خاص "موقع أمان الأطفال"/ د. ميرنا عطية
رئيسة الجمعية العلمية لخبراء المعلوماتية
يمتلك العدو الإسرائيلي، اليوم، أدوات تكنولوجية وخوارزميات متقدّمة تستخدم الذكاء الاصطناعي للتجسس علينا بواسطة هواتفنا الذكية. وتساعد هذه التقنيات العدو في تحديد ضحاياه. ولعل أهم مخزون لبياناته هو المخزون الذي يحصّله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الواتساب، وهو التطبيق الأكثر استخدامًا في لبنان للتواصل بين الناس.
تشكّل وسائل التواصل مساحة واسعة من عالمنا وحياتنا اليومية، وممّا لا شكّ فيه أن فيها العديد من الإيجابيات من جهة القدرة على التواصل ومهارة الحصول على المعلومات المفيدة وإمكان إيصال صوتنا للعالم أجمع، وغيرها من الإيجابيات. ولكنها اليوم، باتت سلاحًا موجهًا نحونا وعلى عدة جبهات، وجزءًا من الحرب الإعلامية والنفسية والأمنية وحتى العسكرية الموجهة ضدنا، والتي بالرغم من خطورتها في ظل تطور تكنولوجيا المعلومات والخوارزميات، نجد أنفسنا مضطرين لاستخدامها.
تتمثل الجبهة الأولى لسلاح وسائل التواصل بالحرب النفسية التي يستخدمها العدو بهدف إضعاف عزيمة المقاومين والنيل من ثقة الناس بهم، فيعمل على تسخيف ضرباتهم في مقابل تبيان قوته، محاولًا إحباط جهود المقاومة وزعزعة بيئتها. وتتمثل الجبهة الثانية بحرب تناقل المعلومات المشبوهة والمضللة ونشر الشبهات في مقابل نصرة الحق.
أما الجبهة الثالثة؛ فتتمثل بالحرب الثقافية (الحرب الناعمة) الموجهة ضد الأخلاقيات والقيم والفطرة السليمة التي فطرنا الله علينا. من هنا، نجد أن دورنا الحقيقي والمفيد في هذا المجال، أن نعمل على جبهات مضادة، بأدوات ووسائل عدونا ذاتها، ولكن ليس على منوال طريقتهم التي تعتمد الكذب والخداع. فمن الجيد أن نوعّي وننشر بكل ما نملك من وسائل ومهارات، سواء بالكتابة أو الرسائل الصوتية أو الفيديوهات أو البوسترات أو الإنفوغراف أو الصور، ولكن بذكاء، بتشفير بعض المصطلحات أو استبدالها بكلمات أخرى ذات المعنى نفسه، لأن أصحاب شركات وسائل التواصل يحجبون رؤية بعض المنشورات أو يحذفونها أو حتى يحذفون الحسابات التي تقوم بنشر ما ليس على هواهم؛ ولأنّ لديهم خوارزميات تحظر استخدام بعض المصطلحات والصور، للعمل على حرب نفسية مضادة وتحفيز بيئتنا ومجتمعنا وتقوية عزيمة كل من يتعرّض للأذى النفسي أو الجسدي أو المعنوي أو المادي أو الروحي، ودعوتهم للجوء إلى الله ورسوله والأئمة الميامين - عليهم أفضل الصلاة والسلام- هذا من جهة.
من جهة أخرى، وفي مقابل نشر الشائعات والشبهات والأضاليل، يمكننا نشر ما يصححها ويعيد توجيه بيئتنا نحو المسار الصحيح، بل ويجب العمل على تبيان الحقائق لكل الناس لتكون مستندًا وشاهدًا مقرونًا بالأدلة والبراهين والمنطق.
