خاص موقع أمان الأطفال/ د. محمد باقر كجك
دكتوراه في تطوير المناهج التربوية، وباحث في مركز الأبحاث والدراسات التربوية، بيروت.
تعتمد التربية على أسسٍ معرفيةٍ دقيقةٍ تحدد موقف المربين من الأطفال والمتربين عمومًا، وتساعدنا في فهم هويتهم الوجودية والإنسانية وكذلك الأهداف التي ينبغي تربيتهم للوصول إليها. ومعرفة هذه الأسس تؤثّر في مجملها على العملية التربوية والأساليب التي ينبغي اعتمادها، وفي تفادي العديد من المعوقات التي تظهر، وكذلك المؤثرات التربوية المريبة الوافدة على الحياة التربوية الإيمانية.
من هذا الباب، نتعرَّض إلى مجموعة من هذه الأسس، في مقالاتٍ متتابعةٍ، لنضع بين المربّين هذه المفاتيح المهمّة والضَّرورية.
أولًا- الأطفال هبةٌ إلهية
الفكرة في التربية، تشبه الفكرة في الزراعة.
كلاهما، يستفيدان من عوامل مختلفة، فالمزارع يستفيد من: التراب، الماء، الشمس، المغذيات، ويده وعقله، في إنباتِ كل شيءٍ من التّربة. هناك، مسارٌ وسلسلةٌ من العلل إذا ما تموضعت في مراتبها المطلوبة، فإنها ستصل إلى الغايات المنتظرة من هذا التركيب العللي. وتربيةُ الإنسان لا تخرج عن هذه القاعدة السببية بشكل عامٍ، بل إنّ أهل الخبرة في التربيةِ يؤكدون، في كثير من تجاربهم فعلاً، على وجود هذا النسق الرياضي في التربية بما يشبه القواعد المنطقية الضرورية.
لذلك، ربطَ كل المسار التربوي الواجبِ اتّباعه مع مفاهيمه وقواعده وقوانينه وأدواته، بالمصدر الأساسِ لها، هو أمر ينبغي أن يكون شاغل بالِ كلِّ المربّين والمتربّين معًا. ونحنُ، وعلى خلاف الاتجاهات التربوية المعاصرة، نؤمن بأن العودة إلى الله تعالى هي نقطةُ الانطلاق الضرورية لنا.
على سبيل المثال، نحن نعتقدُ أنَّنا مخلوقون لله، فهو الذي يعرف تكوننا النفسي والجسدي والمعنوي، والدنيوي والأخروي والغايات والأهداف التربوية (وغيرها) التي ينبغي السير نحوها. لذلك، جهّزنا الله تعالى بالأدوات المناسبة كافة للوصول إلى هذا الهدف، لمعرفته الدقيقة بما يناسب ذلك. فنحن نفهم التربية بكونها ذلك "الفنّ" القائم على بذل المربّين الجهد، أيّا كانوا، في الأسرة، والمدرسة، والمسجد .. بتوفير كل الأدوات المناسبة للمتربين من أجل الوصول إلى الأهداف التي وضعها الله تعالى للإنسان.
هذه الرؤية في فهم العلاقة مع الله، تضع الإنسان أمام معطىً عميقٍ ودائم للمسار التربوي الذي يعيشه في كل حياته. لقد ورد في الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنّه قال: "الوَلَدُ الصّالِحُ رَيحانَةٌ مِنَ اللّه ِ قَسَمَها بَينَ عِبادِهِ، وَإِنَّ رَيحانَتَيَ مِنَ الدُّنيا الحَسَنُ والحُسَينُ، سَمَّيتُهُما بِاسمِ سِبطَينِ مِن بَني إسرائِيلَ : شَبَّرا و شَبيرا"[1]، وأنه قال: "إنَّ الوَلَدَ الصّالِحَ رَيحانَةٌ مِن رَياحينِ الجَنَّةِ"[2]. حيثُ تشير الرواية الأولى بجمالٍ لا حد له، إلى كون الطفل والولد الصالح هو "ريحانةٌ" من الله.
إن المربّي الأصيل، ينظر إلى مصطلح "ريحانة من الله" بنظرةٍ حقيقيةٍ، ويفهمه فهما واقعيًا لا مجازيًا. فالطفل، بين يدي المربي الأصيل، يتحول من مجرد كائن من المادة، إلى مخلوق جميل من الله تعالى، وهو في جوهره ريحانةٌ، أي مكوّنٌ تكوينا جماليًا كالورد. فيلزم من ذلك أن يتعامل المربي معه، كما يتعامل الإنسان مع الورد، برقة ولطف وتغذية دائمةٍ، ونزعٍ لكل الشوائب والأعشاب الضارة التي تنمو على جذعها، كي تنمو وترتفع.
كذلك، الريحانة، ورد تفسيرها، بالرزق تارة وبالرحمة تارة أخرى. ويعني ذلكَ، أن وجود الطفل بين يدي المربي، هو أحد مسببات الرزق المعنوي والمادي من الله تعالى على المحيطين بالطفل، وبالتالي يلزمُ على المربي رعاية هذا الرزقِ الإلهي الجميل، بأفضل أنواع الرعاية، والذي يحتاجُ بدوره إلى علمٍ دقيق وفنٍّ مبدع في التعامل مع الطفل. ومن جهة أخرى، الريحانة بمعنى الرحمةِ، تعني ضرورةَ أن يقدّم المربي كل ما يمكنه تقديمه للطفل من باب أن الطفلَ محتاجٌ وضعيفٌ وناقص في كثير من قواه الجسدية والمعنوية، فيقدّم المربي كلّ ما يمكنه سدّ النقص في الطفل: وهو معنى الرحمة.
