يتفق الأطباء والاختصاصيون النفسيون على أن معالجة الصدمات التي تسببها الحروب تكون أصعب عند الأطفا
خاص موقع أمان الأطفال/ المعالجة النفسية داليا فنيش
التفريغ هو عملية التخلص من المشاعر السلبية أو العاطفة الزائدة التي تراكمت عند الشخص، ومن المؤكد أن الأطفال أكثر تأثرًا بالصدمات التي تسببها الحروب، وربما يحملون اَثرها معهم عندما يكبرون، لاسيما إن لم يتلقوا المساعدة والعلاج المناسب.
إن الحصول على الرعاية الصحية النفسية له من الأهمية والخطورة، إلا أنه يجب إيجاد الطريقة المناسبة لكل طفل لمساعدته في التفريخ؛ خاصة أن المظاهر تختلف بحسب شخصية الطفل، وعمره ونوع الصدمة التي مر بها.
هذا؛ ويتفق الأطباء والاختصاصيون النفسيون على أن معالجة الصدمات التي تسببها الحروب تكون أصعب عند الأطفال، لأنهم لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم بسهولة كالكبار، ولا يمكنهم فهم المعنى أو المغزى وراء الفظائع التي يشهدونها. كذلك لأنّ الأطفال المصابين بالصدمة لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم في كلمات، فهم يلجأون إلى طرائق مختلفة للتعبير تتبدى في سلوكياتهم بشكل أساسي.
مظاهر وأعراض الصدمة بعد الحرب:
إن الصعوبات النفسية التي يمر بها الأطفال تترك آثارًا متفاوت، بحسب اختلافات شخصياتهم وتجاربهم السابقة وكلما كانت شخصياتهم ضعيفة وكانوا أصغر سنًا، يصبح وقع الصدمات النفسية أكثر تدميرًا، ويحدث ندوبًا في نفسياتهم. وتتجلى أثار وعلامات الصدمة النفسية على الطفل في: الصراخ والبكاء المستمر، صعوبة بالتنفس والتقيؤ، صداع ومغص في البطن، عدم الشعور بالأمان، الشعور بالعجز، الخوف من التغيير، التبول غير الإرادي، الخوف والقلق من المستقبل، الشعور بالذنب، تدني تقدير الذات لنفسه، العدوان والغضب المستمر، العزلة والانزواء عن الحياة الواقعية، عدم الثقة بالآخرين، مشاكل في التركيز والذاكرة والإنتباه والتعلم، اضطرابا ت في النوم، إنعدام الشهية في الطعام، الأحلام المستمرة والكوابيس، حركة زائدة عن الحد، كبت تام وفقدان القدرة على الكلام.
عملية إعادة التأهيل في التفريغ النفسي:
تعتمد الاستراتيجيات المتبعة في التفريغ النفسي للحالات التي تعاني الصدمة نتيجة الحرب على طبيعة الطفل نفسه، فالأطفال ليسوا سواء، ولم يمروا جميعهم بالصدمة ذاتها، كما تتفاوت درجة استجابة الأطفال للعلاج، لكن أصعب الحالات هي التي كانت لديهم مشكلات نفسية قبل تعرضهم للصدمة المرتبطة، كون الأطفال يتسمون بالرقة وسرعة التأثر، فمن السهل عليهم الانزلاق إلى الصدمة مجددًا إذا واجهتهم الظروف نفسها. إذ إنّ إعادة التأهيل تتطلب منهجًا متكاملًا؛ حيث ينبغي أن يتركز التفريغ النفسي قبل كل شيء على معالجة التجارب المؤلمة والتغلب عليها وضرورة التعامل مع عواقب الصدمة في إطار استراتيجي شامل تعمل على تنمية مجالات حيوية في شخصياتهم، مثل تنمية مهارات التغلب على الشعور بالعجز وتمثل قيم الحياة الأساسية من معتقدات وأهداف وصولًا إلى إعادة بناء شخصيات متوازنة خالية من مشاعر الغضب والإحباط والعدوان، لتحقيق هذه الأهداف ينبغي أن تغطي أنشطة إعادة التأهيل في جميع مجالات الطفل:
- المهارات والسلوك: التغلب على الصور النمطية للسلوكيات غير البناءة، والتي لا تتوافق مع المنظومة القيمية الاجتماعية السائدة، وكذلك إلى إثراء مهارات السلوك التعاوني وتعزيزه وتنمية مهارات مشاركة الأطفال في أنشطة، لا بد من العمل على إكساب الأطفال المهارات العمل الإبداعي والتعبير عن الذات.