أما فيما يتعلق بالأخلاقيات، بإمكاننا ومن واجبنا أن نقدّم للناس قيمنا وأخلاقيات الدين المحمدي الأصيل، وبشكل واسع النطاق، حتى لا تتلوث بيئتنا بما يبثونه لمجتمعنا من سموم تزيحنا عن فطرتنا الإنسانية. كما علينا أن نوعي العالم بأسره إلى خطورة ما يدعون الناس إليه، عنيت بذلك موضوع الشذوذ وموضوع النسوية وموضوع العلمانية وغيرها من المواضيع التي تشكك بمعتقداتنا وفطرتنا وتفتك بالفرد والأسرة والمجتمع على حد سواء.
أما على الصعيد الأمني، يعمد العدو إلى وسائل تكنولوجية متطورة لاختراق أجهزتنا الذكية وصفحاتنا الاجتماعية ليترصّد أي معلومة قد تفيده في تحديد أهدافٍ جديدة... وأي اختراق أمني أو معلوماتي قد نكون نحن مسؤولون عنه، بطريقة أو بأخرى. فعندما نتواصل مع أحد ونقول أو نكتب معلومة، سواء عن أماكن وجودنا أو عن شيء رأيناه في منطقتنا أو عن شخصية معيّنة أو عن أمرٍ نعرفه ونراه تافهًا، كل هذه المعلومات قد تكون بمثابة إخبار للعدو يستفيد منها لتحديد أهدافه القادمة. فهو يجمع كل هذه الداتا في حاسوب ضخم، يعمل من خلال برامج وخوارزميات متقدمة تقوم بتصنيف المعلومات، ما يفيده وما لا يفيده، وخلق ملفات تخص كل شخص لتحديد انتمائه واهتماماته وليقرر كيفية التعامل معه، فإمّا أن يتخلص منه أو أن يجنده لمصلحته، أو يتركه وشأنه.
عندما تتحدث مثلًا مع أحدهم عن شيء تحبه ولا تستطيع شراءه، سيارة معينة على سبيل المثال،، هذه المعلومة يستفيد منها العدو لمحاولة تجنيدك، وليس بالضرورة بطريقة مباشرة، فقد يبدأ معك بعرض عمل في مقابل السيارة التي تحبها، وبعدها يستدرجك لأعمال تجسسية عبر تهديدك بأنك عملت معه سابقًا وأن لديه إثباتات على ذلك (المحادثات بينكما، المبلغ أو المبالغ المرسلة لك من قبله). وهنا، عليك ألّا تخاف من التهديد وتبلغ المعنيين فورًا، وإلا فسيحولك العدو لعميل لمصلحته.
عندما تنشر الصور والفيديوهات الخاصة بأشخاص استهدفوا أو أماكن ضُربت أو ربما ينوون ضربها، ونحن لا نعلم؛ فصحيح أنّ لدى العدو تكنولوجيا عالية الجودة مبنية على الذكاء الاصطناعي ولديه الأقمار الاصطناعية المتطورة، إلا أنها قد لا تدله احيانًا على التفاصيل الدقيقة والضيقة للمواقع أو لوجوه الأشخاص. وبنشرنا لهذه الصور والفيديوهات نكون قد قدمنا له معلومات أدق وساعدناه في الحصول على المعلومة بشكل أسرع. كذلك العدو يستطيع أن يعرف من أين يجري تصوير هذه الصور أو المقاطع من خلال بعد المشهد أو قربه ومن خلال دقة الصورة، وقد يستطيع التعرف إلى بصمة صوت المصور، فيصبح المصور نفسه هدفه التالي.
في هذا الإطار نفسه، يعمد العدو أحيانًا لكب معلومة خاطئة عن شخص ما يريد أن يعرف مكانه مثلًا، ونحن، ومن دون قصد، ولكي نقول أننا نعرف المعلومة الصحيحة، نقوم بتصحيحها وبإعطاء معلومات إضافية واحيانًا نضيف أدلة وتحليلات عبر صفحاتنا وحساباتنا، (وقد لا تكون تحليلاتنا صائبة فيتعامل معها البرنامج على أنها معلومة حقيقية، فيستفيد العدو منها ونكون السبب في هدر دم أحدهم.