الرّواية الثانية، تدلّ على هذا المعنى، في كون الطفل ريحانة من رياحين الجنة، كون الغاية والنتيجة التي سيكون عليها في ما لو تمت تربيته تربية صالحة فيدخل الجنة، أو أنَّه على المستوى التكويني هو مشتقٌّ من ورود وأزهار الجنّة! فالمربّي هو أمام هذه المحدّدات المعرفية الإلهية لنوع التعامل مع الأطفال، وهي خاصيّةٌ دقيقةٌ تتمتَّع بها المدرسة التربوية الإسلامية في نظرتها للأطفال.
ثانيًا: التَّربية على التَّوحيد
يُشتقُّ الحبُّ من المعرفةِ، فكلّما تحدَّدت خياراتنا المعرفية تجاه الأشياء والموجودات، صار الحبُّ أكثر وضوحًا وقوةً وحضورًا.
يعلّمنا أهل البيت(ع) السَّبب المطلوب لحبّ الأطفال، وهو وجود خاصيةٍ تكوينيةٍ في الأطفال يمتازون بها وهي أنهم مفطورون على توحيد الله. والمقصود من كونهم مفطورين على التوحيد، هو سلامة ميولهم الأساسية من أن تكون متأثرةٍ بالشرك والشك والخبث والشر، فهي تميل وتتجه بالأصالة إلى الله تعالى مع كل ما ينتجه هذا الميلُ من خيرٍ وقيمٍ توحيدية "فطرية".
لذلك، الأطفال في نظرتنا الإسلامية، هم على صورةِ التوحيد في أكثر درجاتها نقاوةً من الملوّثات، ونحن نعرف أن الفطرة في فلسفة المعرفة الخاصة بنا، هي إحدى مصادر المعرفة التي نعتمد عليها في الاستدلال على وجود الله تعالى. والمعرفة أساس الحب، ولذا جاءت الرواية عن الإمام الصادق -عليه السلام- في تخصيص الحب للأطفال لكونهم مفطورين على التوحيد، فقد جاء عن أبي عبد الله -عليه السلام- أنه قال: "قال موسى بن عمران عليه السلام يا رب أي الأعمال أفضل عندك فقال حبّ الأطفال فإنّي فطرتهم على توحيدي"[3].
لذلك، على المستوى التربوي، يمكن من خلال هذا السياق التأكيد على الدور العظيم للمربّي في اتجاهين:
أولًا: ممارسة الأساليب التربوية كافة الكفيلة في إزالة المؤثرات التربوية والمعرفية والنفسية والوجدانية التي تكون من مصادر حضارية وثقافية مشبوهة، خصوصًا ما تحمله رياح الغزو الثقافي والحرب الناعمة من سلوكات وأنماط تفكير تعلي من قيمة الشهوات المادية واللهو المتطرف والسلوك المادي الاستهلاكي المفرط، حيثُ تتشكل شخصية الطفل تحت هذه التأثيرات في إطار ماديٍّ غير عقلاني يدور حول محورية الجسد واحتياجاته الفردانية القصوى.
ثانيًا: احترام الطفلِ لخصوصية الفطرة التوحيدية التي فيه، ووتنميتها من خلال القصص من وحي سيرة الأنبياء وأهل البيت -عليهم السلام- وتعزيز التوجه القيمي نحو الخير والصلاح، والتدرج في تعريف الطفل على امتلاكه لخاصية التوجه التوحيدي الفطري فيه بحسب نموّه المعرفي ولياقاته الفكرية والمهارية. وأقصد من ذلك، أنْ يصل الطفل –تحت نظر المربي- إلى مرحلةٍ يعتزُّ فيها ويقدّر امتلاكه لهذه الخصوصية التكوينية، ويعمل على الاستفادة منها في مسيره التكاملي المتدرج نحو البلوغ، تحت نظر ورعاية المربي الأصيل.
إنّ هاتين الخصوصيتين الأصيلتين، في نظرتنا نحو الطفل، تجعل مهام المربي في مدرستنا التربوية عظيمة جدًا، لخصوصية المصدر الإلهي في هذه الرؤية، ولكون الطفلِ فيها يحتلّ مكانة متميّزة على مستوى العمل الموصل إلى الله، كما مرّ في رواية الصادق -عليه السلام- بأنّ حبّ الأطفال هو أفضل الأعمال عند الله. ويكفي، أن نعرف أن الحبَّ يحتاج إلى المعرفة كما مر، ويحتاجُ إلى فنٍّ من الفنون الجميلة في رعاية هذا التكوين الجمالي الإلهي الفريد الخاص بالأطفال.
يجب على الأم أن تهتم بكل خطوة تقوم بها مع طفلها في سنتي المهد، وما تحت سن ثلاث سنوات
تخيل نفسك أبًا حازما ولكنك عادل، هذه هي صفات الأب المتسلط، الذي يضع حدودًا واضحة بينما تغذي استقلالية الطفل
صدرت في روسيا كتب مدرسية جديدة لتعريف الطلاب على تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها.
2024 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال