عبّر، تكلّم .. أكتب لتتعافى .. ورشة مبادرة لتجاوز ألام الحرب عند الأطفال

عبّر، تكلّم .. أكتب لتتعافى .. ورشة مبادرة لتجاوز ألام الحرب عند الأطفال

يستمر هذا البرنامج الإبداعي ثلاثة أسابيع، مقدمًا مساحة آمنة للفتية والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا،

خاص موقع "أمان الأطفال"

أجرى الحوار/ ياسمين مصطفى الطحان

في ظل هذه الأزمات والصراعات التي تعصف بالمجتمعات، تبرز أهمية المبادرات التي تسعى إلى التخفيف من التبعات النفسية للحروب، خصوصًا عند الفئات الأكثر هشاشة وتأثرًا، مثل الأطفال والمراهقين. من هنا جاءت مبادرة "أكتب لأتعافى"، والتي أطلقتها الكاتبة المتخصصة في التربية والكتابة الإبداعية بشرى زهوة، بالتعاون مع مبادرة "كيفنا" التي أسستها المعالجتان النفسيتان حنان نصر وبراءة حاطوم.

 

 

يمتد هذا البرنامج الإبداعي على مدى ثلاثة أسابيع، مقدمًا مساحة آمنة للفتية والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا، بهدف مساعدتهم في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم عبر الكتابة الإبداعية. من خلال جلسات فردية وجماعية، حيث تسعى المبادرة إلى تقليص تأثير الصدمات النفسية وتعزيز المهارات الاجتماعية، وبناء الثقة بالنفس، وذلك بمشاركة معالجين نفسيين لضمان تقديم الدعم المناسب.

في هذا اللقاء، تحدث "موقع أمان للأطفال" مع بشرى زهوة وحنان نصر للتعرّف إلى تفاصيل المشروع وأهدافه وآلياته وتأثيره المتوقع على المشاركين، بالإضافة إلى خطط الاستدامة والتطوير للمبادرة في المستقبل.

  • كيف ولدت فكرة مبادرة "كيفنا " ومشروع" أكتب لأتعافى" ؟

قالت المعالجة النفسية حنان نصر إنّ هذه المبادرة ليست الأولى؛ بل كانوا على أهبة الاستعداد من أول يوم نزوح لمساعدة النازحين من جميع الفئات وتقديم الدعم لهم. وكانت هذه المبادرات الشعلة لبدء "كيفنا" من بعد الحرب العصيبة، حيث تعرض الناس لصدمات نفسية كثيرة . وهي بدورها معالجة نفسية يجب أن تسلط الضوء على الشق الإنساني. ولهذا جميع المبادرات مجانية والتسجيل فيها متاح للجميع، وطالت كل من يحتاج للدعم من أطفال وطلاب وسيدات ورجال .... لأنّ كل من مرّ بالحرب بحاجة للتعبير وتفريغ ما بداخله.

أما عن اختيار اسم "كيفنا"؛ تقول "نصر" لأنها كلمة من القلب للقلب تسمح للإنسان أن يعبّر عن ما في داخله. ومشروع "أكتب لأتعافى" انطلق من هذا الشق الإنساني، حيث يسمح للمشارك التعبير عن ما يشعر به الآن، ثم يسأل عن المواقف الصعبة التي مرّ بها في الحرب. وكان السؤال هو:" ما الشيء الذي ستحمله معك وتكمل به؟ " . وضحت الكاتبة بشرى زهوة أنها بدأت بمشروع "أكتب لأتعافى" لأنها في حرب تموز في العام 2006 التجأت إلى الكتابة لتعبر عمّا في داخلها، وكانت تخترع شيفرة لا يستطيع أحد فهم ما كتبت بسبب الخوف من معرفت الغير لمشاعرها. 

 

 

  • هل سيكون هناك استمرار لهذا المشروع بعد انتهاء الجلسات الحالية؟ وما الخطط لتوسيعه وتطويره؟

صرّحت المعالجة النفسية حنان نصر أن هذا المشروع هو عبارة عن جلسة لمدة ساعتين للتفريغ. كما أشادت أنا أول من تكلم؛ لأنّ هذه المبادرة ليست للمريض النفسي أو الذي بحاجة لعلاج  إنما هي لكل من مر بهذه الأزمة و يرغب بالتكلم. وإذا رغب المشارك بتكملة العلاج بشكل فردي على شكل تخصصي عليه التوجه إلى العيادة الخاصة بها.