في سياق آخر، تعمد بعض وسائل الإعلام المعادية أو بعض الأفراد أو الشخصيات المعروفة والمؤثرة أو بعض من هم في موقع القرار إلى تمرير معلومات كاذبة للعدو عن أماكن وجود مسلحين أو وجود سلاح في بعض أماكن النزوح. وقد فوجئنا بهذا النوع من السلوك خلال حرب تموز 2006، وها هو اليوم يتكرر، بل ويروّج له بعضهم، بأن المسعفين مثلًا هم من المسلحين ويدعون العدو لضربهم، وقد أدى هذا الادّعاء لاستشهاد عشرات المسعفين، ويكون هؤلاء المروجون قد أعطوا تسويغًا للعدو بضربهم. ثم يعمد الناس بنشر هذه الاخبار على أوسع نطاق، علّها تصل إلى المعنيين ويتخذون إجراءً ضد المروجين للأخبار الكاذبة. وهنا يجب الانتباه إلى أن العدو قد لا يكون قرأ أو التفت لهذا المنشور أو ذاك، وبسبب نشرنا له بشكل كبير، أسهمنا بوصوله لعدونا بسرعة، وكنا، ومن غير قصد، مشاركين في سفك دم الأبرياء.
لذلك، في حال قرأنا مثل هذه المنشورات المشبوهة والمضللة، يتوجب علينا إبلاغ الجهات المعنية فقط (جهات أمنية مختصة)، أو إرسال المنشور إلى شخص مسؤول نثق به وبقدرته على التحرك للتصرف ولمحاسبة الجاني، ومن دون شوشرة.
صحيح أن عدونا لديه تقنيات عالية وبرمجيات متطورة، ولكن مقاومتنا أيضًا لديها أجهزة ذكية، مثل المسيّرات والصواريخ الدقيقة، وتستخدم بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي. وقد أذهلت هذا العدو بدقة رمياتها. وهي تملك أيضًا أمورًا مهمة يفتقر إليها العدو: تمتلك إيمانها الفعلي بالله- عزّ وجلّ- وتوكلها وتسليمها له، تمتلك يقينها بوجودها في جبهة الحق، وهي صاحبة هذه الأرض ولن تتركها مرتعًا لمن يريد، وتمتلك بيئة حاضنة صابرة محتسبة ومناصرة لها ولكلمة الحق، لذلك فلا خوف من التقنيات الذكية.
لكن هذا لا يعني ألّا نحذر وألّا نعمل بكل أسباب حفظ هذه المقاومة وحفظ هذه البيئة والباقي نتركه على الله. ومن أهم أسباب حفظها حسن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لحماية بياناتنا ومعلوماتنا وأنفسنا وشبابنا وبيئتنا، فلا نقول ولا ننشر معلومات تفيد العدو، ولا نفعّل زر موقع وجودنا (Location) طوال الوقت أو زر البلوتوث أو أي شيء يعطي إشارة على أجهزتنا الذكية من دون أن نكون بحاجة إليه، ولا نترك عدسات كاميرات أجهزتنا مكشوفة، ولا نثبّت كاميرات موصولة بالإنترنت في محيطنا فقد يخترقها العدو ويستفيد منها لجمع المعلومات. وكل من يرى نفسه في دائرة الخطر، من الأفضل له أن يبتعد عن كل أجهزة الاتصال الذكية.
يعمد العدو إلى وسائل تكنولوجية متطورة لاختراق أجهزتنا الذكية وصفحاتنا الاجتماعية ليترصّد أي معلومة قد تفيده
لماذا نترك المنصّات العالمية لمواقع التواصل لاجتماعي تتحكّم بمنشوراتنا..ألا يمكننا في العالم العربي صنع منصاتنا الخاصة؟
"قناة طه للأطفال" تصرّ على تقديم برامجها التي تهدف إلى إدخال البهجة على قلوب الأطفال المتأثرين بالحرب
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال