تدريب الطفل الرضيع على النوم: الانعكاسات النفسية والعاطفية

تدريب الطفل الرضيع على النوم: الانعكاسات النفسية والعاطفية

يوصي الخبراء بتلبية حاجات الصغار العاطفية والجسدية

يحتدم النقاش عند طرح مسألة تدريب الطفل على النوم من الأسابيع الأولى من عمره: فبين من يدعم نظريات فصل الطفل عن الأم، وآخرين يؤيدون التواصل الجسدي بينهما، تطوَّرت نظريات عدة، بعضها يعود إلى القرن الـ 19 وعشرينيات القرن الماضي، وبعضها الآخر يفتقر للتجارب الكافية. فما هي هذه النظريات؟ وكيف تنعكس على صحة الأطفال؟

بدايةً، تُعرِّف منظمة كليفلاند مصطلح «التدريب على النوم» بأنَه تعليم الطفل على اكتساب مهارة الخلود للنوم من دون دعم أو مساعدة من الأهل أو مقدّمي الرعاية. وقد نشرت نظريات (أو مقاربات) عدّة تختلف بالتفصيل وتشترك بمبدأ أساسي: يخلد الطفل إلى النوم وحده ومنفصلًا عن الأهل. ويستهدف هذا التدريب الرُّضَّع والأطفال حتى ما يقارب عمر الـ 6 سنوات.

بدأ الحديث عن مسألة «تدريب الطفل على النوم» على أساس فصله عن الأهل في القرن الـ 19. في ذلك الوقت، غابت الدراسات عن أهمية الاتصال الجسدي بين الأطفال وذويهم، وضرورة دعم رابط الأمومة عبر التلامس والحواس الأخرى وإشباع الحاجات العاطفية. نتيجةً لذلك، كانت هناك نظريات أقل إنسانية، تهدف إلى توفير قسط من الراحة للأهل في زمن الثورة الصناعية ليوم أكثر إنتاجًا، وتخفيف الاتصال الجسدي منعًا لانتقال الأمراض والعدوى.

من هنا جاءت نظريات تدريب الطفل على النوم التي سألنا الخبيرة في مجال نوم الأطفال وراحتهم (Children Sleep and Wellbeing)، ميريلا الرومي، عن انعكاساتها على صحة الصغار.

أبرز النظريات المعتمدة لتدريب الطفل على النوم

1- أسلوب البكاء حتى النوم أو Cry-It-Out Method

تعتمد هذه النظرية على تدريب الطفل على تهدئة نفسه بنفسه. يوضع الطفل في سريره عند موعد نومه ليغفو وحده، ولا يتجاوب الأهل مع بكائه أو يحملونه حتى صباح اليوم التالي.

لا شك في أنّ الطفل سيغفو عاجلًا أم آجلًا، إلا أنّ الحالة النفسية والعاطفية التي يخلد بها إلى النوم كانت لتختلف كليًا لو غفا مطمئنًا وهادئًا. تشير الرومي إلى أنّ نسبة الكورتيزول (هرمون التوتر) في جسم الطفل في هذه الحال، أي دخوله في نوبة بكاء شديدة، تكون في مستويات عالية. حديثو الولادة والأطفال في عمر الأشهر غير قادرين بيولوجيًا على «تهدئة أنفسهم»، وهي مهارة يكتسبها الطفل لاحقًا. في الواقع، ينام الطفل بسبب الإرهاق وليس لأنه «مدرَّب»، ما ينعكس سلبًا على صحة ونمو دماغه.

2- أسلوب «فيربر» أو Ferber Method

أطلق ريتشارد فيربر هذه المقاربة عام 1985. وهي مشابهة لـ Cry-It-Out، لكنها أقل صرامة وتتم تدريجيًا. عندما يحين موعد النوم، يضع الأهل طفلهم في سريره وهو واعٍ ونعس، ثم يخرجون من الغرفة. عند سماع بكائه، يعودون إليه فورًا. في الأيام التالية، يطيلون مدة الاستجابة للبكاء تدريجيًا إلى أن يتوقفوا عن العودة نهائيًا.

ورغم أن هذه المقاربة أقل حدَة، إلا أنّها لا تمنع الطفل من الشعور بالانزعاج والغضب والعزلة قبل النوم، كما تشرح الرومي. وهذا يؤدي إلى استنزاف الدعامة النفسية، ما ينعكس على استقراره العاطفي والنفسي.

