السيكودراما علاج حديث للاطفال في لبنان .. «نادي مش عادي» يروي تجارب حية

السيكودراما علاج حديث للاطفال في لبنان .. «نادي مش عادي» يروي تجارب حية

كان خال الطفلة يعنّفها، وأمها لا تعلم سر تدهور وضعها النفسي وتحولّها إلى عدوانية..

 

زينب حمود/ إعلامية ومتخصصة تربوية

خاص "موقع أمان الأطفال"

 

يسعى الأهل إلى الدخول إلى عالم الطفل واكتشاف أفكاره ومشاعره ومنبع سلوكياته المختلفة. وفي وقت قد يعجز الطفل عن التعبير عن هذه الأفكار والمشاعر بطريقة سليمة وواضحة، طور علماء النفس وسيلة جديدة تتيح ذلك، تُعرف بـ "السيكودراما" أو "العلاج بالدراما".

هذه الوسيلة هي طريقة إرشادية تستخدم المسرح والتمثيل لمساعدةالأطفال لعلاج العديد من الاضطرابات النفسية والسلوكية لديهم من جهة، ولتنمية مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية من جهة ثانية.

ما هي السيكودراما؟

تُعد السيكودراما، أو العلاج بالدراما، إحدى التقنيات التي تُستخدم في المجال النفسي، وتعتمد على استخدام التمثيل الدرامي والتعبير عن المشاعر والأفكار والمواقف النفسية المختلفة من خلال الآداء المسرحي في بيئة آمنة وداعمة. وتُعد هذه التقنية حديثة، إذ أسست على يد العالم النفسي النمساوي جون مورينو، في العام 1911، وبدأت بالظهور في لبنان في السنوات القليلة الماضية.

 

مجالات السيكودراما لعلاج اضطرابات الأطفال النفسية والسلوكية

تتعدد المجالات التي تطال السيكودراما في العلاج،. وتُستخدم في مجالات المشكلات السلوكية، مثل السرقة والإدمان والكذب والعنف والعدوانية والسلوك الفوضوي والانعزال والانطواء. كما تساعد في تعزيز القيم الاجتماعية عن الأطفال وتدريبهم على المهارات الاجتماعية ومهارة العناية بالذات. وتساعدهم في مواجهة مشاعر الخوف والقلق والخجل واضطرابات الانتباه والتخفيف من حدة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.

 

في وقت يصعب على الأختصاصي النفسي التواصل الفعال مع الطفل وهو جالس على كرسي أمامه في عملية جافة قد لا تستهوي الطفل، ولا تثير انتباهه ولا تدفعه إلى حديث صريح عن أسباب سلوكياته، أثبتت الدراسات أنه يمكن معرفة الكثير عما يدور في ذهن الطفل وما تعرض له من مواقف أدت إلى اضطراباته السلوكية والنفسية من خلال تمثيله الأدوار على المسرح، فضلاً عن أهمية عملية التمثيل الموجهة في تفريغ مشاعر الطفل السلبية.

في هذا السياق؛ يقول مؤسسها مورينو إنه من خلال السيكودراما، يتمكّن الأطفال من تجربة الحياة بشكل مباشر ومن خلال الأدوار، حيث يتعلمون التعبير عن أنفسهم ويكتسبون قدرة على فهم مشاعرهم ومشاعر الآخرين.

السيكودراما لتنمية المهارات الأساسية

يُلاحظ، في السنتين الماضيتين، استخدام العديد من الاختصاصيين النفسيين في لبنان تقنية العلاج بالدراما لتنمية مهارات الطفل الاجتماعية والعاطفية، فهي ليست حكرًا فقط على فئة معينة ممن تحتاج إلى علاج نفسي أو سلوكي.

 

يمكن تلخيص دور السيكودراما في تنمية مهارات الأطفال على الشكل الآتي:

1-  تنمية مهارات التواصل الاجتماعي من خلال تأدية الأدوار، والتعبير عن المشاعر والأفكار بشكل مفتوح، ما يعزز قدرة الأطفال على التواصل بفعالية مع الآخرين، وتطوير مهارات الاستماع والتفاعل الاجتماعي.

2-  تعزيز الثقة بالنفس، إذ تتيح تجربة أدوار مختلفة بمواقف حياتية متنوعة فرصة للأطفال على إدراك كيفية التعامل معها ما يعزز ثقتهم بأنفسهم.

3-  تحفيز الخيال والإبداع، فالسيكودراما تشجع الأطفال على استخدام خيالهم واستكشاف أفكار جديدة، فتعزز قدرتهم على التفكير الإبداعي.

4-  تنمية الذكاء العاطفي للأطفال، إذ يساعد التمثيل الأطفال في فهم مشاعرهم وعلى كيفية التعبير عنها بطريقة صحية، وذلك من خلال تمثيل مواقف مليئة بالقلق أو الخوف أو الحزب والسعادة.

5-  تعزيز مهارة حل المشكلات، وهي إحدى أهم المهارات التي يحتاج إليها الأطفال في حياتهم اليومية؛ فمن خلال تمثيل مواقف حياتية مختلفة، يتعلم الأطفال كيفية التعامل مع تحديات معينة، مثل التعامل مع التنمر، كما تتعزز لديهم مهارة التفكير النقدي.

