤثر على حياته اليومية وقدرته على التفاعل بشكل طبيعي مع البيئة من حوله.

 

تغيرات سلوكية عند الأطفال

أما بخصوص انعكاسات النزوح على الأطفال؛ تقول المتخصصة رحاب يحيى إن: "الأهل اللذين صادفتهم كانوا جدًا متفهمين لحاجات أطفالهم. متعاونين.. صبورين.. يحاولون خلق نظام اجتماعي بقدر الإمكان. ولكن بما أن مراكز النزوح فيه العديد من العوائل والأشخاص غير المعتادين على ظروف غير طبيعية؛ فبعضهم لا يتفهم، ما يخلق جوًا ضاغطًا على الأهل؛ فيصبحون تحت ضغط عدم إزعاج الآخرين وتأمين راحة أولادهم. وفي بعض الأحيان؛ تولد صراعات، وأحيان أخرى بسبب ضغط نفسي هائل للأهل. هنا نكون بحاجة إلى تدخل مؤسسات رعائية لهؤلاء الأطفال، تتضمن أنواع مختلفة من العلاجات بشكل يومي، تبعد الطفل عن أجواء النزوح السلبية وتؤمن له علاجات تحسن من أدائه وتكيفه.. وتريح الأهل من عبء كبير؛ حتى يستطعيوا التحمل النزوح بانتظار انتهاء الحرب.

جوابًا على سؤال هل يمكن للأهل حماية أولادهم من أي مرض نفسي يسببه النزوح؟ أم هو أمر قهري؟ تقول يحيى: "لا يستطيع الأهل حماية أطفالهم تمامًا من الاضطرابات النفسية في حالات النزوح والحرب؛ لأن تأثيرات هذه الظروف تكون قوية وخارجة عن سيطرتهم. ومع ذلك، يمكنهم التخفيف من حدة هذه التأثيرات من خلال توفير دعم نفسي وبيئة آمنة، والحرص على التواصل المستمر مع الطفل وتفهم مشاعره. ومن المهم أن يدرك الأهل أن الاستجابة النفسية للطفل أمر طبيعي في مثل هذه الظروف، وأن دورهم ليس في منع التأثيرات تمامًا، بل في مساعدته على التأقلم وتقديم الدعم الذي يخفف من هذه التأثيرات، ما يقلل من احتمالية تحولها إلى اضطرابات نفسية عميقة على المدى البعيد.

كما تقترح المتخصصة رحاب يحيى بعض النصائح العامة لدعم الأطفال النازحين وعائلاتهم:

1. توفير الأمان: أنشئ بيئة آمنة ومستقرة؛ حيث يشعر الأطفال بالأمان والحماية.

2. الاستماع والتواصل: تحدث مع الأطفال واستمع لمشاعرهم واهتماماتهم، ما يساعدهم على التعبير عن قلقهم.

3. الحفاظ على الروتين: إذا أمكن، حافظ على روتين يومي من الأنشطة، مثل أوقات الوجبات والنوم، لتعزيز الشعور بالاستقرار.

4. تشجيع النشاطات البدنية: ساعد الأطفال في الانخراط في الأنشطة البدنية للحد من التوتر وتعزيز الصحة النفسية.

5. تعليم تقنيات الاسترخاء: درّب الأطفال على تقنيات بسيطة مثل التنفس العميق أو التأمل لمساعدتهم في التعامل مع الضغوط.

6. الدعم العاطفي: كن داعمًا وقدم الحب والحنان للأطفال لتعزيز شعورهم بالأمان والثقة.

7. تعزيز المهارات الاجتماعية: ساعد الأطفال في تطوير مهاراتهم الاجتماعية من خلال اللعب والتفاعل مع الآخرين.

8. مراقبة السلوك: راقب أي تغييرات في سلوك الأطفال، مثل الانسحاب أو التوتر، وكن مستعدًا للتدخل إذا لزم الأمر.

9. التواصل مع المختصين: إذا كانت هناك مشكلات واضحة، فلا تتردد في طلب المساعدة من مختصين في الصحة النفسية.

10. تعزيز التعاطف: علم الأطفال أهمية التعاطف ودعم الآخرين الذين يواجهون صعوبات، مما يعزز من قدرتهم على التعامل مع تحدياتهم الخاصة.

مواضيع مرتبطة

المراهقة بين الأمس واليوم: ملامحها في عالم التكنولوجيا والضغوط الاجتماعية 

يشهد المراهقون اليوم تزايدًا في التحديات النفسية والعاطفية بسبب الانفتاح على الثقافات المختلفة عبر الإنترنت

ما هي ظاهرة التوحد الافتراضي بين أطفال العصر الإلكتروني؟

الحرمان البيئي هو الذي يتمثل في الحرمان العاطفي والحسي واللغوي والسمعي والحركي

الأمم المتحدة: مليون طفل في غزة يحتاجون إلى دعم نفسي

"على مدار 15 شهرا في غزة، قُتل الأطفال، وتُركوا للجوع، وماتوا من البرد”.

كلمات مفتاحية

في السلامة الأسرية