3- أسلوب «الذبول» أو Fading Method

يقوم هذا الأسلوب على وجود الأهل في بقعة مرئية للطفل بعد وضعه في سريره عند موعد النوم، ثم يبتعدون تدريجيًا يومًا بعد يوم إلى أن يصبحوا خارج الغرفة. خلال هذه الفترة، لا يُسمح للأهل بتوفير أي اتصال جسدي مع الطفل. وفي حال بكائه، يكتفون بتوجيه كلمات مطمئنة من دون التحرّك من مكانهم.

تحدِّي هذا الأسلوب يكمن في غريزة الأمومة أو الأبوة، إذ يواجه الأهل صعوبة في رؤية طفلهم يبكي من دون التدخل لاحتضانه أو تهدئته. يمكن وصف هذا الأسلوب بأنّه تعذيب للطرفين!

 4- أسلوب «الحمل والوضع» أو Pick Up/Put Down Method

تعتمد هذه النظرية على حمل الطفل عند بكائه لتهدئته، ثم إعادته إلى سريره لينام وحده. لا يُسمح له بأن يغفو بين ذراعي الأهل. ورغم أن هذا الأسلوب يشدد على ضرورة أن ينام الطفل وحده، إلا أنّه يسمح بتهدئته لمنع نوبات البكاء الطويلة، ما يجعله ربما «أحنّ» أساليب التدريب.

 الانعكاسات السيكولوجية على صحة الأطفال

بحسب منظمة Pathways، فإنّ الأطفال أقل من عمر الـ 6 أشهر لا يملكون القدرة على تهدئة أنفسهم بيولوجيًا، لأنّ المنطقة المسؤولة عن تنميتها في أدمغتهم (Prefrontal Cortex) ليست مكتملة بعد.

فالصغار يبدأون باكتساب هذه المهارة مع بلوغ شهرهم السادس، غير أن العملية لا تنتهي قبل عامهم السادس

تشير الرومي إلى أنّ إلحاح الأهل على تدريب أطفالهم على النوم قد يؤدي إلى تدهور حالهم النفسية، وشعورهم بفقدان الأمان. في الحالات القصوى، قد يعاني الطفل الاكتئاب الظاهر أو الباطن، وقد يتحول النوم إلى وسيلة هروب من التوتر والحزن. كذلك، يمكن أن يعاني الطفل لاحقًا من صعوبات في بناء الثقة مع الآخرين، ومشكلات في التعبير عن عواطفه.

في هذا السياق، توضح الرومي أنّ العلاقة الصحية مع الطفل تبنى على 4 عوامل أساسية، هي:

1. التجاوب: فهم إشارات الطفل من نوع البكاء، وحركة الجسد، والنظرات.

2. الثقة: تعزيز شعور الطفل بأنّ أهله دائمًا موجودون لحمايته.

3. الإحساس بالأمان: الاستجابة لرغبة الطفل في الاحتضان والطبطبة.

4. الحب غير المشروط: الحب والعاطفة لا يفسدان شخصية الطفل؛ بل يدعمان استقلاليته وثقته بنفسه.

في كتابه The Care and Feeding of Children الصادر في عام 1890، قال إيميت هولت إنّ البكاء جيد لحديثي الولادة لأنه يساعد في توسيع الرئتين. وقد أشار إلى أنّه لا يمانع بكاء الطفل لساعة! لكم أن تتخيلوا تأثير رأي كهذا على المجتمع في القرن الـ 19، حيث ندرت الدراسات المتعلقة بتربية الأطفال.

اليوم، طريق الحب هو الأكثر أمانًا، وهو الخيار الذي لا ندم بعده. يوصي غالبية الخبراء بأنّه من الأفضل أن نؤسس لعلاقة صحية مع أطفالنا من خلال تلبية حاجاتهم العاطفية والجسدية، بدلًا من الاعتماد على أساليب قد تترك آثارًا نفسية طويلة الأمد.

مواضيع مرتبطة

5 تغييرات صحية في العام الجديد

هي عادة صحية معروفة، ولكنك لا تدرك أهميتها

التدخين وأثره على متوسط العمر

السيجارة الواحدة تقصر عمر الرجل 17 دقيقة والمرأة 22 دقيقة

السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد: محظورة في بلجيكا!

تواصل بلجيكا حماية مواطنيها من مخاطر التدخين والإدمان.

كلمات مفتاحية

صحة_أطفال