خاص موقع "أمان الأطفال"/ ياسمين الطحان
نشاهدهم على شاشات التلفزة؛ وهم يرفعون أصواتهم عاليًا :"نحن باقون في بلدنا..ندعم المقاومة..مهما دمّروا من بيوتنا وقرانا لن نستسلم..سنبقى مع المقاومة..لبيك يا نصرالله"..
هؤلاء هم أطفالنا الصامدون في جميع أماكن النزوح..فقد اقتحمت الحرب بوحشيتها بيوت اللبنانيين فقلبت حياتهم رأسًا على عقب تحمل في طياتها مزيجًا من الدمار والمعاناة. الحرب ليست مجرد صراع بين جيوش أو تنافس على السلطة؛ في لبنان وفلسطين هي حرب شرف وكرامة تمس كل إنسان شريف. في ساحات المعارك، تُزهق الأرواح وتُدمر المدن، لكن المعاناة الأشد تظهر في قصص الأطفال الأبرياء الذين يدفعون الثمن الأكبر.
لبنان تعرض ويتعرض للعديد من المجازر الإسرائيلية والحروب الغاشمة التي يشنها الوحش الهائج "إسرائيل"؛ حيث تركت بصماتها الأقصى على الأطفال بتشريدهم وفقدانهم الأهل والأحباء، إلى جانب الأضرار الجسدية. الحرب سلبت منهم الطفولة بأنياب كاسرة؛ وحشية الحرب لا تقتصر على السلاح والدمار، بل تمتد لتشمل الألم النفسي والعاطفي الذي يستمر لسنوات وربما لأجيال بعد انتهاء الصراع.
الأطفال في لبنان تأثروا بشكل كبير نتيجة الحروب والصراعات التي تمر بها البلاد .الحرب تترك آثارًا نفسية عميقة على الأطفال، حيث يعاني العديد منهم من اضطرابات نفسية مثل القلق، الكوابيس، فقدان الثقة، والصدمة. الخوف من الانفجارات والأصوات العالية والعيش في ظل الخوف المستمر يؤثر على تطورهم النفسي بشكل كبير. ولكن في لبنان الأطفال لا يدعوا للخوف طريقا لهم فكلما شعروا بالخوف تصبروا بالمقاومة وبوعد الله بان النصر قادم .
في مناطق النزاعات مثل الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب، نجد العديد من الأطفال الذين عانوا خسائر وأحداث مؤلمة، لكنهم استطاعوا التغلب على تلك الصعوبات بمساعدة أسرهم والمجتمع المحيط، وهم بيئة المقاومة. كما أن البعض منهم يظهر قدرات استثنائية في تجاوز الظروف واستمرار تعليمهم، وتقديم الدعم لأقرانهم الذين يمرون بتجارب مماثلة. الصمود لا يعني فقط تحمل الصعاب؛ بل البحث عن الأمل وبناء مستقبل أفضل على الرغم من كل شيء.
سارة طفلة في العاشرة من عمرها، تنحدر من قرية بليدا في الجنوب المناضل الحبيب. سرقت منها "إسرائيل" أغلى ما تملك؛ أضاعت لعبتها المفضلة التي اشتراها لها والدها الشهيد قبل أن يستشهد، وهو يدافع عن أرض الوطن، عندما ضربت "إسرائيل" غارات معادية قريتها التي كبرت ولعبت ودرست في ربوعها وبين حواريها. روت لنا سارة من ذكرياتها قبل الحرب:
في الصباح تلتقي بأصدقائها، ويذهبون معًا إلى المدرسة، ويعودون ظهرًا بعد يوم حافل بالدروس والنشاطات التعليمية. وكانت من وقت إلى آخر يأخذها معه إلى المقبرة حيث مرقد أشرف الناس الشهداء الأطهار كما لقبهم سيد الانتصارات وسيد القلوب وسيد شهداء على طريق القدس السيد حسن نصر الله (قده) ؛ ليقصّ عليها أنهم رفضوا المذلة والخضوع للشيطان الأكبر، ولم يبيعوا شرفهم وتمسكوا بطريق الحق فجاهدوا واستبسلوا بالدفاع عن دينهم ووطنهم بكل عزة و كرامة على نهج الإمام الحسين (ع) وأصحابه ..
لكن الآن لم يعد لــــ"سارة" مدرسة تذهب إليها؛ فباتت تسكن وأهلها في "مدرسة زقاق البلاط " بعدما دمر الصهاينة منزلها، والجامع أصبح خيمة يصلون فيها رجال القرية.. أمّا المقبرة فقد احتضنت الكثير من الشهداء الأبرياء وهم أصدقاء سارة في المدرسة والحيّ .. ومحت الحرب ملامح القرية، ولكن لم تستطع محو كلام والد سارة ودروسه من وجدانها.. فبالرغم من كل المعاناة التي واجهتها إلّا إنّها تسعى لتحقيق حلمها بأن تصبح معلمة.. العقيدة والإيمان ظلا ثابتين في عقل سارة ومن نجا من أصدقائها الصغار الشجعان ليكملوا المسيرة وينقلوا ثقافة "هيهات من الذلة"، هاتفين بأعلى الأصوات: "لبيك يا حسين .. لبيك يا نصر الله ".
قصص هؤلاء الأطفال، مثل سارة وغيرها، الصامدون تُظهر قوة ارادتهم على البقاء وقدرتهم على التكيف مع الظروف الصعبة. ونحن نشاهدهم على شاشات التلفزة
في كل قصة، كان هناك دعم نفسي واجتماعي أساسي، سواء من خلال الأسرة أم المجتمع، أم المبادرات المجتمعية التي تساعد في تمكين الأطفال وتقديم الرعاية اللازمة لهم. هذه القصص تُعد تذكيرًا بأن الصمود لا يعني فقط تحمل الصعوبات، بل يتطلب إيجاد معنى وأمل وسط تلك الظروف.
قصص وتجارب صمود الأطفال النازحين مليئة بالدروس والعبر، وتسلط الضوء على قوة الإرادة والعقيدة عند هذا الشعب المقدام بالرغم من قسوة الظروف.
الأطفال النازحون يعلموننا أهمية الصبر في مواجهة الصعاب والتكيف مع الظروف المتغيرة. على الرغم من خسائرهم الكبيرة، إلا أن قدرتهم على العودة إلى الحياة اليومية والتعامل مع التحديات تمنح الأمل في التغلب على المصاعب بالرغم من المآسي، يتمسك الأطفال بالأمل، ويحلمون بغد أفضل.
صمودهم يلهمنا بأنّ الإيمان بالمستقبل والسعي لتحقيق الأحلام يمكن أن يكون دافعًا قويًا للاستمرار في مواجهة الظروف العديد من الأطفال النازحين يركزون على مواصلة تعليمهم بالرغم من كل العوائق. فالتعليم يعطيهم الفرصة لتغيير مصيرهم، ويعزز ثقتهم بأنفسهم. في الكثير من الحالات، يتولى الأطفال دورًا قياديًا رغم صغر سنهم، فيصبحون قدوة لأقرانهم أو لأفراد مجتمعهم. القصص تعلمنا أن الأطفال ليسوا مجرد ضحايا، بل يمكنهم أن يكونوا قوة دافعة للتغيير الإيجابي.
هناك العديد من الدروس المستافدة من هؤلاء الأطفال فهم استطاعوا بالرغم من صغر سنهم توصيل رسالة مهمة للجميع ، وهي أن التحديات ليست النهاية، بل يمكن أن تكون مصدرًا للنمو والانطلاق من جديد على نحو أقوى وأفضل.. إنّ الأمل والمقاومة يمكن أن يتغلبا على أصعب الحروب، يتجاوزون الصعوبات، والتي تمنحهم خبرات حياتية ودروسًا في تحمّل المسؤولية والمواجهة بشجاعة ..اليوم؛ هذه الحرب والصمود فيها تربي جيلاً مناضلًا شجاعًا يفدي المقاومة بأغلى ما يملك.
أفضل كتب الخيال للمراهقين هي تلك التي تأسر القراء بسحرها وغموضها ووحوشها.
تعد القراءة ومطالعة القصص عاملًا مهمًا في تنمية وعي الأجيال الثقافي والمعرفي.
فيبو تشاهد كثيرًا قصصًا على الآيباد الخاص بها.. لكن هذه القصة أصابتها بالرعب.. فماذا حدث؟
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال