المراهقة بين الأمس واليوم: ملامحها في عالم التكنولوجيا والضغوط الاجتماعية 

المراهقة بين الأمس واليوم: ملامحها في عالم التكنولوجيا والضغوط الاجتماعية 

يشهد المراهقون اليوم تزايدًا في التحديات النفسية والعاطفية بسبب الانفتاح على الثقافات المختلفة عبر الإنترنت

يمر المراهق بفترة تغيرات جسدية وعاطفية ونفسية هائلة أثناء مرحلة المراهقة؛ وفي الماضي كانت هذه المرحلة معروفة بكونها فترة انتقالية بسيطة نسبيًا، تقتصر على تجارب حياتية مختلفة، ولكن اليوم أصبحت سنوات المراهقة أكثر تعقيدًا بفضل المتغيرات الثقافية والاجتماعية والتكنولوجية التي يعايشها أولادنا، وهذه التحديات تتعلق بانفتاح العالم من حولهم ومن تأثيرات التكنولوجيا ومستحدثات وسائل الإعلام، بجانب التحديات التقليدية التي كانت تواجهها الأجيال السابقة.

في هذا التقرير يتناول الدكتور محسن حجاج أستاذ البرمجيات والتكنولوجيا التغيرات بين مراهقة الأمس واليوم؟ كيف أصبح المراهقون في الوقت الراهن مختلفين عن أقرانهم في الماضي؟ وما هي التحديات التي يواجهونها في ظل هذا الانفتاح المفرط على العالم؟

التغيرات التي طرأت على مرحلة المراهقة:

التحولات الجسدية والنفسية

منذ مدة طويلة، كانت المراهقة تُعتبر مرحلة الانتقال من الطفولة إلى النضج، ومع ذلك، فقد تغيرت هذه الفترة بشكل كبير؛ في الماضي، كانت التغيرات الجسدية لدى المراهقين غالبًا ما تبدأ وتنتهي في وقت مبكر مقارنة بالوقت الحالي.

بالإضافة إلى ذلك، كانت القيم الاجتماعية والسلوكية أكثر تقليدية، حيث كانت الأسرة هي الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها المراهق في توجيه سلوكه، أما اليوم، فإن المراهقين يعانون من تحول جسدي مبكر بشكل ملحوظ. علاوة على ذلك، يشهد المراهقون اليوم تزايدًا في التحديات النفسية والعاطفية بسبب الانفتاح على العديد من الثقافات المختلفة عبر الإنترنت، والتعرض المستمر للضغوط الاجتماعية المتعلقة بالمظهر والشخصية.

الانفتاح المفرط وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي

أحد أهم الفوارق بين مراهقة الأمس واليوم هي التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين اليوم، في الماضي كانت المراهقة تقتصر على الأنشطة المحلية في المدرسة أو الحي أو مع العائلة.

أما اليوم، فأصبح المراهقون على اتصال دائم بالعالم من خلال هواتفهم الذكية وأجهزة الكمبيوتر، هذا الانفتاح على العالم أدى إلى تغيير طريقة تفكيرهم وتفاعلهم مع الآخرين.

في الوقت الحالي، يتعرض المراهقون لعدد هائل من المعلومات والصور ومقاطع الفيديو التي تُعرض لهم على منصات التواصل الاجتماعي؛ مثل "إنستغرام" و"تيك توك" و"سناب شات"، مما يساهم في تشكيل مفهومهم عن أنفسهم وعن العالم.

يختلف هذا تمامًا عن تجربة مراهقة الأمس، حيث كانت هذه الأنشطة محدودة في محيط الأسرة والأصدقاء المقربين، ومن ناحية أخرى، هذا الانفتاح قد يسبب مشاكل نفسية مثل القلق والاكتئاب بسبب المقارنة المستمرة مع الآخرين، والتعرض للانتقادات عبر الإنترنت.

المتطلبات الجديدة للمراهقين

في السابق، كانت متطلبات المراهقين أقل تعقيدًا؛ كان لدى المراهقين خيارات محدودة للتفاعل الاجتماعي والتعليم؛ اليوم من الواضح أن المراهقين يواجهون تحديات أكبر بكثير من تلك التي واجهها الأجيال السابقة.

التعليم مثلًا يعتبر واحدًا من أبرز المتطلبات الجديدة للمراهقين اليوم، وهناك ضغط متزايد لتحقيق النجاح الأكاديمي، وخصوصًا في ظل التنافس الشديد للحصول على مقاعد في الجامعات المرموقة.

علاوة على ذلك، فإن المراهقين اليوم يواجهون تحديات إضافية تتعلق بالهوية والاختيارات المهنية، حيث أصبح بإمكانهم الوصول إلى معلومات عن المهن والحرف المختلفة بسهولة عبر الإنترنت، مما قد يربكهم ويجعلهم في حالة من التشتت. إضافة إلى ذلك، فإن هناك تأثيرًا كبيرًا للمال والمكانة الاجتماعية على المراهقين اليوم، حيث أصبحت هناك موازنة بين النجاح الأكاديمي والظهور الاجتماعي.