- العواطف: مساعدة الأطفال على التعبير والإفصاح عن تجربتهم الصادمة والتعبير عن العدوان لتحرير أنفسهم من آثاره والتغلب على الجمود ومنحهم فرصة التعبير التلقائي لفهم عواطفهم الخاصة وتدريبهم على كيفية تعرف العواطف لا بد من العمل في المجال العاطفي إلى أهمية تنمية وتعزيز مشاعر التعاطف مع الآخرين.
- السلوك المعرفي: لا بد أن يسير التفريغ النفسي في اتجاهين: الأول تحفيز وتنمية الوظائف المعرفية المقيدة نتيجة التجربة الصادمة من خلال القدرة على التركيز وتنشيط الذاكرة والتفكير الإبداعي، والثاني تصحيح مفهومهم عن العالم المحيط وموقعهم فيه حتى يرى الطفل أن الواقع المحيط به ليس معاديًا له، لا سيما عندما يمتلك الطفل حرية الاختيار ويدرك المسؤولية الشخصية عن اختياره.
- القيم: فهم القيم واستيعابها؛ مثل الحب والصداقة والتعاون والاحترام والمساواة والتسامح وكذلك أهمية تعزيز الوعي البيئي لديهم.
- تقبل الذات: تعرف الطفل إلى شخصيته وتقبلها، وهذا يحقق توازن الشخصية وانسجامها كونها كيانًا مستقلًا له سماته الخاصة، كما يعزز شعورهم بأنهم أشخاص متميزون يتمتعون بحرية الإدارة وبالإمكانات الشخصية المكتملة.
التقنيات في عمليات التفريغ النفسي:
تختلف التقنيات التي تحفز وتنمي التخيل؛ مثل الرسم والألعاب والأدوات، كل برنامج يقوم باستخدامه ينبغي أن يقوم على دراسة الاحتياجات النفسية التي في ضوئها تحدد الأساليب والطرائق للعمل على التخلص من الصدمة.
- اللعب: تعد الألعاب الطريقة التي يبني الطفل من خلالها عالمه الحياتي، وتشكّل أحد العناصر الرئيسة في عملية الدعم لتعلم الطفل من خلال الانضباط الذاتي، تنمي مهارات التنظيم وضبط النفس، الشعور بالمسؤولية والقيادة، كما يوجد العاب فردية تتطلب اللعب في أزواج وألعاب تنفذ في مجموعات صغيرة تتألف من 3 - 4 أطفال، وألعاب تحتاج إلى إشتراك مجموعة كاملة في اللعبة وتنفذ في المجموعات، ويفضل وضع الكراسي بشكل دائري.
- الألغاز: يتنافس في البحث عن أجزاء الصورة الكاملة في ألعاب، مثل الفسيسفاء المركبة وهذا النوع يتضمن الكثير من الألغاز والحزازير والحيل والأحاجي، وهي تسهم في تطوير مهارات التركيز وتحفز عمليات التفكير.
- لعب الأدوار ( المحاكاة): هي جزء لا يتجزأ من الدراما النفسية الكلاسيكية إذ تمنح الطفل فرصة للعب أدوار جديدة وبديلة لذاته، من دون مخاطر، كما أنها تشكّل في الوقت نفسه طريقة لاستكشاف التحديات والأحلام والمخاوف والأوهام التي تواجه الأطفال، وتعمل على أحداث تغييرات إيجابية في وضعهم العاطفي، وتساعدهم في تغيير بعض السلوكيات، واختيار طفل عنده وضع محدد يكون حقيقيًا وواقعيًا من الأطفال الموجودين لتكون موضوعًا في لعبة تمثيل الأدوار؛ حيث تتيح التعبير بحرية عن المشاعر والرغبة والأفكار على خلفية الأمن النفسي، تحررهم من السيطرة الفائقة على الذات، تزيد من المرونة، تعزز الاتصال، تمكّنهم من العمل مع الآخرين.
