تآكل الدماغ مصطلح أكسفورد الذي يكشف تأثير العصر الرقمي في عقولنا

تآكل الدماغ مصطلح أكسفورد الذي يكشف تأثير العصر الرقمي في عقولنا

في زمن أصبحت فيه أطراف أصابعنا تجدّف بلا وجهة في بحر المحتوى الرقمي، ابتلعنا تيار السطحية وغرقنا في قاع موحل من التفاهة.

تبدأ الرحلة بمقطع قصير، ربما "ريل" عابر لا تتجاوز مدته ثواني معدودة، لكن ما تلبث أن تجد نفسك غارقا في دوامة لا تنتهي من مئات المقاطع المختزلة، تُطالع عينيك لكن لا تُغني فكرك بأي شيء.

إنه الإدمان الناعم، وبخة الدوبامين المزيفة، التي تسلب منك الوقت، وتسرق منك التركيز حتى تصبح عاجزا عن تأمل نص عميق، أو تذوّق فكرة ناضجة.

ليس غريبا إذن أن تعلن جامعة أكسفورد "تآكل الدماغ" مصطلح العام لسنة 2024. إنه اعتراف ضمني بحجم الانهيار الفكري الذي تسببه حفلة التفاهة الصاخبة على مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا التآكل لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة محكمة لوتيرة الاستهلاك السريع والمفرط التي تحدث عنها الكثير من الخبراء والكتّاب. ففي كتاب "لا تغذِّ عقل القرد"، حذرت جينيفير شانون من ترك عقولنا رهينة للملهيات السطحية.

بينما ينبهنا كارل أونوريه في كتابه "في مديح البطء" إلى خطورة العيش في عجلة لا تتيح لنا فرصة التوقف والتفكير. أما في كتاب "دماغك تحت تأثير الإباحية" فيسلط غاري ويلسون الضوء على كيف يمكن للعقل البشري أن ينحرف بسهولة أمام محفزات الإدمان السريعة، مشيرا إلى أن الإغراق في المتع السطحية يعيد برمجة أدمغتنا لتصبح أقل قدرة على التركيز، وأكثر انجذابا إلى التفاهة.

في العصر الحديث، أصبحت الأجهزة الذكية جزءا أساسيا من حياتنا اليومية، ولكن هل تعلم أن هذه الأجهزة قد تهدد صحة أدمغتنا؟


تآكل الدماغ.. كيف كشفت جامعة أكسفورد العلة؟

أعلنت جامعة أكسفورد بداية هذا الشهر أن مصطلح "تآكل الدماغ" هو كلمتها لعام 2024، وذلك بعد تصويت عام شارك فيه أكثر من 37 ألف شخص. وجاءت هذه الكلمة في مقدمة قائمة مختصرة أعدتها اللجنة اللغوية لتعكس المزاجات والمحادثات التي تشكلت العام الماضي.

وبعد مراجعة مدخلات الجمهور ونتائج التصويت، بالإضافة إلى البيانات اللغوية، تم اختيار هذا المصطلح بشكل نهائي.


آثار "تآكل الدماغ" على الصحة العقلية والعاطفية

تتجاوز عواقب "تآكل الدماغ" مجرد التشتت السطحي، إذ تمتد آثارها لتطال تفكيرنا وتركيزنا وعواطفنا بطرق عميقة وطويلة الأمد.

وبحسب تقرير نشره موقع "فوربس" (Forbes)، توجد 5 طرق رئيسية تؤثر بها الوسائط الرقمية علينا:

1- انخفاض القدرة على التركيز: يؤدي التعرض المفرط إلى المحتوى السطحي إلى إضعاف القدرة على التركيز، إذ إن هذا النوع من المحتوى المقتضب يدرب الدماغ على البحث عن الإشباع الفوري، وهو ما يجعل من الصعب التركيز على المهام التي تتطلب انتباها مستمرا، مثل القراءة أو حلّ المشكلات المعقدة.

2- تقلص التفكير النقدي: يؤدي التمرير المستمر عبر المحتوى السطحي إلى تآكل القدرة على التفكير العميق والمهارات التحليلية، حيث وجدت دراسة أجريت في عام 2023 في مجلة الطب النفسي (BMC Psychiatry) أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يعانون من "الخوف من فقدان الفرص" (FOMO) كانوا أكثر عرضة للتشتت، خاصة عندما يفرطون في استخدام هذه المنصات.

3- زيادة القلق والتوتر: وجدت دراسة نشرها موقع "تايلور أند فرانسيز" (Taylor & Francis) في عام 2022 أن استهلاك الأخبار المفرط يرتبط ارتباطا وثيقا بتدهور الصحة العقلية والبدنية، حتى عند أخذ الشخصية والعادات بعين الاعتبار، كما ترهق وتيرة الحياة السريعة الجهاز العصبي، مع تضخيم دوائر الأخبار المستمرة ووسائل التواصل الاجتماعي وثقافة المقارنات الضغط والقلق.

4- الإرهاق العاطفي: وجدت دراسة نشرتها منصة "ساينس دايركت" (Science Direct) في عام 2023 أن عوامل وسائل التواصل الاجتماعي مثل تجاوز المعلومات ومخاوف الخصوصية، إلى جانب التنمر الإلكتروني، تؤدي إلى الإرهاق العاطفي، ويمكن أن يسبب ذلك الشعور بالتخدر العاطفي أو الانفصال، مما يجعل من الصعب معالجة المشاعر أو الشعور بها بعمق.

5- العزلة الاجتماعية: أظهرت دراسة نشرتها المكتبة الوطنية للطب في الولايات المتحدة (NLM) عام 2018 أن الاستهلاك السلبي المفرط أو التجارب السلبية على الإنترنت تسهم في مشاعر العزلة. فرغم أننا متصلون بشكل مفرط، يمكن أن يتركنا الاستخدام المفرط للإنترنت نشعر بالوحدة، حيث إن التفاعلات السطحية على وسائل التواصل الاجتماعي غالبا ما تفتقر إلى عمق العلاقات الحقيقية في العالم الواقعي.

 

 

المصدر : الجزيرة

 

مواضيع مرتبطة

المراهقة بين الأمس واليوم: ملامحها في عالم التكنولوجيا والضغوط الاجتماعية 

يشهد المراهقون اليوم تزايدًا في التحديات النفسية والعاطفية بسبب الانفتاح على الثقافات المختلفة عبر الإنترنت

ما هي ظاهرة التوحد الافتراضي بين أطفال العصر الإلكتروني؟

الحرمان البيئي هو الذي يتمثل في الحرمان العاطفي والحسي واللغوي والسمعي والحركي

الأمم المتحدة: مليون طفل في غزة يحتاجون إلى دعم نفسي

"على مدار 15 شهرا في غزة، قُتل الأطفال، وتُركوا للجوع، وماتوا من البرد”.

كلمات مفتاحية

نصائح سلامة_نفسية