المراهقون اليوم يواجهون تحديات تتعلق بالمظاهر الجسدية التي تتأثر بشكل كبير بالمعايير الاجتماعية التي تُروج عبر وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي.

الصراع مع الهوية الشخصية

في السابق، كان المراهقون يعيشون في مجتمع يحترم هويتهم الثقافية والدينية بشكل أكبر، وكانت معظم خياراتهم تتوافق مع القيم المجتمعية السائدة. أما اليوم، فإن المراهقين في العالم العربي وفي بقية العالم يواجهون تحديات أكثر تعقيدًا في ما يتعلق بهويتهم الشخصية، خاصة في ظل التنوع الثقافي والانفتاح على مختلف الأفكار والمعتقدات عبر الإنترنت.

من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يتعرض المراهقون لصور نمطية وأيديولوجيات قد تؤثر في تصورهم لذاتهم، هذا الصراع مع الهوية قد يكون محبطًا للغاية بالنسبة لبعضهم. كما أنه يخلق حالة من الارتباك بين الحفاظ على القيم الأسرية والاجتماعية وبين الرغبة في التكيف مع التغيرات العالمية.

تحديات المراهقين بين الأمس واليوم

التكنولوجيا والصحة النفسية

التكنولوجيا تمثل سلاحًا ذا حدين بالنسبة للمراهقين، من ناحية، تمنحهم فرصًا للتعلم والتواصل مع العالم بشكل أكثر سهولة؛ ومن ناحية أخرى، قد تساهم في زيادة القلق والاكتئاب بسبب الانفصال عن الواقع والاعتماد المفرط على الأجهزة الإلكترونية.

المراهقون اليوم يعانون ظاهرة الإدمان على الإنترنت، ما يؤدي إلى تقليل وقت التواصل الاجتماعي الحقيقي، وزيادة القلق الاجتماعي نتيجة للتفاعل السطحي على الإنترنت.

العوامل الاجتماعية والعلاقات الأسرية

تأثرت العلاقات الأسرية بشكل كبير بتغيرات المراهقة في العصر الحديث، في الماضي كانت الأسرة هي الحاضن الأول للمراهقين، حيث كان يتم مناقشة القضايا الحياتية والقرارات المستقبلية ضمن هذا الإطار، اليوم أصبحت العلاقة الأسرية أكثر تعقيدًا بسبب التغيرات الثقافية والاجتماعية، ما يجعل التواصل بين الأهل والمراهقين يتسم أحيانًا بالضغوط والتوترات.

في ظل هذا الصراع بين الأجيال، يصبح من المهم أن يعمل الأهل على تعزيز الحوار مع أبنائهم المراهقين من أجل فهم التحديات التي يواجهونها وتقديم الدعم اللازم لهم.

طرائق لمساعدة المراهقين في التكيف مع العصر الحديث

تعزيز مهارات الاتصال:

من المهم تعليم المراهقين كيفية التعبير عن أنفسهم بصدق وبطريقة بنّاءة، بعيدًا عن الانخراط في الصراعات أو الهروب إلى العزلة، ينبغي أن يشعر المراهقون بالراحة في الحديث مع أسرهم وأصدقائهم حول مشاعرهم وتجاربهم.

التوجيه نحو الاستخدام الصحي للتكنولوجيا:

يمكن للأهل تعليم أبنائهم كيفية استخدام التكنولوجيا بطريقة متوازنة، هذا يشمل تحديد أوقات استخدام الإنترنت، وتشجيع الأنشطة البديلة مثل الرياضة أو القراءة، والمشاركة في أنشطة اجتماعية حقيقية بعيدًا عن الشاشات.

الاهتمام بالصحة النفسية:

يجب أن يكون للآباء دور أكبر في متابعة الحالة النفسية لأبنائهم في مرحلة المراهقة، وتقديم الدعم النفسي لهم عند الحاجة، كما يجب أن يتعلم المراهقون كيفية التعامل مع الضغوط النفسية، والقلق الذي قد ينتج عن التحديات اليومية.

سيدتي - خيرية هنداوي

مواضيع مرتبطة

ما هي ظاهرة التوحد الافتراضي بين أطفال العصر الإلكتروني؟

الحرمان البيئي هو الذي يتمثل في الحرمان العاطفي والحسي واللغوي والسمعي والحركي

الأمم المتحدة: مليون طفل في غزة يحتاجون إلى دعم نفسي

"على مدار 15 شهرا في غزة، قُتل الأطفال، وتُركوا للجوع، وماتوا من البرد”.

كلمات مفتاحية

في السلامة الأسرية