كما تابعت :" إن شاء الله نحن متجهون للتفريغ بالرياضة والرسم بعد الكتابة، وطبعا بمشاركة إختصاصيين". وأضافت أن نقابة النفسانيين تعمل على معالجة مشكلات؛ مثل التنمر في المدارس وإذا سمحت الظروف ستتطور هذه المبادرة لتطال هذه المشكلات. وأكدت، أيضا، الكاتبة المتخصصة بالتربية والكتابة الإبداعية بشرى زهوة أنه قريبا سيكون هناك جلسات لفئات عمرية أكبر.

  • هل للمدارس والجامعات حصة من هذه المبادرة ؟

أفادت حنان نصر بأنها أقامت ندوات وأنشطة في الجامعة اللبنانية، في كلية الإعلام، على مدار سنتين، وهم مستمرون.  ومؤخرا؛ كان هناك نشاط في فرع النبطية كلية العلوم، لتقديم المبادرة ذاتها. كما عبرت الكاتبة بشرى زهوة عن استعدادها للقيام بجلسات في المدارس إذا طلب منها خوض التجربة حتى إن كانت تحت عناوين مختلفة.

  • هل هناك سرية تامة عن تقويم الحالات ؟ أم للأهل حق الإطلاع ؟

أكدت المعالجة النفسية أن الكتابة تعبيرية؛ والأطفال المشاركون لهم الحرية بكتابة أسمائهم أم لا، حتى عندما تقرأ الأوراق لن يذكر الاسم. ولا يوجد داعي لاطلاع الأهل إلا إذا كان هناك خطورة؛ فمن الطبيعي إبلاغ الأهل لأنهم قاصرون.

  • هل هناك تفاعل معكم من الأهالي والأطفال ؟

تقول "نصر" إن التفاعل معهم كان جيدًا للغاية، والأهل أحبوا الفكرة، وطلبوا مشاركة أبنائهم، وكل من شارك كان يتكلم بكل راحة، وعندما انتهت الجلسة أكدوا بأنهم شعروا براحة وسكينة.

  • ما طبيعة التمارين الكتابية التي تستخدم خلال الجلسات ؟

وضّحت الكاتبة المتخصصة في التربية والكتابة الإبداعية بشرى زهوى أن التمارين الكتابية التي تستخدمها حاليًا تتبع فيها تحليلًا نفسيًا يدعى“W.E.T “written exposure therapy  أي العلاج بالتعرض الكتابي، يقوم على إخضاع المشارك أو المراهق لتمارين تدخله إلى مشاعره أكثر. فتبدأ الجلسة بكتابة مشاعر على اللوح؛  مثل الفرح والحزن والقلق والحب. ويختار المشترك ما يشعر به في البداية، وبعد أن يكتب ويفرغ كل ما بداخله من مشاعر إيجابية كانت أو سلبية يستخلص شعورًأ جديدًا. وكان من بين المشتركين فتاة عمرها 13 عامًا؛ قالت بأنها لا تستطيع الكلام؛ لكنها تكتب حيث تستطيع التعبير براحة أكبر. هذا ما يسمى بعلم النفس lower voice وهو الكتابة؛ لأننا نخاف من التكلم بصوت عالٍ؛ فنستبدله بالكتابة، خاصة مع المراهقين. لذلك يجب معالجة الأمر فكل واحد منا مرّ بهذه المرحلة، حتى عمر العشرين لم نكن نستطيع تقديم مشروع في الجامعة. لهذا يجب التعبير عن المشاعر كتابيًا لنستطيع التكلم بصوت عالٍ. ولهذا الأهل والمدرسة والمربي يجب أن يهتموا بنفسية الطفل أو المراهق، بشكل أساسي، لأنّه عمر حساس جدًا.

  • هل تحتاج المشاركة لمهارات كتابية؟

بيّنت الكاتبة الإبداعية بشرى زهوة أن التمارين تقوم على حرية كتابة كل ما تشعرون به بلا قواعد، فلا خوف من الأخطاء الإملائية واللغوية، حتى إذا لم يستطيعوا التعبير باللغة العربية، فلا مشكلة باختيار لغة أجنبية تريحكم وتساعدكم بالتعبير. وذلك لأنّ الهدف هو التعبير بالكتابة. وخاصة الكتابة الإبداعية لا تحتاج إلى قواعد وإملاء؛ لأنها تعقد الأمور بالنسبة إلى الطفل.