 

تجربة "نادي مش عادي"

في هذا السياق، تحدث موقع "أمان الأطفال" مع المرشدة النفسية الاجتماعية والمتخصصة في العلاج بالدراما ريم حجازي عن تأثير المسرح والعلاج بالدراما على الأطفال. حجازي نقلت للموقع تجريتها في ناديها "نادي مش عادي"، مشددة على أن الهدف ليس تعليم الأطفال التمثيل، كما يعتقد الأهل؛ بل الهدف هو بناء شخصية الطفل الاجتماعية وتنمية مهاراته العاطفية واغناء حصيلته اللغوية وتنمية مهارات الخطابة لديه، ومساعدة الأهل في الكشف عن جذور العديد من السلوكيات المزعجة أو غير المرغوب فيها لمعالجتها.

تتكون جلسات السيكودراما وفقًا لما تقول حجازي من تقنيات عديدة، منها تمثيل أدوار لمواقف اجتماعية مختلفة، تقنية المرآة بأن يتحدث الطفل إلى نفسه ليعي ذاته أكثر، قراءة قصة وتمثيلها لاستخلاص القيم منها وغيرها. وهنا تشير حجازي إلى أن الجلسة مقسمة بعناية ويتمثل دور المتخصص بمعرفة ومراقبة سلوكيات كل طفل على مدى عدة جلسات، ويمكن أن تكشف عملية التمثيل عن أسباب سلوكيات غير مرغوبة أو مقبولة اجتماعيًا يفرغها الطفل في مشاهد تمثيلية بطريقة عفوية.

في هذا الإطار، تذكر حجازي قصتين مؤثرتين تراهما جوهر عملها في النادي. الأولى وهي قصة فتاة تعاني السلوك العدواني والتعلق المرضي بالأم، وفي وقت لم تفلح كل محاولات الأم لمعرفة سبب تصرفات ابنتها، كشفت الفتاة مكنونات نفسها من خلال آداء دور لفتاة يعنفها خالها جسديًا موهو ما كشفته الأم لاحقًا.

أما القصة الثانية فهي لطفل يعاني اضطرابات سلوكية جمة وصلت إلى حد الكذب والسرقة وضرب الأطفال في المدرسة، لجأت زوجة الأب إلى العلاج بالدراما حلًا أخيرًا لمعالجة سلوكياته. وتسرد حجازي القصة قائلة : "إن أهمية التمثيل هو معرفة سبب المشكلة وهي الخطوة الأولية والأساسية للمعالجة، وفي هذه القصة مثّل الطفل ومنذ الجلسة الأولى دورًا تمثيليًا لطفل نبذته أمه فاتجه إلى السرقة، لتكتشف لاحقا وبعد العديد من الجلسات النفسية أن الطفل يشعر بأنه منبوذ من والديه بعد طلاقهما، فاتجه إلى سلوكيات عدوانية.

تلفت مؤسسة "نادي مش عادي" إلى أن قوة المسرح بوصفه قتنية علاجية تكمن في الترفيه، فالطفل يتلقى المعلومة ويندمج في عملية تنمية المهارات وهو يلعب ويقضي أوقاتًا ممتعة مع أقرانه. وهنا تشير إلى أن العلاج بالدراما ليس حكرا على الأطفال الذين يعانون مشكلات سلوكية أو اضطرابات نفسية، بل هو يتعدى ذلك للوصول إلى تنمية مهارات الأطفال العاطفية والاجتماعية.

تؤكد حجازي ان المهارات العاطفية التي تتيح للطفل معرفة مشاعره وادراكها وتقبلها وتعلم التعبير عنها بطريقة صحيحة، هي مهارات ضرورية لبناء شخصية سويّة نفسيًا. وأشارت إلى أن المهارات العاطفية تسير جنبًا إلى جنب مع المهارات الاجتماعية وهي مكملة لها؛ لأنها تساعد الطفل في الاندماج الاجتماعي والتعامل مع المواقف الاجتماعية المختلفة وتنمية مهارات حل المشكلات، كل ذلك يتم في جلسات السيكودراما المتخصصة والمتاحة في ناديها.

تسرد حجازي، في هذا السياق، قصة حول طفل مقعد ويعاني صعوبات تعليمية؛ إلا أنه مبدع في كتابة السيناريوهات. هذا الإبداع الذي تفجر في "نادي مش عادي" أعطاه جرعة كبيرة من الثقة بالنفس ساعدته بشكل كبير في تحسين مستواه الدراسي.

لذلك؛ تتحدث حجازي عن دور للمسرح أبعد من معالجة اضطرابات نفسية أو سلوكيات مزعجة، مثل القلق والاكتئاب والخجل والرهاب الاجتماعي، وهو تنمية الذكاء الاجتماعي والعاطفي للطفل، زيادة ثقته بنفسه، اكتشاف قدرات كامنة لديه، وتحسين التواصل الاجتماعي مع أقرانه.

 

 

مواضيع مرتبطة

كيف أصنع من طفلي شخصية سويّة؟

ثناء الوالدين على بعض سلوكيات طفلهما، من دون مبالغة، يجعله فخورًا بنفسه وبحب والديه له.

حملة شاملة في لبنان تمتد إلى عام كامل لحماية الأطفال من سوء استخدام الإنترنت

لا يعتقد أن مشاركة بعض الجمعيات والمؤسسات كافٍ لإنتاج أي أثر تغييري ما لم تشارك العائلات نفسها..

في عيد الفطر المبارك.. احموا أطفالكم من الألعاب النارية

الألعاب النارية مكونة من مواد كيمائية خطرة.. فأي خطر تعرض طفلك له بحال اشتريتها له؟

كلمات مفتاحية

نصيحة من متخصص