أطفال الحرب.. كيف أتعامل مع طفلي بعد خسارتنا للبيت؟

أطفال الحرب.. كيف أتعامل مع طفلي بعد خسارتنا للبيت؟

ما هي آثار هذا الفقد على الأطفال؟ كيف يمكن التعامل معها؟ وما هي السبل الناجحة لمعالجة تبعاته؟

خاص موقع "أمان الأطفال"

فاطمة فنيش/ خبيرة تربوية

الفقد، هذا الشعور المصيري الذي سيلاحقنا كلنا؛ ولعل الموت يشكل أعظم تجلياته، إلا أن الحرب الأخيرة أيقظتنا على اختبارات مختلفة لحالات الفقد، مثل فقد المسكن مثلا. والذي ترك آثارا لا يستهان بها على صعيد البناء النفسي والذهني للإنسان، وعلى وجه الخصوص الأطفال.

 

ما هي آثار هذا الفقد على الأطفال؟ كيف يمكن التعامل معها؟ وما هي السبل الناجحة لمعالجة تبعاته؟

اتصلت بي إحدى الأمهات تشكو من تراجع ابنتها في المدرسة وتدني قدرتها على التركيز وضعف ذاكرتها. جرى الاتصال بُعيد الحرب، وفي سياق الحديث، عرفت أن العائلة قد بدلت عدة منازل في أثناء الحرب، وغيّرت مسكنها كليا بعدها؛ لأن المنزل كان قد تدمر بالكامل. أي إن الملابس والألعاب وأطباق الطعام واأثاث والكتب واأغراض المختلفة اختفت إلى غير رجعة. وبعبارة أخرى، كل ما يرتبط بذاكرة الطفل وكينونته زال فجأة.

الطفل مبرمج على الإحساس بالأمان في كنف بيته وأسرته، ويشعر أن المكان الذي ينمو ويكبر ويترعرع فيه جزء لا يتجزأ من كيانه، فخسارته لهذا المكان تشكّل خسارة وجودية له، وهو ما ينعكس على عدة أمور:

  • أولا، على استقراره النفسي، فهو سيشعر بالقلق والضياع والتيه وانعدام الاستقرار والأمان، فالمكان الجديد لا ذاكرة له، غير منظم بالكامل، ولا يتواءم مع روتين حياته السابقة.
  • ثانيا، على أدائه الدراسي، فالقلق الذي يصاحبه سيترك أثرا ملحوظا على قدرته على التركيز والحفظ، كما أن تغير مسار ذهابه من المدرسة وإليه سيستدعي محاولات مجهدة لإعادة فهم المتغيرات والتأقلم مع الواقع الجديد. وهو ما يتطلب جهدًا إضافيًا نفسيًا وجسديًا لن يتيح له التمتع بالطاقة الكافية لمتابعة وفهم الدروس في الصف وخارجه بشكل فعال.
  • ثالثا، على صعيد العلاقة مع الآخرين، سيزيد لديه الشعور بالخوف والقلق من خسارة أحد أفراد العائلة، ولن يجد الوسيلة المقنعة لمنع هذه الهواجس لديه، فيزداد تعلقًا بأهله أو قد تظهر طفرات سلوكية لديه مثل العصبية والصراخ والانفعالات غير المتوقعة كنوع من التعبير عما يجول في نفسه.
  • رابعًا، على صعيد المكان والزمان، قد نجد أنه لا يدرك تماما أين هو، او قد نلاحظ أنه يفقد القدرة على الشعور بالوقت والزمان بدقة، وقد يكرر من مدة لأخرى سؤال: متى سنعود إلى المنزل؟

 

لا يمكن تفادي الآثار الناجمة عن حالة فقد المسكن، ولكننا نستطيع التعامل معها بحكمة كي لا تتفاقم وكي يصار الى معالجتها تدريجيا، لكن على الأهل دائما أن يلتفتوا إلى حقيقة أن أي معالجة سلوكية ونفسية لا يمكن أن تحدث فجأة، بل تتطلب تراكمًا وصبرًا ورويّة ووقتًا كافيَا لنصل إلى مرادنا. ولكي نتعامل بدقة مع هذه المشكلة، يمكننا تطبيق الأمور الآتية:

  • أولا، في حال استحالة العودة إلى المنزل، ينبغي إفهام الطفل أن المسكن القديم قد تدمر بالكامل، ليس من باب إدخال اليأس إلى قلبه، بل من باب زرع المرونة والأمل، عبر إظهار الفرصة بأن يكون لنا مسكنًا جديدًا وجيرانًا جدد، ودكاكين جديدة، فيها كلها أشياء جديدة علينا أن نكتشفها معًا مثل مغامرة جميلة. أما في حال ضمان العودة الى المسكن بعد مدة، فهنا ينبغي إيضاح هذا الأمر للطفل، والقول بأن المنزل يحتاج إلى تصليحات ستعيده أجمل مما كان، مع ضرورة أن يزور الطفل منزله الأساسي من وقت إلى آخر في أثناء تصليحه. في كلا الحالين؛ يمكن الإفادة من القصة لتمرير الأفكار، مثل قصة اليرقة التي تغير الشرنقة لتغدو فراشة، أو الحية التي تبدل جدلها لتصبح أكبر وأقوى، أو العصفور الذي يغير عشه من فصل إلى آخر...
  • ثانيًا، ضرورة خلق روتين ثابت في الحياة الجديدة للأسرة والطفل، منذ الاستيقاظ صباحا حتى المبيت ليلا، فالروتين هو نوع من الاستقرار، يعزز السكينة والهدوء، ونتائجه تظهر تدريجيا. وهنا قد يقع الأهل في خطأ الخروج بكثرة من المنزل، تفاديا للقلق المتعلق بالمكان، بينما ينبغي عليهم أن يؤسسوا لنمط مستقر للحياة الجديدة في المكان الجديد.  
  • ثالثًا، شراء أغراض وألعاب وأدوات يحبها الطفل، فهي تعطي طابعًا محببًا ومؤنسًا للمسكن، وتسهّل عملية الانتماء الجديدة.
  • رابعًا، العمل على إنشاء ذاكرة عائلية متعلقة بالمكان الجديد، مثل دعوة الأقارب للزيارة، أو الاجتماع على مائدة الطعام، أو الاجتماع في مناسبات مختلفة.
  • خامسًا، مطالعة القصص، فهي وسيلة ناجحة لتعديل السلوك، وأداة للتفريغ النفسي عند الطفل، لأنها تحثه على التفكير والتعبير عن مشاعره وهواجسه وآرائه.
  • سادسًا، إغراق الطفل بالعاطفة والمحبة، والتعبير اللفظي والجسدي عنهما، والسعي إلى طمأنته وإشعاره بوجودنا حوله.
  • سابعًا، الحوار مع الطفل، وتحفيزه على الحديث عن أي موضوع يخطر على باله، وجعل هذا الأمر أولوية.
  • ثامنًا، الابتعاد عن وسائل التكنولوجيا والشاشات ومتابعة الاخبار، لما لها من أثر مباشر على رفع مستوى القلق والتوتر.
  • تاسعًا، الابتعاد عن الانفعال والتوتر والغضب أو الصراخ ورفع الصوت في أثناء التعامل مع الطفل؛ لأنها تزيد في قلقه، وتوخي الهدوء والروية.

قد تبدو هذه المشكلات "عويصة"، لكن التحلي بالوعي والصبر والمثابرة كفيل بتحقيق الكثير، ولا ننسى أن أحسن توصية يحملها الإنسان للآخرين هي التربية الحسنة، فلا نبخلّن بها على أبنائنا.

 

 

 

مواضيع مرتبطة

الإنترنت لا أمان له.. فيكف نجعل أطفالنا في مأمن منه؟

من الصعب على الأطفال والمراهقين معرفة ما يجب مشاركته وما لا يجب مشاركته عبر الإنترنت.

التفريغ النفسي بعد الحرب للأطفال.. ضرورة

يتفق الأطباء والاختصاصيون النفسيون على أن معالجة الصدمات التي تسببها الحروب تكون أصعب عند الأطفا

عبّر، تكلّم .. أكتب لتتعافى .. ورشة مبادرة لتجاوز ألام الحرب عند الأطفال

يستمر هذا البرنامج الإبداعي ثلاثة أسابيع، مقدمًا مساحة آمنة للفتية والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا،

كلمات مفتاحية

صحة_أطفال