  • هل يستطيع المشارك اختيار الموضوع الذي سيكتب عنه؟

أجابت زهوة بكلا؛ لأن الجلسة عن الحرب والعدوان، وليس عن موضوع آخر، مثل التنمر وما شابه، يمكن أن يختاروا  أن  يكتبوا عن شعورهم بالحرب والخوف وفقدان الآمان والحب والعاطفة.... وكيف يمكنهم توجيه رسالة إلى شخص افتقدوه بالحرب أو تعرفوا إليه في تلك المرحلة؛ كما من الممكن أن يكتبوا قصة حصلت معهم في أثناء الحرب والنزوح أو بعد الحرب.

  • هل لديكم تجارب كتابية سابقة؟ و هل أعطت نتيجة مرضية عند الأطفال ؟

عرفت الكاتبة زهوة أنها خريجة "دار المجمع الابداعي"؛ وتدربت فيه لأربع سنين وأطلقت مجموعتين قصصيتين كما أنها شاركت برواية عربية "بريتيوم" مع خمسة كتّاب. وقالت: "كانت الكتابة علاجًا لي؛ لأن هناك الكثير من المشاعر فرغت داخلها كل ما لدي من مشاعر الرواية ليست كلها عني لكن هناك سر سأبوح به بأن الدب " دودو" الذي كتبت بالرواية أن أمي رمته هو في الحقيقة أنا من نسيته ورميته بالخطأ ولكن أثر في جدا وما أزال أحبه. من هنا نلاحظ قدرة الكتابة، خاصة إذا كانت متواصلة على إخراج كل ما لدينا من طاقات إبداعية ومشاعر مدفونة. كما واجهت الكثير من الحالات شفيت بالكتابة، ومنهم زملاء في دار الكتابة الإبداعية فكانوا يبكون في أثناء الكتابة. الكتابة هي بداية طريق التعافي. وبعد الجلسة الأولى يمكن استكمال التجربة بجلسات قادمة بتقويم فعلي حقيقي؛ لأن عملية التفريغ تكون قد أنتهت، فيبدأ عمل المتخصصين، أي المعالج النفسي بإطلاع الأهل لنتأكد بأنه تخلص من صدمات الحرب.

  • هل واجهتم صعوبات عند قيامكم بهذه التجربة ؟

وضحت بشرى زهوة أن الصعوبات التي واجهوها هي اعتقاد بعض الأهل أن هذه الجلسات فقط لمن هو متأزم نفسيًا، لا يعرفون أن الكتابة هي أساسًا فن ونوع من علاج الروح وتخفيف الضغط.  وهذا يحفز الطالب على التقدم بدراسته. وأشارت إلى دراسة جديدة تقول إن أثر الفن والكتابة الإبداعية يزيد من إنتاجية الطفل. ووجهت الكاتبة رسالة إلى الأهالي الذين لم يسمحوا لأطفالهم بالمشاركة بحجة الدرس أن يعيدوا النظر في قرارهم، ويتركوا القرار لهم. وأضافت المعالجة النفسية حنان نصر أن أزمة السير الخانقة وبعض الظروف الراهنة منعت بعض المشاركين من الحضور .

  • هل هناك أساليب معتمدة لزيادة الإبداع ؟

شرحت الكاتبة بشرى زهوة أن الراحة والتحرر من القيود التي تحدّ من الإبداع  يساعد في إظهار كل ما لديه من أفكار. لذلك طلبت منهم الكتابة باللغة والطريقة التي يحبونها، كي يستطيعوا أن يبدعوا أكثر، فيجب على اليافع أن يكون مرتاحا ليبدع.

في نهاية اللقاء؛ وجهت المعالجة النفسية حنان نصر لكل الاختصاصين أن يقوموا بهكذا مبادرات. وأكدت أنها جاهزة دومًا لتقديم أي مساعدة لكل ذي اختصاص يريد أن يعطي ويساعد معها.

 

 

مواضيع مرتبطة

أطفال الحرب.. كيف أتعامل مع طفلي بعد خسارتنا للبيت؟

ما هي آثار هذا الفقد على الأطفال؟ كيف يمكن التعامل معها؟ وما هي السبل الناجحة لمعالجة تبعاته؟

الإنترنت لا أمان له.. فيكف نجعل أطفالنا في مأمن منه؟

من الصعب على الأطفال والمراهقين معرفة ما يجب مشاركته وما لا يجب مشاركته عبر الإنترنت.

التفريغ النفسي بعد الحرب للأطفال.. ضرورة

يتفق الأطباء والاختصاصيون النفسيون على أن معالجة الصدمات التي تسببها الحروب تكون أصعب عند الأطفا

كلمات مفتاحية

صحة_أطفال