- الرسم: يعدّ الرسم من الأساليب السهلة والمفيدة كثيرًا في عملية التفريغ النفسي. وهو وسيلة فعالة في التعبير الإبداعي عن حاجات ورغبات الأطفال، وفي التعبير الرمزي عن المشاعر والأفكار والتخيلات والمخاوف والصراعات والصدمات وغيرها من المشاعر السالبة التي تعوق تكيف الأطفال ونموهم النفسي السوي، ويمكن أن يسهم الرسم في مساعدة الأطفال الذين يجدون صعوبة في فهم مشاعرهم وأفكارهم والتعبير عنها بالكلمات، خصوصًا في حال الصدمة.
- القصص: تمنح القدرة على توسيع مخيلتهم؛ علاوة على تزويدهم بمنظومات من القيم تتمثل في سلوكيات ومواقف أبطال هذه الحكايات، وينصهر فيها الذكاء والحكمة وتترسخ في أعماق ذاكرة الطفل؛ لا سيما أنها تمتلك عنصر التشويق، إن إدراك هدف الحياة والقيم وتنمية الرحمة ومساعدة الآخرين وتعزيز المبادئ الأخلاقية والمعنوية. كل هذا يساعد في التغلب على صدمة الطفل. وممّا لا شك فيه أن القصص تسهّل عملية التغلب على التوتر وتساعدهم في فهم مشاعرهم والتعبير عنها.
- تنمية مهارات إدارة الصراع: تشكّل الصراعات جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال في ظروف الحروب والعنف، لذلك لا بد من تدريبهم وتنمية قدراتهم على إدارة الصراعات وفهم جوهرها وإكسابهم المهارات اللازمة لحلها بأفضل السبل وفهم الصراع يكسبوهن الثقة بقدراتهم الخاصة، والتغلب على الصعوبات في العلاقات والتعامل مع المواقف.
- إزالة صورة العدو: ممّا لا شك فيه أن الشعور بالحزن مرتبط بالذاكرة واستحضار ذكرى الآلم الفرد هو مؤلم بحد ذاته ويتميز الأفراد بمقاومة الحزن بشكل إداري أو غير إداري لذلك من المهم جدًا في عملية التفريغ النفسي التعبير عن الآلام المتراكمة لديهم نظرًا إلى صعوبة التعبير الشفهي عن التجارب يكون استخدام الأساليب التصويرية فعالًا لتعبير عن العواطف المرتبطة بالصدمة.
- تصحيح التصورات: تؤثر الصدمة، بشكل مدمر في تصورات الأطفال عن العالم المحيط وفي منظومة القيم والقناعات ولعل عملية التعميم واحدة من العمليات النفسية الأكثر أهمية؛ فالتعميم يشكّل الآلية التي يتكيف من خلالها مع البيئة، أن التعميم هو الآلية الرئيسية والمؤثرة في تشكيل صورة العدو لدى الأطفال تحديد تلك التعميمات غير البناءة وتجاوزها. وهنا ينبغي ان يهدف إلى تعديل مثل هذه التعميمات والخبرات الشخصية والتركيز على الجوانب الإيجابية لتيسير التفاعل مع الطرف الاخر.
- تنمية أساليب التكافؤ في التواصل: من الضروري أن يدرك الأطفال الأهمية الإيجابية للاختلاف وبأن النظر إلى الآخر لا على أنه معارض؛ بل كونه أحد مظاهر التنوع في الحياة، وهذا يتيح لهم فرصة احترام الآراء والمشاعر ومختلف ردود الأفعال لهذا الحدث.
