دعونا نعترف بأمر واقع، فقد أصبح قضاء الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة أسلوب حياة، مع العلم أنّ معظم تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي تتطلّب أن يكون عمر المستخدمين 13 عامًا على الأقل.
خاص موقع "أمان الأطفال"/د. ليلى شمس الدين
في هذا السياق، أظهر استطلاع للرأي، أجري منذ عام تقريبًا في الولايات المتحدّة الأميركية أنّ ما يقرب من 40٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 12 عامًا، و95٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 17 عامًا يستخدمون تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي. كما بيّنت نتائج الدراسات التي تناولت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، ممّن يصرفون أكثر من ثلاث ساعات يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي، أنّ هؤلاء الأشخاص تتضاعف عندهم خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق.
أمام هذا الوضع، سؤال يطرح نفسه، كيف يمكننا إبقاء أطفالنا آمنين في هذا الفضاء الرقمي؟
قد يكون من الصعب التفكير في الطرائق السلبية كافة التي قد يتأثّر بها أطفالنا جراء استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي. في هذا الإطار، يحاول الخبراء فهم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال. أظهرت إحدى الدراسات أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 11 عامًا والذين يستخدمون سناب شات، وإنستغرام Instagram وSnapchat هم أكثر عرضة لسلوكيات رقمية إشكالية، مثل وجود أصدقاء غير معروفين، وقد يتسبّبون بأخطار بمجرّد التواصل معهم عبر الإنترنت، إضافة إلى زيارة مواقع لا يوافق عليها الآباء، فضلًا عن فرصة أكبر للمشاركة في التحرّش عبر الإنترنت.
وفقًا لدراسة استقصائية أجريت في الولايات المتّحدة الأميركية، أظهرت أنّ 33٪ من الفتيات من سن 11 إلى 15 عامًا تشعرن بالإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي، وأفاد أكثر من نصف المراهقين أنه سيكون من الصعب التخلّي عن هذه الوسائل. تؤكّد هذه الرؤى على أهمية فهم ومعالجة الطبيعة الإدمانية المحتملة لمنصات التواصل الاجتماعي بين المراهقين.
إنّ قضاء الكثير من الوقت على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يؤدّي إلى زيادة عدم الرضا عن الجسم واضطرابات الأكل وانخفاض احترام الذات. وقد دلّت الأبحاث في هذا الإطار، أنّ 46% من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا قالوا إن وسائل التواصل الاجتماعي جعلتهم يشعرون بالسوء تجاه أجسادهم. وتجدر الإشارة، أنّه مع الهواتف عالية التقنية والتطبيقات المختلفة، أضحى من السهولة بمكان التقاط "الصورة المثالية"التي من المحتمل ألا تكون تمثيلًا حقيقيًا لمظهر شخص ما. ومع ذلك، فإننا جميعًا، وخاصة الشباب، ننظر إلى هذه الصور ونعجب بجمالها. وينتج عن هذا مقارنة الذات بصورة اصطناعية، وقد ينتج عن ذلك الضيق إذا شعرنا أننا لا نرقى إلى المستوى المطلوب.
أفاد 64% من المراهقين ممّن تناولتهم بعض الدراسات في العام المنصرم، أنّهم يتعرضون غالبًا أو أحيانًا لمحتوى قائم على الكراهية. وبالتالي يُسمّى هذا الفعل التنمّر الإلكتروني لمضايقة شخص ما أو تهديده أو إحراجه، هو شائع عبر هذه وسائط الإنترنت من خلال اللغة والصور ومقاطع الفيديو المؤذّية. إنّ التحدي الذي يواجه التنمّر الإلكتروني، هو وجوده الدائم، ما يجعل من الصعب جدًا الابتعاد عن التفاعلات السلبية لمستخدمي هذه الوسائل. كما يمكن أن ينتشر على نطاق أوسع وبسرعة أكبر، ما يؤدّي إلى رؤية وسماع الاهتمام السلبي بعيدًا عن الدائرة الاجتماعية القريبة.
لسوء الحظ، يستهدف أشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي الأطفال والمراهقين، سواء من حيث استغلالهم جنسيًا أم ابتزازهم ماليًا، أو بيعهم مخدرات مصنّعة بشكل غير مشروع. وقد يكون من الصعب على الأطفال والمراهقين معرفة ما يجب مشاركته وما لا يجب مشاركته عبر الإنترنت. فالأطفال لا يتمتّعون بالقدرة المعرفية والتنفيذية للتفكير في المواقف الضارّة ، لذلك هم يعرضون أنفسهم أحيانًا لخطر جسدي أو نفسي من دون دراية.
تفاقم بسبب الوباء وزيادة استهلاك المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي تغيّرات في السلوكيات الرقمية الإشكالية، بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هناك تغييرات في سلوك الأطفال اليومي في المنزل أو المدرسة، مثل زيادة منسوب الانفعال، والقلق، والاكتئاب، ومشاكل النوم، وعدم احترام الذات، وقلّة التركيز.
تكشفت الدراسات كيفية كسب الأطفال والمراهقون المال من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، كما تستعرض التأثيرات النفسية لهذه الأنشطة على نموهم وتكوين دورهم المجتمعي. فغالبًا ما يشارك المستخدمون الشباب في أنشطة مختلفة مدرّة للدخل على منصات التواصل الاجتماعي.
إنّ دراسة العلاقة المعقّدة بين وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية، تتطلّب نهجًا متعدّد الأوجه. لذلك يؤكّد المعهد الوطني للصحة النفسية في الولايات المتّحدة الأميركية أهمية تعليم الأفراد كيفية الحفاظ على علاقة صحية مع وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك وضع حدود لاستخدامها، والمشاركة في الأنشطة غير المتصلّة بالإنترنت، وأهمية طلب الدعم عند الحاجة. وتشير الأبحاث إلى تأثيرات نفسية محتملة جرّاء استخدام هذه الوسائل، تتضمّن:
يمكن أن يؤدّي الضغط للحفاظ على شخصية ما على الإنترنت إلى التوتّر والتأثير على احترام الذات، فقد قد يربط المراهقون قيمتهم الذاتية بتحقّق شخصيتهم عبر الإنترنت.
قد يؤثّر الربح المبكر على الطموحات المهنية، مع إعطاء بعض الأشخاص الأولوية للشهرة عبر الإنترنت على المهن التقليدية، تبعات تلقي بظلالها على مساهماتهم المجتمعية على المدى الطويل.
لسنا بمعرض القول إنّ استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي لن يكون لها تأثير إيجابي على أطفالنا. وفي هذا الإطار ننظر إلى مساعدته على تعلّم كيفية التواصل مع الآخرين، والتنقّل في العلاقات، إضافة إلى كيفية التعامل مع شخص غير محبّب. لذلك؛ فإنّ عدم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الإطلاق قد لا يكون الحل الأفضل، أو المخرج الواقعي لأطفالنا.
ولكن، إذا قرّرنا السماح لأطفالنا باستخدام هذه الوسائل، فتأكّدوا من التحدث معهم عن التوقعات، سواء أكانت توقعاتك أم توقعاتهم. حدّد ما إذا كان طفلك مستعدًا للغوص في هذا العالم، حتى إذا كان طفلك كبيرًا بما يكفي للانضمام إلى منصة وسائط اجتماعية، فقد لا يكون مستعدًا لذلك.
بصفتنا مسؤولين عن رعاية أطفالنا وحمايتهم، علينا أن نحدّد مستوى نضجهم وكيفية تفاعلهم مع الآخرين. وإذا كنّا غير متأكّدين، علينا إجراء اختبار على وسائل التواصل الاجتماعي، ويجب على الآباء تحديد توقعّاتهم وإبلاغها لأطفالهم، مع تحديد عواقب عدم اتباع الأبناء لهذه التوقّعات.
تحدّثوا إلى أطفالكم. من البداية، إذ أنّه من الأهمية بمكان إجراء محادثة منفتحة وصادقة مع أطفالكم عن ماهية وسائل التواصل الاجتماعي وإمكان استخدامها. وسلوهم عن سبب اهتمامهم بإنشاء حساب على منصّة معيّنة، والهدف الذي يريدونه. وعندما يبدأون في خوض هذه المغامرة، استمرّوا في التحدّث معهم عنها. وإذا سمعتم، على سبيل المثال، عن اتجاه شائع على تيك توك TikTok أو قصّة إخبارية رائجة، فتحدّثوا إلى أطفالكم عما يفكّرون فيه وما رأوه.
توصي الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال بالحد من وقت الشاشة حتى ساعتين على الأكثر في اليوم للأطفال. كما توصي الآباء التأكّد من أنّ أطفالهم ما يزالون يحصلون على قدر كافٍ من النشاط البدني والتفاعلات وجهًا لوجه. فليس دائمًا وقت الشاشة هو المشكلة فقط، بل ما يحل محل وقت الشاشة.
راقبوا استخدامهم وخوضهم هذا العالم الخفي، علينا التحقّق ممّا يستهلكه أطفالنا، سواء أكان ذلك من خلال التمرير عبر أجهزتهم اللوحية، أو هواتفهم، أو استخدام أداة مراقبة لاستخدامات هذه الوسائل. وإنظروا إلى التطبيقات الموجودة وتعرّف إليها. اسألوا أنفسكم عمّا إذا كانت هذه الأداة ستلائم أهدافكم.
كونوا قدوة أولادكم، إنّ ممارسة سلوكيات آمنة وصحية على وسائل التواصل الاجتماعي أمام أطفالنا يمكن أن يكون لها تأثير كبير عليهم. وعلينا أن نعي أنّه من الصعب جدًا على الأطفال فهم المخاطر المحتملة أو مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي، وبخاصّة عندما ينخرط الآباء في نفس السلوكيات بأنفسهم.
كما علينا أن نعي بأنّهم جيل ألفا (مواليد العام 2013وحتى الآن)، إنّهم جيل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الذكيّة، وهم المنغمسون تمامًا في عوالم وتقنيات متسارعة، لذلك فهم يتأثّرون بشدّة بالفاعلين على هذه الوسائل، كما بالمحتوى المرسل لهم أو ذاك الذي يصلهم بشكل أو بآخر.
المراجع والمصادر
Social media and Youth Mental Health, تمّ الاسترداد بتاريخ 15 شباط 2025
The Growing Mental Health Crisis and Social Media, Kenta Minamitani, Stanford LLM 2024, تمّ الاسترداد بتاريخ 15 شباط 2025
Teens are spending nearly 5 hours daily on social media. Here are the mental health outcomes, By Tori De Angelis, American Psychological Association, 2024, تمّ الاسترداد بتاريخ 14 شباط 2025
https://www.apa.org/monitor/2024/04/teen-social-use-mental-health
Teens and social media use: What's the impact? by Mayo Clinic Staff, تمّ الاسترداد بتاريخ 16 شباط 2025
The Social Media Influence on Youth Spending, Beijia Lin, Lecture Notes in Education, Psychology and Public Media, The International Conference on Interdisciplinary Humanities and Communication Studies, May 2023.
Social media might be making money off your kid — why should you care? Grace Newton, December 29, 2023, تمّ الاسترداد بتاريخ 15 شباط 2025
Cognitive Development in Digital Contexts, Leslie Haddon, Sonia Livingstone, 2017, Pages 275-302. تمّ الاسترداد بتاريخ 16 شباط 2025
https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/B9780128094815000146
ما هي آثار هذا الفقد على الأطفال؟ كيف يمكن التعامل معها؟ وما هي السبل الناجحة لمعالجة تبعاته؟
يتفق الأطباء والاختصاصيون النفسيون على أن معالجة الصدمات التي تسببها الحروب تكون أصعب عند الأطفا
يستمر هذا البرنامج الإبداعي ثلاثة أسابيع، مقدمًا مساحة آمنة للفتية والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا،
2025 © جميع الحقوق محفوظة لموقع أمان الأطفال