"شادو بان".. سلاح في يد منصات التواصل لإسكات المستخدمين

تحولت منصات التواصل الاجتماعي المختلفة سواءً كانت نصيّة من أمثال "فيسبوك" أو "إكس" أو مرئية مثل "إنستغرام" و"تيك توك" إلى ركن أساسي في حياة المستخدمين، وذلك وفق العديد من الإحصاءات المتعلقة بمعدل استخدام منصات التواصل الاجتماعي، ومن ضمنها الدراسة التي نشرتها جامعة "ماين" (Maine) مؤخرًا، إذ أشارت الدراسة إلى وجود 4.8 مليارات مستخدم لمنصات التواصل الاجتماعي بمعدل 59% من إجمالي سكان كوكب الأرض و91% من مستخدمي الإنترنت حول العالم.

ورغم غياب الإحصائيات عن عدد المنشورات التي تتم مشاركتها عبر منصات التواصل الاجتماعي بأنواعها المختلفة، فإن حجم المستخدمين الهائل يشير إلى وجود الملايين من المنشورات يوميًا، وبسبب صعوبة مراقبة ملايين المنشورات بشكل يدوي، بزغت الحاجة لتطوير الذكاء الاصطناعي والخوارزميات لفرز وتنقيح هذه المنشورات من أجل تعزيز ظهور المنشورات المناسبة وإخفاء المنشورات غير المناسبة أو السيئة من وجهة نظر المنصة.

وإذ تمتلك منصات التواصل الاجتماعي قوانين مجتمعية وضعت لمراقبة المحتوى وحذف ومعاقبة من يسيء استخدام المنصات لنشر محتوى ضار عبر حظر الحساب أو إيقافه تمامًا، فإن بعض أنواع المحتوى المشارك تقع في منطقة رمادية، إذ إنه لا يخالف القوانين والقواعد بشكل مباشر حتى يتم حظر صاحبه، ولكنه أيضًا لا يتماشى مع سياسات الشركة مهما كانت، لذا ظهرت الحاجة إلى مفهوم "شادو بان" (Shadow Ban)، وهو الحظر الخفي الذي لا يعيق المستخدم من الوصول إلى المنصة.


ما الحظر الخفي "شادو بان"؟

وفق صفحة "غوغل" لتتبع الصيحات عبر محرك البحث، فإن مفهوم "شادو بان" ظهر للمرة الأولى في نهاية عام 2016، وبدأ باكتساب شعبية عالمية بحلول أغسطس/آب 2017، وفي المنطقة العربية، بدأ المفهوم باكتساب شعبيته عام 2020.

ورغم هذه الشعبية، فإن فكرة "شادو بان" تظل حتى اليوم أسطورة شعبية منتشرة بين مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، ففي حين ترفض الشركات تأكيد وجودها، يؤكد خبراء التواصل الاجتماعي والتسويق الرقمي من أمثال نيل باتيل على وجودها وعلى وجود قواعد بعينها تجعل الحسابات تقع فيه.

ويعد الحظر الخفي أحد أهم وأقوى أساليب العقاب التي تستخدمها منصات التواصل الاجتماعي لتقويض وصول المحتوى الذي يخالف السياسات العامة للمنصة لمختلف المستخدمين حول العالم، ورغم أن هذا المحتوى لا يخالف السياسات بشكل كاف ليتم حظر الحساب بشكل كامل، فإن المنصات ترغب في منع انتشار بعض المنشورات بعينها بشكل خفي.

بالطبع ترجع الشركات هذا الأمر إلى مخالفة معايير المجتمع والنصائح العامة التي تقدمها لكل منصة على حدة حول آليات التعامل مع خوارزميات المنصة وجعلها تنشر المحتوى وتروج له، ويعد مفهوم "شادو بان" موجودًا في جميع منصات التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها، سواءً كانت "فيسبوك" أو "إكس" أو "تيك توك" أو إنستغرام" أو "يوتيوب" وحتى محرك بحث "غوغل".

ويختلف الحظر الخفي عن الحظر الكامل في أن المستخدم يستطيع الوصول إلى المنصة بشكل كامل واستخدامها بشكل كامل وحتى مشاركة بعض المنشورات عبرها، ولكن في النهاية، فإن هذه المنشورات لا تصل إلى جميع المستخدمين ولا تحصل على فرصة عادلة أمام الخوارزميات، أي أن هذه المنشورات لا يتم نشرها عبر الخوارزمية، وربما لن تظهر حتى للأصدقاء المقربين والمشتركين مع المستخدم الرئيسي، وذلك وفق ما يراه خبير التسويق الرقمي نيل باتيل في تدوينة عبر موقعه الرسمي.


لماذا تلجأ المنصات إلى "شادو بان" بدلًا من الحظر المعتاد؟

من أجل فهم دوافع منصات التواصل الاجتماعي المختلفة لاستخدام هذا الأسلوب، يجب النظر إلى الأهداف التجارية لهذه المنصات، فرغم أن استخدام معظم مزايا منصات التواصل الاجتماعي يعد مجانيًا، فإن هذه المنصات تعتمد على الإعلانات الممولة وحملات الترويج المدفوع لتحقيق الأرباح.

لذا يجب على إدارة هذه المنصات الموازنة بين جانبين متضادين، الأول، وهو المستخدمون الذين تظهر لهم الإعلانات، إذ يجب إرضاؤهم وعرض المحتوى الذي يجذبهم ويحافظ عليهم داخل المنصة، فضلًا عن الحفاظ على رغبات المعلنين ومنع أي محتوى قد يرونه ضارا بهم ومخالفا لمعاييرهم الخاصة.

وإذا قامت المنصات بحظر أي حساب يتعارض مع المعلنين، فإن هذا يؤدي إلى نفور عام من المنصة وهجرة للمستخدمين إلى أي مكان آخر يقدم حرية رأي أو يلبي احتياجاتهم، مما يضر في النهاية بمصالح المعلنين والمنصات، وإذا تركت المنصات هذا المحتوى المخالف للمعلنين ينتشر بشكل كبير، فإن المعلنين يبتعدون عنها ويتجهون إلى منصات أخرى، مما يضر بأعمال المنصة.


كيف يمكن اكتشاف "شادو بان"؟

رسميًا، لا توجد طريقة واضحة لاكتشاف وضع "شادو بان"، وذلك لأن المنصات لا تعترف بوجوده من الأساس، ولكن يمكن استنتاج ما يحدث عند مراقبة التحليلات المكثفة للمنشورات المختلفة، فإذا لاحظ المستخدم أن بعض منشوراته لا تصل إلى المستخدمين كما كانت، أو أن معدل التفاعل ووصول المنشورات انخفض رغم الحفاظ على جودة المنشور ومحتواه، فإن هذا يؤكد وجود "شادو بان".

وتنطبق هذه الطريقة على جميع منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، سواءً كانت لمشاركة مقاطع الفيديو أو مشاركة الصور أو النصوص، وتجدر الإشارة إلى أن بعض المستخدمين طوروا أدوات لاكتشاف هذا الحظر الخفي، ولكنها لا تفلح مع جميع الشركات ولا يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل.

 


المصدر : الجزيرة