- التفكير الإبداعي: يتمثل هذا الهدف الاستراتيجي لهذه الطريقة في تطوير الإمكانات الإبداعية والتغلب على الأنماط الجامدة في التفكير وتشكيل رؤى بديلة غير تقليدية لدى الأطفال من خلال تنمية مهارات العمل الأساسية في التعبير عن الذات وتحقيقها، تعزيز الثقة بالنفس وبالقدرات الخاصة وهذا يعزز مهارات التكيف ويساعد في التغلب على الصدمة.
- العمل الجماعي: يهدف إلى زيادة كفاءة الوالدين في الأمور المتعلقة بالطفل ومساعدته في ظروف الأزمة وكيفية رفع مستوى التفاهم المتبادل في التعامل مع الأطفال والاندماج مع المجتمع المحلي والتغلب على الاغتراب وإكسابهم مهارات وانشاء علاقات مع الآخر.
- التنفس العميق: استخدم التنفس العميق لتهدئة العصبية وتخفيف التوتر، الجلوس في مكان هادئ وأغلاق العينين والتركيز على التنفس العميق، ومحاول استنشاق الهواء ببطء عميق ومن ثم توقف لبضع ثوان قبل أن التنفس ببطء مرة أخرى.
- التحرك والتمارين الرياضية: القيام بالمشي أو ركوب الدراجة أو السباحة، حيث يمكن للحركة المنتظمة أن تساعد في تحسين المزاج وتخفيف التوتر.
- الكتابة: اكتب ما يشغلك وما تشعر به بالتفصيل، حيث يمكن أن تساعد هذه العملية في تنظيم الأفكار وتفريغ العواطف.
- التعبير الفني: ممارسة الهوايات حيث تساعد في الإبداع والتفريغ العاطفي.
- الاسترخاء والتأمل: استخدم تقنيات الاسترخاء والتأمل مثل اليوغا أو القراءة أو الاستماع إلى الموسيقى الهادئة للتخلص من العصبية وتهدئة العقل.

أهداف التفريغ النفسي:
- إعادة التأهيل وإزالة المشاعر المؤلمة والتجارب الصادمة لتحرير الأطفال من آثارها بما يضمن النمو الطبيعي لشخصياتهم دون أي انحراف.
- تشجيع الأطفال في الأبداع وتعزيز روح التعاون مع الأقران وتقدير الذات.
- تنشيط الخيال حيث يعد من أهم وسائل تنمية الشخصية وعادة ما يكون الأطفال الذين يمتلكون مخيلة خصبة أكثر تكيفًا مع البيئة، أما الأطفال الذين لا يتسمون بالخيال الخصب، فمن الممكن تنمية وتحسين مهاراتهم التخيلية من خلال التدريب والتمرين، يمكن استخدام تمارين تنمية الخيال التي تؤثر في تنمية القدرات الإدراكية لدى الأطفال من خلال التخيلات البصرية واللمس والشم والتذوق والسمع والحركات.
لا بد لنجاح الدعم النفسي للأطفال ان يكون في:
- توفير أجواء الآمان للأطفال وإعادة ترسيخ الشعور بالأمن والحماية من خلال مكان آمن بعيدًا قدر الإمكان عن مكان الخطر وتهدئتهم وطمأنتهم.
- تشجيع على مواصلة الأنشطة الاعتيادية اليومية وإيجاد البدائل لها إن لم يتمكن من ممارستها.
- مساعدتهم في فهم انطباعاتهم وردود أفعالهم تجاه المواقف والخبرات الصادمة.
- التحدث مع الطفل عن الأوضاع التي تخفيه.
- توجيه انتباه الطفل الخائف إلى الأطفال الأخرين الذين يتعاملون مع أحداث الصدمة من دون خوف من خلال سرد قصص في أوضاع مشابهة وكيف تغلبوا على مخاوفهم.
- تقديم الحب والعاطفة للطفل خاصة الوالدين وأشعاره بأنه موضع تقدير.
- تكليف الطفل بأعمال ومهام صغيرة.
- تقديم الإرشاد النفسي للطفل والأسرة حول مفهوم الصدمة وأعراضها وكيفية التعامل معها.
- تقديم العلاج النفسي للطفل من مختصصين.